جلال إدريس

أثار الانفجار الضخم الذي شهدته العاصمة الإثيوبية “أديس أبابا”، جدلًا واسعًا، وتساؤلات كثيرة عن المستفيدين من هذا التفجير، الذي استهدف رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد علي”؛ حيث وقع الانفجار بعد لحظات من إلقاء خطابه أمام أكثر من مليون شخص في ساحة ميسكيل.

الانفجار الذي وصفه مراقبون بأنه محاولة اغتيال فاشلة  للرئيس الوزراء الجديد، الذي أدّى اليمين الدستورية لترؤس الحكومة أمام البرلمان قبل شهرين فقط، خلفًا لرئيس الحكومة السابق هيلاميريام ديسيلين، طرح عدة تساؤلات حول المستفيدين من إثارة القلاقل والإضرابات في إثيوبيا، خصوصًا بعد أن بدأت الحكومة الجديدة في اتخاذ خطوات إصلاحية في البلاد.

وخلف الانفجار مقتل شخص على الأقل وأصيب نحو 132 آخرون، وفقًا لمصادر إثيوبية، والتي أكدت أن الشرطة بدأت التحقيق لمعرفة من يقف خلف ما جرى.

انفجار بعد خطاب ناري

ووفقًا لـ”الجزيرة نت” فإنّ الهجوم وقع من بعد نحو ثلاث دقائق من إنهاء رئيس الحكومة كلمته؛ حيث سمع انفجار اعتقد الناس في البداية أنه مجرد تماس كهربائي.

وأوضح تقرير للجزيرة أن حضور آبي للتجمع الجماهيري لم يكن مبرمجًا من قبل، وقد غيّر رأيه بعدما تأكد حضور أكثر من مليون مواطن للتجمع الجماهيري؛ حيث أعدت المنصة فقط صباح اليوم لاستقباله.

فيما أكدت مصادر أن خطاب “آبي” ألهب مشاعر الجماهير بحديثه عن أن إثيوبيا خلال عهده لن ترجع أبدًا إلى الوراء، مشددًا على أن البلاد عانت خلال مائة عام من الآثار المدمرة لـ “الكراهية” ولا مناص من الإصلاح والمضي قدمًا إلى الأمام.

جهات مناوئة

وفور وقوع الانفجار اتهم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، “جهات مناوئة”- لم يسمِّها- بالوقوف خلف التفجير الذي استهدف تجمعًا حاشدًا مؤيدًا له في العاصمة أديس أبابا اليوم السبت.

ووصف آبي أحمد في بيان مقتضب بثه التلفزيون الإثيوبي، عقب مخاطبته المسيرة المليونية بميدان “مسكل”، الهجوم بأنه “اعتداء رخيص وجبان”.

وأكد أن “بضعة أفراد” قُتلوا وأصيب آخرون في التفجير، مشيرًا إلى أن “ما حدث محاولة غير ناجحة لقوى لا تريد أن ترى إثيوبيا متحدة”، معتبرًا التفجير استهدافًا لمسيرة النهضة والتقدم والتحول، متهما قوى معادية لم يسمها بالسعي لنسف التحول الذي تشهده البلاد.

وأشار إلى أنَّ الشرطة والسلطات الأمنية تجري تحقيقًا متكاملاً للوصول لمن يقف خلف الاعتداء، مشددًا على أن “هذا العمل لن يوقفنا عن مسيرة التحول والتغيير”.

الدولة العميقة

فيما يرى مراقبون أنَّ الإصلاحات التي بدأ رئيس الوزراء الحالي في اتخاذها، هي السبب الرئيسي في تأليب الدولة العميقة في إثيوبيا ضده، وهي من جعلت الكثيرين يتحركون في الداخل الإثيوبي لإثارة الفتن والقلاقل.

ويؤكد المراقبون أنَّ إصلاحات “آبي” بداية الطريق لإصلاحات واسعة تنتظرها الأجيال الجديدة، إلا أنّ ثمة تحديات صعبة تواجهه، أولها الدولة العميقة المتغلغلة بالأمن والجيش والاقتصاد التي لا يمكن مصادمتها، كما أن التماهي معها سيجعل التغيير والإصلاح اللذين تنشدهما الأجيال الجديدة أمرًا بعيد المنال.

ومنذ أن تولى مهامه على رأس الحكومة، أجرى آبي تغييرات كبيرة، حيث أفرج عن عدد كبير من المعارضين، واتخذ إجراءات لتحرير الاقتصاد.

وعبّر عدد من مؤيدي آبي عن سعادتهم بآمال الإصلاح التي يحملها رئيس الحكومة الجديد، وأساسها ترسيخ الديمقراطية والوحدة الوطنية.

وقال رئيس الحكومة الجديد وقتها، إنه سيحترم كافة الحقوق، مؤكدًا أنه سيكون أحد مفاتيح الحل للأحداث والمشاكل التي عانت منها البلاد سياسيًا، كما أكد أن الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا الحاكمة ستعطي الأولوية لمصلحة الوطن والمواطن واحترام كافة الحقوق.

ويعتبر آبي (42 عامًا) أول رئيس وزراء من عرقية “الأورومو” في تاريخ إثيوبيا، وكان يشغل قبل انتخابه منصب حاكم الإقليم الذي يحمل نفس العرقية.

احتجاجات 2015

وتشهد إثيوبيا منذ عشرات السنين احتجاجات واسعة زادت حدتها في عام 2015 بسبب خلاف على ملكية أراضٍ بين محتجين من عرقية أورومو والحكومة.

والأورومو تعد كبرى القوميات الإثيوبية، ويمثل المسلمون أغلبيتها الساحقة، وتحتج منذ عشرات السنين على انتهاك حقوقها، وشهد الإقليم عام 2015 حركة احتجاجية امتدت خلال 2016 إلى جهات أخرى منها مناطق أمهرا في الشمال.

ومع ازدياد القمع الحكومي ازدادت رقعة المظاهرات واتسعت لتشمل المطالبة بالحقوق السياسية وحقوق الإنسان، وأدت لمقتل المئات واعتقال الآلاف.

وازداد الموقف تعقيدًا بعد انضمام الأمهرية، ثانى أكبر مجموعة عرقية فى البلاد إلى الاحتجاجات فيما بعد، والتى تراجعت فقط بعد أن فرضت الحكومة حالة الطوارئ لمدة 10 أشهر فى أكتوبر 2016.

لكن كلا المجموعتين العرقيتين ظلت ساخطة على الحكومة، واستمر فى تنظيم الإضرابات والاحتجاجات ولا سيما فى منطقة أوروميا الفيدرالية، معقل عرقية أورومو، غير أنهم جميعا تفاءلوا بعد انتخاب آبي أحمد رئيسًا للوزراء.

وعول الكثير من الإثيوبيين، على أن يقود رئيس الوزراء الجديد البلاد إلى مستقبل أفضل ويرسى قواعد حكم ديمقراطي.

وكتب الناشط محمد أديمو، من أوروميا على تويتر: “انتخاب الدكتور آبى مهم لأسباب عديدة، إنه الشيء الوحيد الذى يمكن أن ينقذ الائتلاف الحاكم من الحل والتلاشي”.

مصر وجبهة الأرومو

ونظرًا لكون “مصر” على خلاف واضح مع الدولة الإثيوبية فيما يتعلق بمياه نهر النيل، وحصة مصر المهددة بالخفض بعد شروع  إثيوبيا في بناء “سد النهضة” على نهر النيل، فإنّ مراقبين ألقوا بأصابع الاتهام حول احتمالية ضلوع مصر في التفجيرات التي من شأنها تثير القلاقل في إثيوبيا.

ما يعزز وجهة النظر تلك، الاتهامات التي وجهتها إثيوبيا لمصر عام 2016، بأنها كانت تدعم الاضطرابات داخل البلاد، واستضافت رموزا من المعارضة الإثيوبية، وقدمت لهم دعمًا لوجستيًا، وهو الأمر الذي نفته مصر جملة وتفصيلًا.

لكن مراقبين لا يستبعدون أن تكون مصر، أو غيرها من الدول التي لا تحب الاستقرار لإثيوبيا، قد تورطت في هذا التفجير، والذي استهدف بالأساس رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد الداعي لوحدة إثيوبيا، وإقامة حكم ديموقراطي بها.