العدسة _ جلال إدريس

أثارت التصريحات التي أدلى بها  ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع مجلة تايم الأمريكية، والتي أكد فيها موافقة بلاده على بقاء الأسد في منصبة، موجة من الجدل الواسع، إذ كشفت عن تحول كبير في الموقف السعودي من الثورة السورية، وتغير كبير من  النقيض إلى النقيض.

فالسعودية التي دعمت الثورة السورية في مهدها، وساندت فصائل المعارضة السورية لعدة سنوات، وعملت من خلال منافذ سياسية وعسكرية على إسقاط نظام بشار الأسد، ها هي نفسها تؤكد بقاء الأسد في منصبة بعد 7 سنوات من الثورة، وبعد أن أرهق نظام الأسد أرواح عشرات الآلاف من السوريين، وتسبب في تشريد الملايين.

فلماذا إذا تحول موقف المملكة العربية السعودية من النقيض إلى النقيض في سياستها تجاه الثورة السورية؟ فمن داعم للثورة إلى داعم ومساند للنظام؟ ومن ساعٍ لإسقاط الأسد، إلى مؤيد لبقائه شريطة أن لا يكون دمية في يد إيران؟

الانشغال بالملف الحدودي

وفقًا لمراقبين فإن أحد أبرز أسباب بداية التحول في الموقف السعودي يورد سليمان النمر: “أولاً، تسعى السعودية الآن للتركيز أكثر على الملف اليمني وإنهاء الحرب وصولاً لإيجاد نظام هناك حليف لها أو مهادن على الأقل.

وتعيش المملكة العربية السعودية أزمة كبيرة في ظل تمادي الحرب في اليمن، دون أن تحقق السعودية أية انتصارات تذكر في تلك الحرب، فضلا عن تكبدها خسائر مالية وبشرية ضخمة.

وفي مقابل تطوير الميليشيات الحوثية قدرتها الصاروخية بصورة كبيرة، الأمر الذي باتت تشكل مصدر إزعاج حقيقي للسعوديين.

وأصبحت الصواريخ الحوثية المطورة محليًا من نوع سكود وتوشكا وبركان وزلزال وغيرها من الصواريخ البالستية تصل لأهداف في عمق الأراضي السعودية وعلى الحدود مع اليمن وداخله وقبالة سواحله على البحر الأحمر.

أيضا فإنّ السعودية تعمل في الوقت الحالي على الاهتمام أكثر بالأوضاع المحيطة بحدودها،  ومن هنا جاء تحسن العلاقة مع العراق لتأمين حدودها من الميلشيات المحسوبة على إيران.

كما  تعمل السعودية على تأمين الأوضاع الداخلية في مجلس التعاون وعدم السماح لإيران بالتدخل من خلال فرض الوصاية على الشيعة في المنطقة”.

وعلى الأرض تُرجم التقارب بزيارات لمسؤولين رفعي المستوى والإعلان عن قرب فتح معبر عرعر الحدودي بين البلدين والإعلان عن تشكيل لجنة تجارية مشتركة بين البلدين.

“التغيرات على الأرض”

من جانبه آخر  يرى مراقبون أن أحد الأسباب الرئيسية في تغير الموقف السعودي من الثورة السورية، هو “التغيرات التي تجري على الأرض السورية ذاتها،  وأبرزها التقدم الروسي المدعوم أمريكيا من خلف الستار، والتفاهم بين هاتين القوتين والذي تُرجم في “اتفاق الجنوب”.

أيضا فإن التدخل التركي في الشمال السورى، والقيام بعمليات عفرين العسكرية داخل الأراضي السورية، والتي استهدفت منه أنقرة إخلاء منطقة عفرين الحدودية مع سوريا من المسلحين الأكراد الذين تدعمهم واشنطن، جعل السعوديين يشعرون بتهميش كبير لمواقفهم بشأن سوريا ومن ثم قرروا تغيير مواقفهم.

ويرى مراقبون أن الرياض تنظر بعين الريبة للتقارب الإيراني التركي الأخير، الذي تمثّل في عقد مفاوضات أستانة العام الماضي، وما ترتّب عليها من توافق على مناطق لخفض التوتّر برعاية الثلاثي روسيا وتركيا وإيران، وهو ما دفع السعودية لمحاولة اللحاق بتلك التغييرات عن طريق الإعلان عن موافقتها على بقاء الأسد في منصبة.

صفقة جديدة “صنعاء مقابل دمشق”

فيما يرى آخرون أن إعلان السعودية موافقتها على بقاء الأسد والتخلي صراحة عن دعم الثورة السورية، ربما يكون جزءا من مساومات ومفاوضات مباشرة ستدخل فيها السعودية مع إيران بحيث ترفع السعودية يدها تماما عن الملف السوري، وتشارك في عملية تموضع جديدة لنظام الأسد، وربما دعمه ماليًا وعسكريًا، في مقابل أن ترفع إيران يدها عن الملف اليمني، وتوقف دعمها المتواصل للحوثيين.

وما يدفع  السعودية لهذا المسار هو فشلها خلال ثلاثة  أعوام من اطلاق عاصفة الحزم السعودية، في تحقيق أي تقدم يذكر في الملف اليمني، الأمر الذي دفع بن سلمان يفكر بطريقة واحدة مقابل الأخرى، وهو ما لمح به مسؤوولين سعوديون في وقت سابق.

فشل “توحيد” المعارضة

الفشل المتتالي في توحيد المعارضة، وطيها تحت جناحها ربما يكون أيضًا أحد أسباب التخلي عن الثوار السوريين ودعم النظام، خصوصا وأن المعارضة السعودية باتت مقسمة إلى ثلاث منصات (منصة الرياض، ومنصة القاهرة ومنصة موسكو).

وفي أغسطس 2017 فشل اجتماع في الرياض بين “الهيئة العليا للمفاوضات” و”منصة القاهرة” و”منصة موسكو” دون التوصل إلى اتفاق لوضع استراتيجية مشتركة تفاوضية وتشكيل وفد موحد “لجميع أطياف المعارضة السورية” إلى مفاوضات جنيف،  حيث كانت نقطة”مستقبل الأسد” هي محل الخلاف بين جميع الفصائل.

وأعلنت الهيئة العليا للمفاوضات وقتها  أن الأطراف المشاركة فيها لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق بسبب إصرار “منصة موسكو” على عدم طرح موضوع تنحية الأسد كشرط مسبق في اجتماعات جنيف، وأكدت “الهيئة العليا للمفاوضات” وجود “قدر مهم من التفاهم مع منصة القاهرة”.

ومن جانبها أعلنت الأمم المتحدة أنها “لا تزال تقيّم نتائج محادثات الرياض بين الحكومة السعودية وثلاث من جماعات المعارضة السورية وعلى هذا الأساس ستتخذ قرار عقد محادثات جنيف في سبتمبر”.

الأزمة الخليجية

الأزمة الخليجية، وتفكك الموقف الخليجي الذي كان موحدا مع اندلاع الثورة السورية، هو أيضا أحد أسباب تغير الموقف السعودي من تلك الثورة.

ومن المعروف أن الحلف الذي خدم الثورة السورية في ربيعها وخريفها،  كان مكونا من “السعودية وقطر وتركيا”، وبموجبه تعاونت الدول الثلاثة في إمداد فصائل الجيش الحر خاصة بالسلاح والمال ليخوضوا معركتهم في مواجهة الأسد، ويحبطوا الحلم الإيراني بإكمال الهلال الشيعي، وهو الهدف الذي لم يتحقق.

وبدورها كانت الإمارات بلا شك، هي من تزعمت تفكيك هذا الحلف، واستطاعت تقديم نفسها في الولايات المتحدة كلاعب إقليمي ناجح في “الحرب على الإرهاب.”

ووفقا لمراقبين فإن لتأثر الأمير الشاب “محمد بن سلمان” بمحمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، أكبر الأثر في استمالة المملكة نحو حلف جديد تنضم فيه إلى الإمارات والبحرين ومصر، وتعادي فيه تركيا وقطر.

وشيئا فشيئا تحوّل الأمر من تحالف كان يضم السعودية وقطر وتركيا هدفه إسقاط نظام الأسد عبر دعم الفصائل السورية المقاتلة وعلى الأخص المعتدلة إلى تحالف جديد يضم السعودية والإمارات ومصر والبحرين، ويقاطع قطر لتتخلى عن دعم الثورة السورية كما تخلت، صديقة الأمس، السعودية عنها.

الأمر وصل بحسب مراقبين، إلى محاولة إرغام قطر على تغيير رؤيتها والتخلي عن سوريا من جهة، والتخلي عن دعمها لها والوقوف صفا واحدا إلى جانب نظام بشر، الذي باتت تدعمه مصر والسعودية والإمارات.

الحرب على الأرهاب أولى

التحول في الموقف السعودي من الثورة السورية، يمكن أيضا فهمه في إطار رؤية المملكة العدائية للثورات الربيع العربي، حيث إنها لم ترحب بالثورة السورية في مهدها، لكنها اضطرت للتفاعل معها بعدما تفاعل الرأي العام السعودي، ومع المشاهد الدامية الآتية من سوريا، جراء قمع النظام للتظاهرات السلمية، فقررت استغلال الثورة للنكاية في إيران، التي عادت الثورة منذ اللحظة الأولى وصبت عليها ويلاتها.

ومع دخول الثورة السورية مرحلة العسكرة، وتشكل كتائب الجيش السوري الحر، والفصائل الإسلامية، وبدأت تلك المجموعات في تحقيق انتصارات على قوات النظام السوري والمليشيات التي كانت تدعمه في محافظات عدة، سال لعاب السعوديين، أن يكون لهم دور ومكانة في سوريا، إن دعمت تلك الفصائل المسلحة.

لكن ومع ظهور بوادر خلافات بين مكونات هذه الفصائل العسكرية، واتهام أطراف في المعارضة السورية، السعودية بأنها عملت على دعم جماعات دون غيرها، وأزكت عداوات داخل مكونات قوى الثورة والمعارضة السورية، ودعمت وصول جهاديين إلى سوريا، ما ساهم لاحقاً في بروز تنظيم “داعش”، بدأ الموقف السعودي يتغير حيال الثورة.

وساد منذ ذلك الحين اعتقادٌ واسع في أوساط المعارضة السورية، أن موقف المملكة من النظام السوري، بات على أحسن تقدير، أقل حدة مما كان عليه خلال السنوات القليلة الماضية، وباتت “الهيئة العليا” تتحرك ضمن هذه المعطيات، التي يرشح منها أن الرياض تتماشى مع المزاج الدولي القائم حالياً، والذي يضع قضية محاربة الإرهاب كأولوية في سوريا، وليس قضية إسقاط نظام بشار الأسد.