صاحب القوة دائماً على حق!

ثلاثة حصارات تشهدها منطقة الشرق الأوسط

يعيش الشرق الأوسط الآن عصراً من عصور الظلام الوحشية، والذي لم يفارق المنطقة كثيراً، فطالما حاربت الأنظمة السياسية مواطنيها من أجل القضاء على أي معارضة تُذكر، ومع هذا ومنذ عام 2011، مع بداية الربيع العربي، دخلت مستوى جديداً من الوحشية أشبه العصور الوسطى.

على الرغم من المصطلحات المتحضرة للعلاقات الدولية الحديثة، فإن القاعدة القديمة التي تقول “صاحب القوة دائماً على حق” لا تزال هي المحدد الأساسي للتعاملات والعلاقات بين الدول.

على سبيل المثال، كلمة “حصار”، لو تخيلناها في الماضي، سيقفز إلى مخيلتنا صور لفرسان مسلحين بسيوفهم، رافعين أعلامهم الملونة حول بلد “محصنة”، يحاصرونهم في محاولة لتجويعهم حتى يستسلمون.

اليوم، يوجد على الأقل ثلاثة حصارات واسعة النطاق في الشرق الأوسط، ربما لا يشتركون في “الكيفية” مع حصارات الماضي ذوات الأعلام الملونة، كما أن السيطرة تكون على دول بأسرها وليس فقط “بلدات” محصنة، إلا أن الهدف واحد في حصارات كلا العصرين.

 

اليمن

عندما تم تعيين محمد بن سلمان وزيراً للدفاع في المملكة العربية السعودية -كان وقتها 29 عاماً، عام 2015، وكان والده العاهل السعودي قد وصل حديثاً للعرش، كان من بين أولى أعماله الرئيسية التدخل في الحرب الأهلية في اليمنية.

اعتمد محمد بن سلمان في تلك الحرب على سلاح الجو السعودي، الذي كان أداته الأساسية رغم التكلفة العالية التي تكبدها استخدامه لذلك، كما قام بتكوين تحالف للقوات العسكرية مع عدد من الدول المجاورة، كالإمارات العربية المتحدة، والتي ساهمت في تلك الحرب بالقوات البرية، مع تدريب المقاتلين الأجانب والميليشيات القبلية.

منذ بداية التدخل العسكري السعودي، وُجهت انتقادات شديدة للطيارين السعوديين وذلك لقيامهم باستهداف كل شيء في اليمن، باستثناء الأهداف العسكرية التي من المفترض أنهم تدخلوا في البداية لمحاربتها.

الهجمات السعودية أدت إلى إلحاق الضرر بالمصانع والأسواق والمزارع، بالإضافة إلى استهداف حفلات الزفاف والمساجد والمباني السكنية، والتي أسفرت بطبيعة الحال عن خسائر بشرية جسيمة في صفوف المدنيين، وعلى الرغم من ذلك، وعلى الرغم من سيطرة السعودية على المجال الجوي في اليمن، تمسك المسؤولون السعوديون بموقفهم الرافض للاعتراف بأي مسؤولية عن تلك الخسائر.

إن صح القول بأن الأضرار الناجمة عن الهجمات الجوية السعودية ما هي إلا محض أخطاء فردية للطيارين، فإنه لا يمكن تكذيب فكرة وجود حصار انتقائي على الموانئ اليمنية فرضته السعودية وحلفاؤها، وذلك بهدف منع إيران أو غيرها من تهريب الأسلحة إلى البلاد.

أدى ذلك الحصار إلى عرقلة عمليات استيراد القمح وغيرها من المواد الغذائية من الخارج، فضلاً إلى تدمير عملية انتاج الأغذية في الداخل وتوزيعها على المدن والقرى، ما تسبب في نهاية المطاف إلى حدوث مجاعة ضربت كافة أركان البلاد، وبغض النظر إن كان هذا الحصار متعمداً أم لا، فإن ثلثي السكان اليمنيين اليوم يعانون من التجويع، دون وجود مساعدة من الأمم المتحدة، بسبب صعوبة وصول تلك المساعدات بفضل الحرب، التي أدت أيضاً إلى تدمير إمدادات المياه والمستشفيات، ما تسبب في تفشي وباء الكوليرا.

ان اختلفت المسميات والمصطلحات السياسية والدبلوماسية، فإن ما يحدث على أرض الواقع في اليمن هو حصار بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

 

قطر

بعد عامين من التدخل العسكري في اليمن، وتحديداً في يونيو/حزيران 2017، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية فجأة مقاطعة كاملة لدولة قطر على كافة المستويات، متهمين إياها بدعم الإخوان المسلمين ورعاية الأنشطة الإرهابية.

الحصار تم إعلانه بعد أن انضم المحمدين (بن سلمان من السعودية، وبن زايد من الإمارات) وكلاهما شخصيات سياسية ذات سيادة في بلديهما، إلى موقف دونالد ترامب، والذي أشاد في البداية بمخططهم، على الرغم من أن أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط كانت تقع في قطر.

مع مرور الوقت، اعتمدت الولايات المتحدة موقفاً أكثر حيادية من الدوحة، لكن المقاطعة استمرت، والتي طالت المجال الجوي القطري، حيث تم تخفيض حركة النقل الجوي من وإلى قطر إلى ممر ضيق واحد؛ كما تم حظر كل حركة البضائع عبر الحدود البرية لدولة قطر؛ وقد تم حظر شحن البضائع عبر موانئ الدول المحاصرة.

قطر دولة صغيرة بموارد مالية هائلة، وربما ذلك هو السبب وراء تخييبها لكافة توقعات السعودية والإمارات، واللتان لم يخفيا توقعتاهما بأن قطر ستستسلم لضغوطهما في غضون أسابيع، إلا أنه وبعد عامين من الحصار والضغوطات، تكيفت قطر مع الوضع، بل وبحسب القراءات في المشهد الحالي يبدو أنها نجت من تلك الأزمة.

ومع ذلك، يستمر الحصار

أنها نجت من الأزمة. ومع ذلك ، يستمر الحصار.

 

إيران

في مايو/أيار 2018 ، أعلنت الولايات المتحدة انسحابها من (خطة العمل الشاملة المشتركة) والمعروفة باسم الصفقة النووية الإيرانية.

في ذلك الوقت، كانت إيران تمتثل لشروط الصفقة، التي كانت قد تفاوضت عليها الولايات المتحدة مع الأعضاء الدائمين الآخرين في مجلس الأمن الدولي وألمانيا، وصادق عليها مجلس الأمن بالإجماع، إلا أنه وتحت إدارة ترامب، أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات على إيران، والتي كانت قد أزيلت كجزء من الصفقة، بل فرضت مجموعة إضافية من العقوبات القاسية، بما في ذلك فرض حظر تام على تجارة النفط الإيرانية.

الرئيس ترامب صرح بأن الغرض من هذا الحصار غير المسبوق لدولة عضو في الأمم المتحدة هو إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق أكثر شمولاً، وهي تصريحات لم يعارضها مساعدوه علنا، لكنهم أوضحوا أن هدفهم كان إزالة النظام الديني في طهران.

من ناحية أخرى لخص وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو غرض حملة الضغط الأقصى ضد إيران، على النحو التالي: “لقد مارسنا ضغوطًا هائلة لتمكين الشعب الإيراني من تغيير اتجاه قيادته”، مضيفاً أن ترامب “مستعد للقاء القادة الإيرانيين والتفاوض دون شروط مسبقة”.

على الرغم من ذلك، وضع مساعدو ترامب بعض الشروط الغير مطمئنة وقالوا إن المفاوضات ستتم “عندما تكون الظروف مناسبة”.

في كل الأحوال، الاقتصاد الإيراني يعاني الآن؛ فإجمالي الناتج المحلي قد انخفض، وفي المقابل ازداد التضخم، كما أن الشركات التي تعتمد على الواردات أو الصادرات تواجه انهياراً اقتصادياً واضحاً.

 

من يدفع الثمن؟

هناك ثلاثة حصارات تشهدها منطقة الشرق الأوسط الآن، وفيما يبدو أن أياً منهم لم يحقق هدفه المعلن، ويمكن إنهاء كل منها غداً إن أراد الداعين لتلك الحصارات ذلك، لكن أسياد الحصار غير مستعدين للاعتراف بأي خطأ، ويبدو أنهم يعتقدون أن أي علامة على الضعف ستثير تساؤلات حول حقيقة قوتهم.

لذلك، يبدو أن الحصارات الثلاثة ممتدة وبكيفيات أخرى تختلف عن العصور الوسطى والقلاع المحصنة، فالمحاربون في طائراتهم وصناع القرار في مكاتبهم المريحة سوف يقومون بعمل حساباتهم وحصر نقاط القوة والمكاسب، وكالعصور الوسطى، لن يدفع الثمن إلا الشعوب البسيطة الذين وقعوا ضحية بين القوة وبين الحق، وكما جرت العادة، صاحب القوة دائماً على حق، والقوة هي التي تحدد ما هو الصحيح وما هو الخطأ.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا