العدسة – موسى العتيبي
“الفن رسالة سامية يهدف للارتقاء بالشعوب”، هكذا يقول الفنانون العرب دائما في أحاديثهم الإعلامية، دون أن يوضحوا بالتحديد ماهي طبيعة تلك الرسالة؟!
لكن ثورات الربيع العربي والتي قامت في بلدان عربية عدة نهايات عام 2010، جعلت كثيرا من الفنانين العرب يتخلون عن رسالتهم السامية التي اعتادوا على ذكرها، لينضم قطاع كبير منهم إلى ركب السلطة والنظام، فصاروا منذ ذلك الحين كأبواق للأنظمة المتساقطة أو الصاعدة، يسيرون معها أينما سارت، ويدافعون عنها أينما حطت.
فنانو مصر وسوريا والخليج وتونس دليل واضح على ذلك، حيث أظهر أغلبهم رفضا كبيرا لثورات الربيع العربي في مهدها، وما إن نجحت تلك الثورات حتى تملقوا لها، ثم عادوا لمهاجمتها والانقلاب عليها بعد نجاح مايعرف بالثورات المضادة عليها.
الربيع العربي والفن
في مصر على سبيل المثال، دافع أغلب الفنانين المصريين عن نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وهاجموا ثورة الخامس والعشرين من يناير، وأظهروا تعاطفا كبيرا مع “مبارك” وطالبوا ببقائه حتى الرحيل.
وببحثٍ بسيط على محرك البحث الشهير “جوجل”، أو موقع “اليوتيوب” ستظهر عشرات المقاطع لفنانين مصريين، مطربين كانوا أو ممثلين، وهم يبكون على مبارك وما يحدث له من إهانات في ميدان التحرير، ويتهمون الثوار بأبشع الاتهامات، لكن ما إن نجحت الثورة حتى انقلب أغلب هؤلاء على أنفسهم، فراحوا يدافعون عن الثورة وشبابها، وكأنهم في مشهد تمثيلي يتقلبون فيه كيفما شاؤوا.
لم ينضم للثورة من بدايتها لنهايتها في مصر سوى مجموعة من شباب الممثلين، والذين بات أغلبهم منبوذا، فنيا أو سياسيا، بعد الانقلاب على ثورة يناير وأهدافها في تحركات الجيش في الثالث من يوليو 2013.
بعد الثالث من يوليو ظهرت وبقوة على الساحة الفنية في مصر أعمال درامية وأغاني توصف بالوطنية، تهاجم التيارات الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين، باعتبار أن الدولة صنفتهم كـ”كيان إرهابي”.
أغاني “بشرة خير” و“تسلم الأيادي” و”احنا شعب وانتوا شعب” وأعمال درامية مختلفة، جميعها كانت شاهدة وبقوة على حالة الاستقطاب الشديدة، التي بات يعيشها الفن العربي والمصري على وجه الخصوص.
فنانو مصر ليسوا بدعا من القول، فالأمر نفسه تكرر مع فناني تونس الذين دافعوا وبقوه عن نظام “بن علي”، ورفضوا رحيله أو إهانته، ثم سرعان ما انقلبوا على “بن علي” نفسه بعد نجاح الثورة، وأصبح أغلبهم يقدمون أنفسهم كضحايا لنظام “بن علي” وأنهم قادة لثورة الياسمين.
وفي الخليج كذلك
تعد مواقف فناني الخليج العدائية لثورات الربيع العربي هي أحد المواقف المحيرة في الفهم؛ فالخليج لم تقم به ثورة، ولم يتأثر فنانوه بالأحداث الدائرة في بلدان الربيع العربي، ومع ذلك أصر أغلبهم على إبداء مواقف واضحة تجاه الثورات العربية، وكانت في أغلبها معادية لتلك الثورات، وهو مافسر بأنها محاولة منهم للسير على نهج أمرائهم وملوكهم.
لكن مهمة أخرى بدأ فنانو الخليج في القيام بها بعد اندلاع الأزمة الخليجية بين قطر والإمارات والسعودية والبحرين، الأزمة تمثلت في الهجوم والتطاول على “قطر” ومحاولة التقليل منها، بل وصل الأمر إلى إنذارها بحرب عسكرية يشنها “بن سلمان” وأبناء زايد عليها في أغانيهم.
“علم قطر” و”قولوا لقطر”
“قولوا لقطر” هي آخر الأعمال الفنية التي أصر فيها بعض فناني الخليج على إقحام أنفسهم في معترك السياسية، حيث قام عدد من فناني الإمارات والسعودية والبحرين بإصدار أغنية جديدة تحمل هجوما واضحا على قطر وتنذر بحرب ضروس ربما يشنها حكام الإمارات والسعودية على قطر.
كلمات الأغنية حملت همزا ولمزا واضحا لحكام قطر، كما حملت هجوما على الإخوان المسلمين المقيمن في قطر، وعزمي بشارة المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، لاعتبار أنه مقرب من الأمير تميم بن حمد.
الأغنية نشرت على موقع يوتيوب، يوم الثلاثاء 7 نوفمبر، وفور نشرها حظيت بعشرات الآلاف من المشاهدات، والتعليقات بين مؤيد ومعارض لإقحام الغناء والفن بتلك الصورة في عالم السياسية.
الأغنية جاءت من كلمات علي الخوار، وألحان فايز السعيد، وتوزيع زيد عادل، ويقوم بغنائها حسين الجسمي، ومجموعة من المغنين الخليجيين من بينهم: ميحد حمد، وعيضة المنهالي، وفايز السعيد، وتتناول الأغنية تحذيرا لقطر “ألا تصل لحد الخطر” على حد تعبير كلمات الأغنية.
الهجوم على قطر لم يكن الأول من نوعه في أغنية “قولوا لقطر”، لكنه كان الأشد والأعنف، حيث سبقته قناة روتانا السعودية، والمملوكة لرجل الأعمال السعودي الأمير “الوليد بن طلال”، الموقوف حاليا بأوامر ملكية، بأغنية بعنوان “علّم قطر”.
الأغنية شارك أيضا فيها مجموعة من المطربين العرب، لتثير ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا وأن أغلب من شاركوا فيها هم أنفسهم من قاموا بالغناء لقطر ومدحها قبل اندلاع الأزمة الخليجية بسنوات قليلة.
اضف تعليقا