“تعبت.. استهلكت.. ومفيش فايدة.. كلهم ولاد كلب.. وإحنا بنفحت في ماية.. مافيش قانون خالص هيجيب حق حد.. بس إحنا بنعمل اللي علينا.. أهه كلمة حق نقدر بيها نبص لوشوشنا في المراية من غير ما نتف عليها.. مفيش عدل.. وأنا مدركة ده.. ومفيش أي نصر جاي.. بس بنضحك ع نفسنا عشان نعرف نعيش”..
بهذه الكلمات ختمت الشابة زينب المهدي حياتها في نوفمبر من العام 2014، حين أقدمت على شنق نفسها في غرفتها بعد أن بعثت برسالتها الأخيرة إلى صندوق البريد.
قبل عامين من هذا المشهد، وبالتحديد في يوليو عام 2012، كانت زينب تقف على منصة تدشين كيان لتنمية المجتمع النسوي وزيادة الوعي بدور المرأة المصرية في بناء المجتمع، أو كما خطته زينب بنفسها في تعريفها “المساعدة في بناء مجتمع مدني قوي وذلك من خلال العمل المجتمعي في منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخيرية والمشاركة في مراقبة الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تبني جزءا كبيرا من المجتمع المدني والأنشطة النسوية التي تنهض بالمرأة المصرية على المستوى السياسي والإنساني”.
ما الذي حدث؟ وكيف انتهت حياة الفتاة بهكذا طريقة؟ ولماذا يأخذ الانتحار في الانتشار بين أوساط الشباب؟ وأي مستقبل ينتظر مصر في ظل هذا الوضع المخيف؟
معدلات مخيفة ودولة غائبة
مرت أيام قليلة على واقعة انتحار الطبيب شريف قمر الذي كان يعاني من الاكتئاب الحاد وقد ظهر في فيديو قبل أيام من انتحاره والاختناق يغلب كافة ملامح وجهه، دون توضيح سبب اكتئابه، كان يتحدث فيه عن أن الانتحار فى كثير من الأحيان يكون الحل فى النهاية، وبالفعل قام “شريف قمر” بعرض سؤال عبر صفحته الشخصية بموقع “فيسبوك” يسأل فيها أصدقاء عن أفضل وسيلة للانتحار، و بالفعل انتحر شريف برصاصه من مسدس والده.
ولا يكاد يمر يوم واحد دون تسجيل عدد من حالات الانتحار؛ بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي فاقت قدرة كثيرين على الاحتمال، ودفعتهم إلى فقدان الأمل في تحسن أوضاعهم، بعد ثلاثة أعوام من انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح السيسي على الرئيس محمد مرسي في تموز/ يوليو 2013.
أرقام مفزعة
تحدثت الصحافة الأجنبية كثيرا عن الانتحار في مصر حتى أن صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية رصدت تزايد حالات الانتحار في مصر، و أرجعت هذه الظاهرة إلي انتشار الفقر والبطالة في المجتمع المصري الذي يعيش أكثر من 45 % من سكانه تحت خط الفقر، مشيرة إلي أن حالات الانتحار ارتفعت من 1160 حالة في عام 2005 إلي 3700 حالة في 2007 إلي 4200 في عام 2008.
إلا أن جهاز التعبئة و الإحصاء رصد منذ يناير2011 وحتى عام 2014، 18 ألف محاولة انتحار، منها 3 آلاف لمن هم أقل من 40 عامًا، وبلغ المعدل السنوي 5 محاولات من أصل ألف شخص، وذلك بزيادة 12% عما كانت عليه عام 2010.
إحصائيات الجهاز أكدت أن النصيب الأكبر من المنتحرين شهده شهر أكتوبر الماضي بانتحار 25 شخصًا، منهم فتاة لم تتجاوز (13عامًا) بسبب خلافات مع زوجة والدها، وحالات، لشاب شنق نفسه بملاية السرير في الدقي، وفتاة قفزت من كوبري قصر النيل.
ترتيب عالمي!
من جانبها، قالت منظمة الصحة العالمية، ان مصر تحتل المركز الـ 96 على مستوى العالم من حيث عدد الأفراد المقبلين على الانتحار، وكان ذلك في عام 1987، ثم شهد عام 2007 عدد 3708 حالات انتحار متنوعة من الذكور والإناث.
وفي عام 2009 أظهرت دراسة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، انتحار 104 آلاف حالة، تمكن 5 آلاف منهم من التخلص من حياتهم، وجري إنقاذ الباقي، وأن الفئة العمرية الأكثر إقبالاً على الانتحار هي ما بين 25 و40 عامًا؛ وأن النسبة الأكبر للانتحار هي للرجال، وأن معظم حالات الانتحار ترجع إلى الظروف الاقتصادية، وعدم القدرة على الإنفاق على الأسرة.
تقارير حقوقية
بدورها، قالت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات انه في عام 2015 وصل عدد المنتحرين 157 حالة انتحار وقعت في مصر، بخلاف محاولات الانتحار فقط، وتم إنقاذها”، مؤكدة أن النسبة الأكبر لحالات الانتحار في شريحة الشباب والمنحصرة في الفئة العمرية ما بين (18: 35) حيث بلغت 83 حالة بنسبة 52.87%.
شريحة العمر للمنتحرين (من 36 وحتى 60 عاما) جاءت في المرتبة الثانية بـ 28 حالة انتحار (بنسبة 17.83%)، تلتها 27 حالة انتحار مجهولة العمر بنسبة (17.19%)، ثم 16 حالة انتحار في شريحة الأطفال والأحداث بنسبة (10.19%)، وأخيرا 3 حالات انتحار في فئة المسنين الأكبر من 60 عاما (بنسبة 1.9%).
كوميديا الانتحار
في نوفمبر 2016 دشن نشطاء على موقع “فيسبوك” دعوة للانتحار الجماعي تعبيرا عن حالة اليأس التي أصابت المصريين جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في بلادهم.
وقال منظم دعوة الانتحار الجماعي على موقع “فيسبوك” بأسلوب ساخر، إن “هذا هو الوقت المناسب للانتحار بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصر”، مشيرا إلى أن اختيار طريقة الانتحار المناسبة متاح لكل شخص، “وسيكون هناك منظمون في هذا اليوم لمساعدة الشباب في اختيار طريقة الانتحار التي تناسبهم”.
وتابع مخاطبا الشباب المصري: “افتكر كل الأزمات، والغلاء، وقلة الفلوس، والجنيه، والبنزين، وتذكرة المترو، وخليهم حافز ليك على الانتحار، ولو دول مش كفاية؛ افتكر إن البسكوت بقى بجنيه ونص، ومبقاش فيه أكياس كشري بجنيه.. افتكر يا أخي إنك في مصر.. والله الموفق”.
وأثارت الدعوة حالة من الجدل، حيث سجل نحو سبعة آلاف شخص اهتمامهم بتلك الدعوة، وأعلن ثلاثة آلاف نيتهم الحضور، وشارك أكثر من 600 شخص الدعوة مع أصدقائهم.
خط زمني مخيف
1. في المنيا انتحر طالب يدعى ممدوح فراج (17 عامًا) بمركز مطاي، بإطلاق الرصاص على نفسه، لتكرار رسوبه في الثانوية العامة.
2. وفي المنيا أيضا انتحرت طفلة تدعى رحمة علاء (13 عامًا)، بمركز المنيا، شنقًا بحبل يتدلى من شجرة أمام منزلها، بسبب شعورها بالتجاهل والرفض من زوجة أبيها.
3. وفي 18 سبتمبر، أقدمت ربة منزل على الانتحار شنقًا بمدينة العدوة لقيام زوجها بحرمانها من رؤية أولادها وخلافاتها المتكررة مع الزوج، كما انتحر شاب شنقًا داخل الشقة التي يقيم بها، بمدينة الأمل بالسويس، شمال شرقي مصر، لمروره بأزمة نفسية بسبب تعطله عن العمل.
4. أما حالة الانتحار الأبرز والتي تحولت لحديث مواقع التواصل الاجتماعي فكانت لمواطن يدعى فرج رزق (48 سنة) انتحر شنقاً على إحدى اللوحات الإعلانية بطريق مصر الإسماعيلية (شمال شرق).
اضف تعليقا