العدسة – منصور عطية
هل باع الكل القدس؟ هل سقط جدار الحماية الأخير، أو ما طمح العرب والمسلمون أن يكون كذلك، عن المدينة المقدسة؟.
تساؤلات مشروعة وغيرها، أثارتها التصريحات الأخيرة للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، والتي أكد فيها أن القدس ليست مسؤولية الأردن وحده، بل مسؤولية مشتركة مع المجتمع الدولي، وأن مصلحة بلاده فوق كل الاعتبارات.
وعلى الرغم من منطقية الطرح، إلا أن المفاجأة تكمن في المواقف السابقة لعمّان، منذ قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، حيث وُصف الدور الأردني في الأزمة بأنه “الأنزه” بين نظرائه العرب، لكن يبدو أن الوضع تغير.. فلماذا؟.
ماذا قال الملك؟
تصريحات ملك الأردن جاءت على هامش لقاء حواري حضره، برفقة ولي عهده، نجله الأمير حسين بن عبد الله، في منزل اللواء المتقاعد ثلجي الذيابات، في كفر جابر.
وتحدث الملك في هذا اللقاء بصورة مغايرة تمامًا لما سبق من مواقف، عن صعوبة الوضع المؤسف في المنطقة بعد قرار “ترامب”، وكشف عن أن الإدارة الأمريكية تجاهلت نصائح أردنية وعربية وجهت لها بالخصوص، دون التطرق لتفاصيل.
ونقلت صحف إلكترونية ومواقع مقربة من السلطات، عن الملك قوله: إن “أجندة الدول العربية متباينة من حيث الأولويات والإستراتيجيات”، الأمر الذي يؤكد غياب أي تصور عربي موحد في مواجهة مرحلة ما بعد قرار “ترامب”، على عكس ما تروج له جامعة الدول العربية وبعض الأنظمة.
ومن أبرز ما نُقل عن الملك عبد الله الثاني، خلال تلك الجلسة، قوله: إن “القضية الفلسطينية يتحمل مسؤوليتها المجتمع الدولي، وليس الأردن وفلسطين”، كما أكد أيضًا أن “المصالح الأردنية في ظل الوضع القائم حاليًا فوق كل الاعتبارات”.
وشدد العاهل الأردني على أن بلاده “لا تستطيع التعامل لوحدها مع استحقاقات الوضع المؤسف حاليًا، وإن كانت ستقوم بواجبها ودورها”.
كانت “القضية الأولى”
اللافت، أن هذا التصريح يأتي بعد شهر واحد من موقف أردني، قيل حينها إنه الوحيد بين جيرانه العرب الذي يبقي على القدس وفلسطين كقضية مركزية، ويضعها في مقدمة أولوياته.
تحركات شعبية هي الأكبر عربيًّا، أيدها دعم رسمي عبَّر عنه الملك عبد الله الثاني، بتغريدة عبر حسابه الرسمي على تويتر، بقوله: “الأردنيون هم على الدوام نبض هذه الأمة، وما أظهروه اليوم من مشاعر جياشة تجاه القدس، قضيتنا الأولى، بتلاحم وتآخ لا مثيل لهما، يعكس مقدار شموخ شعبنا ورقيه، وهو مصدر فخر لي ولكل عربي، حفظ الله الأردن وشعبه، درعا وسندا لأمتنا وأبنائها”.
هذا الواقع أظهر الأردن وحيدًا في موقف عصيب يدافع فيه عن شرعيته القانونية والتاريخية والدستورية عن المدينة التي طالما كانت وازدهرت تحت الحكم الأردني، منذ عشرينيات القرن الماضي، وسط غياب دول عربية حليفة عن اتخاذ موقف قوي وواضح تجاه القرار الأمريكي.
وبحسب تقارير إعلامية، فإن الأردن بات يخشى الآن دخول عواصم عربية وإسرائيل والإدارة الأمريكية في مفاوضات على المدينة المقدسة، تحت مسمى “مفاوضات السلام”، تكون بمجملها على حساب الأردن وهويته في المدينة المقدسية.
لكن الواقع الآن يبدو مختلفًا عن ذي قبل؛ فالقيادة الأردنية بدت متراجعة إلى حد كبير بشأن موقفها من القدس، الأمر الذي يمكن وضعه في سياق التنصل من المسؤولية، وهنا قد تتعدد الأسباب التي ربما دفعت عمّان إلى هذا التراجع.
لماذا تراجع الأردن؟
وبقدر ما يمكن أن يفسره البعض من منطقية الطرح الجديد لملك الأردن بشأن موقف بلاده من قضية القدس، وسط ظرف إقليمي ودولي غير مساند، فإن الأمر ينطوي على ضغوطٍ ما، قد تكون مورست عليه، لتحرف بوصلته التي أقرها عقب قرار “ترامب”.
أول تلك الضغوط المحتملة وأبرزها وأقواها هي الأمريكية، ولعل هذا ما يمكن استنتاجه من تصريح سابق للعاهل الأردني، حذر فيه من “فراغ يضر بالمصالح الأردنية، في حال عدم التواصل مع الإدارة الأمريكية”.
ولعل ورقة المساعدات الأمريكية للأردن والتلويح بتجميدها أو سحبها نهائيًّا، خاصة بعد ما حدث مع مصر، في سبتمبر الماضي، تعد ورقة رابحة في التهديد والضغط الأمريكيين للأردن، بغية تحوير بوصلته بعيدًا عن محاربة قرار “ترامب” بشأن القدس.
ترامب وملك الأردن
ووفقًا لسجلات “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID“، فإن 20 دولة عربية تلقت الدعم عام 2016، وحل الأردن في المرتبة الثالثة بين تلك الدول الـ20، حيث حصل على 1.21 مليار دولار، مالت نسبيًّا لصالح الدعم التنموي على الدعم العسكري.
ومن أهم ما تلقاه الأردن خلال هذه السنة، 510 ملايين دولار، لما هو أمني وعسكري، و213 مليونًا للموازنة العامة، و188 مليونًا للخدمات الإنسانية الإغاثية، و82 مليون دولار للتعليم، و60 مليونًا للمجال الصحي.
السعوية تبرز بشدة في الصورة كالقوة الثانية في ممارسة الضغوط على الأردن لدفعه إلى التراجع، فموقع “بريتبارت” الأمريكي، أشار إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سعى للضغط على الملك عبد الله الثاني لتجنب حضوره اجتماع منظمة التعاون الإسلامي بشأن القدس في مدينة “إسطنبول”، ولكن الملك أصر على الحضور، في الوقت الذي أرسلت فيه السعودية مسؤولا مبتدئا.
وبدلًا من أن ينسق الأردن في قضية القدس مع السعودية حليفته التقليدية، توجه إلى غريمين لها، حيث التقى العاهل الأردني الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة عقب القرار الأمريكي، وتلقى قبلها بيوم واحد اتصالًا هاتفيًّا من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
بعيدًا عن القدس، لكن بارتباط وثيق بالأزمة بين البلدين، قالت صحيفة “هآرتس” العبرية، إن العلاقات الأردنية السعودية يشوبها الكثير من التوتر، بسبب سياسات وإجراءات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يسعى لتجريد المملكة الهاشمية من الهيكل الحاكم لها.
وأوضحت في تقرير لها أن مسؤولا أردنيا(لم يكشف عن هويته) اشتكى في نوفمبر الماضي، من طريقة تعامل ولي العهد السعودي مع الأردنيين والسلطة الفلسطينية، وأشارت إلى أنه يتعامل معهم كأنهم “خدم” وهو السيد الذي عليهم أن يتبعوا ما يأمر به فقط، وهو ما رفضته الأردن بصورة قاطعة.
من جانبه، نقل موقع “ديبكا” الاستخباراتي الإسرائيلي، عن مصادر عربية تأكيده أن الملك عبد الله أثار غضب القادة السعوديين والإماراتيين بإقامته علاقات وثيقة مع تركيا وقطر.
ووصل الصدع إلى ذروته باعتقال الملياردير الأردني الفلسطيني، صبيح المصري، وطالب الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، من العاهل الأردني أن ينفصل عن الحلف التركي القطري، مقابل الإفراج عن المصري الذي شكلت عملية احتجازه ضربة قوية للاقتصاد الأردني، قبل أن يفرج عنه لاحقًا.
اضف تعليقا