منذ قيادة عبد الفتاح السيسي عملية الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 يوليو 2013 حينما كان وزيرا للدفاع، بدأت بوادر “جنون العظمة وفوبيا الشعبية” تلاحقه واستمرت حتى الآن.
وصاحب ظهور السيسي عملية تلميع كبيرة لدوره فيما وصفه بعض الإعلاميين بـ “إنقاذ مصر” من جماعة الإخوان المسلمين، قادته إلى اعتبار نفسه “نجم الشباك” الأوحد في مصر لا ينازعه في شعبيته أي شخص آخر.
ولكن الغريب أن “فوبيا الشعبية” انسحبت على أي شخص له شعبية أو بدأ يظهر على الساحة المصرية وليس بالضرورة أن يكون منافسا له على مقعد الحكم.
وهناك شخصيات عامة حاول السيسي عبر أذرعه في وسائل الإعلام والقضاء والجهات الأمنية والسيادية، تشويه صورتهم بعدة طرق وقطع الطريق عليهم في الظهور حتى يظل وحده الشخصية الأبرز في مصر وصاحب كل الإنجازات.
عبدالفتاح السيسي
جنون العظمة
يكفى لمعرفة “جنون العظمة” عند السيسي مطالعة عدد من التقارير والمقالات الغربية التي تحدثت عنه ووصفته بهذا، وكان أبرزها مقال للكاتب روبرت فيسك في صحيفة “إندبندنت” البريطانية.
فيسك أشار في مقاله عام 2015 أي بعد نحو من تولي السيسي رئاسة مصر، إلى أن مصر تعيش بين مطرقة “جنون عظمة” السيسي وسندان جنون تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال إن حكومة السيسي تلقي ما يقرب من 40 ألف سياسي في السجون، وأكثر من 20 ألف منهم من جماعة الإخوان المسلمين، في حين يواجه المئات منهم عقوبة الإعدام، قبل أن يتطرق إلى رغبته “البشعة” في إقامة عاصمة إدارية جديدة في حين يغفل ما يعانيه الشباب.
وفي أبريل 2016، اتهمت منظمة العفو الدولية، السلطات المصرية بـ “جنون العظمة” لطريقتها في قمع الاحتجاجات التي خرجت للمطالبة بإسقاط نظام السيسي.
وقالت ماجدالينا مغربي النائبة المؤقتة لمدير الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، إن السلطات المصرية بدت وكأنها أعدت حملة لا رحمة فيها لسحق هذا الاحتجاج حتى قبل أن يبدأ.
ووصف موقع “ثينك بروجرس” الأمريكي السيسي بأنه مريض بـ “جنون العظمة” منتقدا ارتفاع نسبة الاعتقال للصحفيين، والاختفاء القسري للعديد من الشباب.
“جنون العظمة” عند السيسي ولد لديه “فوبيا الشعبية” من أي شخص قد يمثل تهديدا لصورته في أي مجال، ولكن ما يزيد من خطورة الأمر بالنسبة للسيسي هو تآكل شعبيته وتزايد الغضب الشعبي ضده بسبب الفشل الذي يلاحقه على مختلف المستويات وبالأخص في ارتفاع الأسعار والتنازل عن جزيرتي “تيران وصنافير” للسعودية.
ويزيد من ظهور هذه “الفوبيا” هو اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل، في ظل تراجع شعبية السيسي بحسب استطلاع أجراه مركز “بصيرة” لقياس الرأي العام.
ويبرز عدة أسماء في مجالات مختلفة بدا أن السيسي يخشى على شعبيته منهم باعتباره “الشخصية الأبرز” في مصر.
محمد أبو تريكه
محمد أبو تريكه
لم تتوقف وسائل الإعلام الموالية للسيسي في شن حملة هجوم شديدة على لاعب كرة القدم السابق في النادي الأهلي والمنتخب الوطني، بمجرد تصدر هاشتاج يدعو لمشاركته في كأس العالم مع المنتخب تكريما له.
أبو تريكة من القلائل الذين لعبوا للأهلي ويحظون بحب وتقدير لدى جماهير المنافس التقليدي نادي الزمالك، فلا يختلف أحد على موهبته أو أخلاقه التي تميز بها طوال فترة تواجده بالمستطيل الأخضر حتى بعد اعتزاله كرة القدم.
وبدا أن ثمة حملة ممنهجة من قبل النظام الحالي عبر أذرعه الإعلامية لفتح ملف أبو تريكه من جديد بعد أن هدأ الحديث عنه لتواجده خارج مصر، عبر بوابة كأس العالم.
هذه الحملة شارك فيها أغلب البرامج والصحف والمواقع الإخبارية، ليس فقط للتشكيك في مقدرة أبو تريكه على العودة لللعب مرة أخرى بعد الاعتزال، ولكن تطور الأمر إلى اتهامه بأنه “إخوان” وأن أساس الهاشتاج كان سياسيا وخرج بشكل متعمد من قبل أنصار الجماعة للزج به في صدارة المشهد المصري.
هذه الحملة كانت مفهومة للغاية، إذ بين عشية وضحاها ظهر مقدار حب أبو تريكة من خلال تصدره المشهد، بما أثار حفيظة النظام الحالي لوجود هذا القدر من الشعبية للرجل الذي منعته أجهزة السيسي من التواجد في مصر، بعد وضعه على قوائم الترقب والوصول لإدراج اسمه في قائمة الشخصيات الإرهابية.
“أمير القلوب” كما يلقبه البعض خرج عبر حسابه على “تويتر” رافضا فكرة العودة للمنتخب والتأكيد أنه لا يسرق مجهود أحد، ولكن لم تتوقف الحملة ضد أبو تريكه إذ ظلت مستمرة مع محاولة الزج باسم محمد صلاح للمقارنة معه الذي كان سببا في تأهل المنتخب لنهائيات كأس العالم بينما الأول “فشل” في ذلك.
وفي الكواليس تدور أحاديث عن سبب انقلاب نظام السيسي ضده لأنه لم يقدم فروض الولاء والطاعة ورفض التبرع لصالح صندوق “تحيا مصر”، رغم أنه لم يتدخل في أي شيء يتعلق بالسياسة.
أحمد الطيب
أحمد الطيب
شيخ الأزهر أحمد الطيب كان له نصيب هو الآخر من محاولات التنكيل به، فكيف له أن يعارض توجهات السيسي في تجديد الخطاب الديني؟، ثم كيف يعارض قرارات الأجهزة الأمنية التي تصدرها عبر وزارة الأوقاف في الخطبة المكتوبة؟.
وبدا أن السيسي يشعر بوجود “ندية” في تعامل الطيب معه خلال الفترة الماضية، وهو ما ظهر جليا في أزمة “الطلاق الشفهي”، ورغم الضغوط وحملات التشويه للأزهر والطيب إلا أن هيئة كبار العلماء أصدرت بيانا تؤكد فيه وقوع الطلاق الشفهي، وهو ما أثار حفيظة النظام الحالي وأجهزته.
الطيب محصنا وفقا للدستور في مادتين الأولى أن رأيه وجوبي في كل ما يتعلق بالشريعة الإسلامية، الثانية أنه لا يجوز عزله من منصبه لأنه هيئة مستقلة، بما دفعه للدخول في هذه المعركة.
ومن هنا ظهر قانون أثار جدلا داخل أروقة مجلس النواب وخارجه بشكل أكبر، لأنه يحاول تنظيم قواعد اختيار شيخ الأزهر بما يمهد الإطاحة بالطيب “المتمرد”.
هذه المعركة انتهت إلى انتصار الطيب خاصة مع استضافة الأزهر لمؤتمر السلام بحضور بابا الفاتيكان، ونال شيخ الأزهر حظا وفيرا من التحية والتصفيق فور دخوله قاعة المؤتمر، وحظى بشعبية أكبر بعد معركته مع النظام الحالي لتمسكه بموقفه.
ولكن لا تزال مسألة الإطاحة به حاضرة في ذهن السيسي، إذ يصر النائب محمد أبو حامد صاحب مشروع تنظيم الأزهر الشريف، على تقديم المشروع الذي تم رفضه في دور الانعقاد الماضي لوجود عوار دستوري به، فهل ينجح السيسي في عزل الطيب؟.
هشام جنينه
هشام جنينه
حكاية السيسي مع المستشار هشام جنينه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات سابقا، كانت مختلفة بعض الشيء عن الأزمة مع الطيب.
جنينه –الذي كان أحد أعضاء تيار الاستقلال في عهد مبارك- خرج بتصريح يتحدث عن وجود حجم كبير من الفساد في الدولة، بل وطال كبار المسؤولين والمؤسسات حتى بات أمرا ممنهجا.
ودخل جنينه “عش الدبابير” ولم يخرج منه إلا مقالا من منصبه على خلفية تصريحاته، بعد وضع قانون يجيز عزل رؤساء الهيئات المستقلة من منصبهم إذا أخلوا بشروط معينة، على الرغم من نص الدستور على تحصين رؤساء تلك الجهات.
تصريحات جنينه جعلت له شعبية في الشارع المصري باعتباره رجلا يشغل منصبا مهما ويكشف عن الفساد الذي يستنزف ملايين المصريين، وبالطبع تحول بعدها إلى “أيقونة” بعد عزله من منصبه بقرار من السيسي.
وهذه خطوة زادت شعبية جنينه كثيرا، لمجرد أن يتبادر للذهن كيف يقدم السيسي على عزل شخص يكشف الفساد؟!.
جنينه الآن محروم من مستحقاته في الجهاز المركزي للمحاسبات ومن الخدمات المقدمة لكل المستشارين السابقين، بقرارات عليا من النظام الحالي، بحسب مقربين منه.
أحمد شفيق
أحمد شفيق
منذ الإطاحة بمرسي من الحكم وغير مسموح للمرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق بالعودة إلى مصر، حتى بعد الحصول على البراءة من القضايا المتهم فيها وآخرها القضية المعروفة إعلاميا بـ “أرض الطيارين”.
بعد البراءة لم تقدم السلطات المصرية على رفع اسم شفيق من قوائم الترقب والوصول إلى مصر، بما استدعى تدخل فريق الدفاع عنه لاستصدار حكم قضائي برفع اسمه لأنه ليس مطلوبا على ذمة قضايا أخرى.
التعامل مع شفيق بهذه الطريقة رغبة من السيسي في عدم ترشحه في انتخابات الرئاسة أمامه، في ظل تراجع شعبية الرئيس الحالي ووجود قدر من التأييد لدى رجال الحزب الوطني المنحل.
ولا يمكن إغفال أن شفيق خسر الانتخابات أمام الرئيس الأٍسبق محمد مرسي في جولة الإعادة عام 2012 أي بعد نحو عام ونصف من ثورية يناير، بفارق مليون صوت وأكثر قليلا، وهى نسبة تعبر عن إمكانية خوضه معركة كبيرة أمام السيسي.
تقارير كثيرة تتحدث عن خوض شفيق انتخابات الرئاسة، وهو ما جعل بعض أذرع السيسي الإعلامية شن حملة هجوم شديدة عليه، وطلب الرئيس الحالي من الإمارات منعه من الترشح في مواجهته.
محمد البرادعي
محمد البرادعي
السيسي يكن للدكتور محمد البرادعي بشكل خاص قدرا كبيرا من الغضب الشديد، ليس فقط لأنه كان نائبا لرئيس الجمهورية في الفترة الانتقالية عقب الإطاحة بمرسي، وكان الوجه البارز في مشهد ما بعد 3 يوليو لما للرجل من ثقل دوليا ولدى قطاع كبير من الشباب.
ولكن البرادعي وجه “صفعة” قوية جدا للسيسي، بعد استقالته من منصبه عقب فض اعتصامات أنصار مرسي في ميداني رابعة العدوية والنهضة.
سبب الاستقالة التعامل العنيف مع فض الاعتصامات بل والتسرع في اتخاذ هذه الخطوة، بما كان لها تداعيات خارجيا وداخليا لناحية إظهار السيسي كـ “متعطش” للدماء بما أفقده جزء كبير من الهالة التي كانت تحيط به.
وكلما أطل البرادعي برأسه بالحديث عن الأوضاع الداخلية في مصر، تخرج وسائل الإعلام الموالية للسيسي لتهاجمه بشدة، وتتهمه بالتحالف مع جماعة الإخوان المسلمين، وهى شماعة النظام الحالي لتشويه أي صوت معارض.
اضف تعليقا