انتهت ورشة المنامة التي قادها جاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه، وباتت تفاصيل صفقة القرن بشقها الاقتصادي ومشروع محاولة “تبخير” فلسطين واضحة، وبمباركة عربية تتزعمها بعض الدول الخليجية.
وحملت دول خليجية القسم الأكبر من المسؤوليات المالية ضمن إطار الصفقة؛ حيث تشير البنود التي أعلنها جاريد كوشنر، خلال افتتاح مؤتمر المنامة، في 25 يونيو الجاري، إلى أنه سيتم رصد مبلغ 50 مليار دولار على مدى 5 سنوات لـ”فلسطين الجديدة”.
ويبدو أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تلقت في مشروعها هذا الدعم من الولايات المتحدة، ومصر، وبعض دول الخليج العربي، ومن المتوقع أن تجبر الفلسطينيين على قبول هذه المواد أو أخرى شبيهة.
الأموال المدفوعة
ستسدد الولايات المتحدة من المبلغ المعلن نحو 20%، والاتحاد الأوروبي 10%، في حين يقع على عاتق دول الخليج العربي النسبة المتبقية؛ وهي 70%، في حين لا تتكفل فلسطين و”إسرائيل” بأي مبالغ.
وكشف الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين، عن صفقة غير معلنة ستدفع من خلالها دول خليجية نحو 100 مليار دولار؛ في إطار تنفيذ الصفقة التي اهتمت بالجانب الاقتصادي، على أن يدفع كل الإمارات والسعودية 70 مليار دولار بالمناصفة.
وسيكون تنفيذ استثمارات بقيمة 27.5 مليار دولار في الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى استثمارات بقيمة 9.1 مليارات دولار في مصر، و7.4 مليارات دولار في الأردن، و6.3 مليارات دولار في لبنان.
ويشير كوهين إلى أن الخلافات تكمن حول الأموال، بعد مطالبة دول خليجية بتخصيصها للاجئين الفلسطينيين وتحسين ظروفهم، في حين تطالب حكومات مصر والأردن بدفع الأموال لأرصدتها وليس للاجئين.
خطة الصفقة
الخطة الأمريكية تتحدث عن تمويل 179 مشروعاً للتنمية الاقتصادية، بينها 147 مشروعاً في الضفة الغربية وغزة، و15 في الأردن، و12 في مصر، وخمسة مشاريع في لبنان، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.
وتشمل بنود الشق الاقتصادي للصفقة التي أعلنها البيت الأبيض بشكل رسمي دعم توسعة موانئ ومناطق تجارية قرب قناة السويس، وتطوير المنشآت السياحية في سيناء، وإقامة ممر بين غزة والضفة بتكلفة 5 مليارات دولار.
كما تشمل تحديث خطوط الكهرباء بين مصر وغزة، وإصلاحها لزيادة إمدادات الكهرباء، إضافة إلى توفير أكثر من مليون وظيفة في الضفة وغزة، وخفض معدل الفقر بنسبة 50%.
كما تهدف إلى “تحسين التعاون الفلسطيني مع مصر وإسرائيل والأردن للحد من الحواجز التنظيمية أمام حركة السلع والأفراد الفلسطينيين”، وفق ما أعلن كوشنر مؤخراً.
العرب يبيعون فلسطين
لم تمضِ دولة الاحتلال نحو مشروعها إلا بحصولها على الدعم من الولايات المتحدة، لكن الأبرز في ذلك الدعم كان من قبل دول عربية، وفي مقدمتها مصر والسعودية والإمارات.
وأكد عضو في اللجنة المركزية لحركة “فتح” وجود ضغوطات عربية “هائلة” تُمارس على قيادة السلطة الفلسطينية للقبول بالصفقة السياسية التي يجهزها الرئيس الأمريكي، وباتت تعرف إعلامياً باسم “صفقة القرن”.
نتنياهو وترامب
وأوضح القيادي الفتحاوي، أن السعودية تقود هذه الضغوطات لإجبار قيادة السلطة على التعامل إيجاباً مع الصفقة الأمريكية وعدم معارضتها، وذلك قبل أسابيع قليلة من طرحها بشكل رسمي.
وأضاف: “هناك دول عربية، وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر، مهتمة كثيراً بالصفقة الأمريكية، وتسعى بكل الوسائل، وحتى عبر الابتزاز السياسي والمالي، من أجل إخضاع الفلسطينيين للقبول بالصفقة، رغم كل مخاطرها على القضية”.
وتعد السعودية من أوائل البلدان التي تبنت الخطة الأمريكية، أو ما يعرف بـ”صفقة القرن”، في حين كانت الإمارات من البلدان العربية التي عبرت عن ترحيبها بالمشاركة في المؤتمر. واعتبرت أنها تأتي بناء على “موقفها السياسي بشأن قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”.
أما مصر فهي تشارك في مؤتمر “البحرين”، والتي قالت إنه يأتي في إطار التوصل لحل نهائي “للصراع الفلسطيني الإسرائيلي”، إضافة إلى حضور الأردن والمغرب، في حين تحتل البحرين صدارة تلك الدول باستضافتها للمؤتمر.
رفض عربي لـ”صفقة القرن”
تفاعل الكثير من العرب شعبياً ورسمياً مع عقد مؤتمر البحرين، وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وسم (هاشتاج) “#يسقط_مؤتمر_البحرين”، و”فلسطين_ليست_للبيع”، واصفين تنظيم الورشة بالخيانة العظمى للشعب الفلسطيني ولمقدسات المسلمين.
وشهد عدد من المناطق الفلسطينية مظاهرات رافضة للخطة الأمريكية، كما نظم عدد من طلبة الجامعة الأردنية سلسلة بشرية في ساحة الجامعة، منددين بمشاركة بلادهم في ورشة المنامة وبالتطبيع مع الاحتلال.
موقف الكويت من ورشة المنامة نال تفاعلاً واسعاً عبر المنصات، حيث تداول الناشطون مقاطع فيديو لجلسة مجلس الأمة أكد فيها النواب رفض الخطة الأمريكية المقترحة واستجابة الحكومة لهم.
البحرينيون -الذين تستضيف عاصمتهم ورشة المنامة الاقتصادية- بدا موقف كثير منهم مغايراً تماماً لموقف حكومتهم، حيث أطلق ناشطون عبر المنصات وسم “#بحرينيون_ضد_التطبيع”، واصفين تنظيم الورشة بالخيانة للشعب الفلسطيني.
كما تواجه الورشة رفضاً واسعاً من قِبل القيادة ورجال الأعمال الفلسطينيين داخلياً وخارجياً، وترفضها دول عربية عدة،
وفي لبنان التي ورد اسمها في الصفقة، قال رئيس الحكومة، سعد الحريري، إن حكومته ومجلس النواب في لبنان يعارضان الخطة الأمريكية، لافتاً إلى أن الدستور اللبناني يمنع التوطين.
كما خرجت تظاهرات في المغرب رافضة لـ”صفقة القرن”، ومنددة بمشاركة بلادهم، في حين اعتبر مستشار الرئيس اليمني وزير الخارجية السابق، عبد الملك المخلافي، “أن من يعتقد أن ما يسمى (صفقة القرن) يمكن أن تنجح بهذه البساطة إما متآمر أو واهم”.
كيف ستواجه واشنطن رفض الفلسطينيين؟
سيُمنع على “فلسطين الجديدة” أن تمتلك جيشاً، وستكتفي بامتلاك جهاز شرطة بأسلحة خفيفة، وستتكفل “إسرائيل” بحماية الدولة الجديدة لقاء مقابل مادي تتلقاه منها، ولا شك أن هذا الأمر أشبه بـ”تسليم اللحم للقطة، وإعطائها المال فوق ذلك”.
كما تنص الصفقة -بحسب التسريبات- على تخلي حماس عن سلاح المقاومة، مقابل رفع الحصار عن غزة، وإجراء انتخابات ديمقراطية في فلسطين، وإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين تدريجياً خلال 3 سنوات.
وفي حال رفضت حماس ومنظمة التحرير الصفقة ستلغي الولايات المتحدة كافة دعمها المالي للفلسطينيين، كما ستمنع الدول الأخرى من مساعدتهم، وهي الخطوة الابتزازية التي اعتادت واشنطن عليها.
ولدى رفض فلسطين لهذه الاتفاقية التي يبدو من الصعب الموافقة عليها، ستظهر بمظهر الطرف الرافض للسلام، وستُقطع عنها كافة المساعدات من ثم، لذلك تبدو أنها محصورة في زاوية ضيقة.
اضف تعليقا