في أحد أكثر المواقع حساسية داخل السلطة الفلسطينية، يبرز اسم ماجد فرج كأحد أبرز الشخصيات الأمنية والسياسية في الضفة الغربية وُلد عام 1963 في مخيم الدهيشة، حيث شكلت تجربة اللجوء والاحتلال وواقع المخيمات ويلات نشأته.
كانت دراسته في مدارس وكالة الغوث مقدمة لانضمامه في شبابه إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حيث تشبع بالأفكار الثورية التي كانت سائدة آنذاك، لكنه لم يستمر طويلًا في هذا المسار، فسرعان ما غير انتماءه إلى حركة فتح، التي كانت أكثر براغماتية وتملك مشروعًا سياسيًا مختلفًا عن الجبهة.
التحولات الكبرى: من السجن إلى التنسيق الأمني
في سنوات مراهقته، اعتُقل فرج أكثر من مرة، وقضى في سجون الاحتلال نحو ست سنوات متفرقة. وكغيره من شباب الثورة الفلسطينية في ذلك الوقت، اختبر العنف الإسرائيلي في المعتقلات، لكنه خرج منها بحسابات جديدة، جعلته يتجه نحو المسار الأمني داخل السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو عام 1993.
كان انضمامه إلى جهاز الأمن الوقائي نقطة تحول كبيرة، حيث سرعان ما ترقى في المناصب، وتولى قيادة الجهاز في محافظة الخليل، وهي المحافظة الأكبر والأكثر تعقيدًا في الضفة الغربية. هناك، بدأ ببناء علاقات قوية مع جهات أمنية أمريكية وإسرائيلية، مما عزز مكانته داخل السلطة الفلسطينية، خاصة بعد انتفاضة الأقصى عام 2000، حين لعب دورًا مهمًا في إعادة تشكيل العقيدة الأمنية للأجهزة التابعة للسلطة.
رجل واشنطن وتل أبيب في الضفة
تمكن فرج من توثيق علاقته بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية والأمريكية، مما جعله أحد أهم مهندسي التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل. في عام 2009، عيّنه محمود عباس رئيسًا لجهاز المخابرات العامة، وهو المنصب الذي زاد من نفوذه، حيث بات الذراع الأمنية الأقوى للسلطة الفلسطينية.
في عام 2016، صرّح فرج في مقابلة مع صحيفة أمريكية بأن جهازه تمكن من إحباط 200 عملية مقاومة ضد إسرائيل، في إشارة واضحة إلى الدور الذي تلعبه المخابرات الفلسطينية في الحد من تصاعد العمل المسلح في الضفة الغربية.
هذه التصريحات لم تمر مرور الكرام، بل أثارت استياء الشارع الفلسطيني، الذي اعتبر أن التنسيق الأمني أصبح أداة لقمع المقاومة بدلاً من مواجهة الاحتلال.
اليد الحديدية ضد المعارضة والمقاومة
تحت قيادة فرج، تحول جهاز المخابرات العامة إلى إحدى أقوى أدوات السلطة في قمع المعارضة، سواء كانت سياسية أو عسكرية. كان الجهاز أحد الجهات الأساسية المتورطة في عمليات الاعتقال السياسي والتضييق على الفصائل المعارضة، وعلى رأسها حركة حماس، بالإضافة إلى قمع أي أصوات داخل حركة فتح تعارض نهج السلطة الحالي.
في عام 2021، عندما قررت السلطة الفلسطينية تأجيل الانتخابات خوفًا من خسارتها أمام حماس، كان فرج رأس الحربة في قمع الاحتجاجات، حيث أشرف على اعتقالات تعسفية طالت النشطاء، وكان أبرزها اعتقال وضرب المعارض الفلسطيني نزار بنات حتى الموت، وهي الجريمة التي أثارت موجة استياء واسعة داخل المجتمع الفلسطيني.
السباق على خلافة محمود عباس
مع تقدم عمر محمود عباس وضعف قبضته على السلطة، تصاعد الحديث عن الصراع على خلافته. يُعد فرج اليوم أحد أبرز المرشحين، خاصة مع تمتعه بدعم أمريكي وإسرائيلي. فقد كان أحد الشخصيات التي زارت واشنطن خلال إدارة دونالد ترامب لإقناع البيت الأبيض بدور السلطة في “محاربة الإرهاب” وضمان استقرار الضفة الغربية.
لكن رغم نفوذه الأمني، يواجه فرج عقبات كبيرة في سعيه للوصول إلى سدة الحكم، أبرزها افتقاره للدعم الشعبي، إذ يُنظر إليه على أنه رجل أمن أولًا وأخيرًا، لا يملك قاعدة جماهيرية، بل يعتمد على أجهزة الأمن والقوى الدولية في تثبيت نفوذه.
دور مشبوه في غزة؟
بعد اندلاع معركة طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، كشفت حركة حماس عن شبكة أمنية مرتبطة بجهاز المخابرات العامة الفلسطيني، كانت تحاول زعزعة الوضع الأمني في القطاع. قيل إن هذه الشبكة كانت تعمل لصالح مشروع أمريكي إسرائيلي لإيجاد قيادة بديلة لحماس في غزة، وأن ماجد فرج كان هو الاسم المطروح لتولي زمام الأمور هناك في حال سقوط حكومة حماس.
في هذا السياق، أظهرت تقارير إسرائيلية أن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت رشّح فرج لهذا الدور، وهو ما وافقه عليه زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد. لكن هذه الخطة باءت بالفشل بعد كشفها، مما زاد من التشكيك في نوايا السلطة الفلسطينية تجاه قطاع غزة.
هل ينقلب السحر على الساحر؟
رغم كل ما حققه من نفوذ، يبقى مستقبل ماجد فرج مفتوحًا على جميع الاحتمالات. فبينما يراهن على علاقاته الأمنية القوية لضمان استمراره في السلطة، فإن الغضب الشعبي الفلسطيني المتزايد من سياسات القمع والتنسيق الأمني قد يجعله هدفًا لموجة غضب قادمة، خاصة مع تصاعد المقاومة المسلحة في الضفة الغربية وامتدادها إلى مدن كانت تُعتبر سابقًا معاقل للسلطة.
مع مرور الزمن، يبدو أن المعادلة الأمنية التي يعتمد عليها فرج قد لا تصمد أمام التحولات السياسية والميدانية المتسارعة، مما يضع مستقبله ومستقبل السلطة الفلسطينية على المحك.
اقرأ أيضًا : السعودية والألعاب الأولمبية.. تعاون دولي أم بوابة لغسيل السمعة؟
اضف تعليقا