تعد الانتخابات الرئاسية القادمة في تركيا عام 2023 انتخابات محورية، حيث ينظر إليها على أنها ستكون فارقة في تاريخ الجمهورية التركية الحديثة، فإما أن ينجح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالرئاسة ويستمر حزب العدالة والتنمية في حكم البلاد، وإما أن تنقطع فترة حكم الحزب الممتدة منذ أوائل القرن الجاري، وتعود البلاد إلى سابق عهدها تحت حكم متبني العلمانية المتطرفة في تركيا.
وتكمن أهمية الانتخابات الرئاسية في تركيا في أن النظام الحالي هو نظام رئاسي يعطي الرئيس العديد من الصلاحيات الدستورية. ففي عام 2017، أجري استفتاء دستوري، نقل الدولة من النظام البرلماني، إلى النظام الرئاسي، فتضمن إلغاء منصب رئيس الوزراء، وتولي الرئيس صلاحيات تنفيذية، وقيادة الجيش، وإعطائه الحق في تعيين نوابه والوزراء وإقالتهم، والحق في إصدار مراسيم في مواضيع تتعلق بالسلطة التنفيذية، وتعيين نائب له أو أكثر، وإعلان حالة الطوارئ في حال توفر الشروط المحددة في القانون، وإعداد الميزانية العامة للدولة.
وكما هو واضح، فإن هذه الصلاحيات تعتبر واسعة وجوهرية، الأمر الذي يجعل من منصب الرئاسة المنصب الأهم في تركيا، بعد أن كان لرئيس الحكومة والبرلمان الأفضلية خلال العقود السابقة.
أردوغان مرشح تحالف الشعب
وفي خضم دعوات المعارضة التركية لعقد انتخابات رئاسية مبكرة، صرح زعيم حزب الحركة القومية التركي دولت باهتشلي، أن الرئيس رجب طيب أردوغان سيكون مرشح “تحالف الشعب” الحاكم في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في يونيو/ حزيران عام 2023. كما أكد أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ستجري في موعدها المقرر، مشددًا على ضرورة ألا يتوهم أحد إجراء انتخابات مبكرة. وقد أكد “باهتشلي” هذا الأمر في أكثر من مناسبة.
لذلك فإن هناك استقرار لدى تحالف الشعب الحاكم على اسم المرشح للرئاسة، ومن الطبيعي أن يكون هو الرئيس أردوغان، لأنه الاسم الأبرز في هذا التحالف، وفي عموم تركيا، وبات بإنجازاته الواسعة من القادة المؤثرين في تاريخ تركيا ككل.
وفي المقابل، لم تستقر أحزاب المعارضة بعد على اسم مرشح للرئاسة، لكن أبرز التوقعات لمرشح المعارضة أن يكون أحد هذه الأسماء، رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض كمال كلجدار أوغلو، أو عمدة إسطنبول عن حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو، أو زعيمة الحزب الجيد ميرال أكشنر، أو منصور يافاش عمدة أنقرة حزب الشعب الجمهوري المعارض.
إعلان ترشح كلجدار أوغلو
ومؤخرًا، أعلن نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، بولنت كوش أوغلو، خلال افتتاح مقر جديد في العاصمة التركية أنقرة، أن مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية هو زعيمه كلجدار أوغلو. كما تحدث آخرون سابقًا، من قيادات الحزب، عن ترشيح كلجدار أوغلو لخوض الانتخابات أمام أردوغان. وتكتسب أهمية هذه التصريحات من شخصيات قائليها، حيث إنهم من الشخصيات البيروقراطية البارزة داخل حزب الشعب الجمهوري والمقربة لزعيمه، لا سيما كوش أوغلو.
وجاء في مقال أصدرته صحيفة “حرييت” التركية أنه إذا كان المتحدث هو بولنت كوش أوغلو، فينبغي تقييم ذلك بأنه جاء بعلم من كلجدار أوغلو. كما نقلت عن مصدر مقرب داخل الحزب أن كلجدار أوغلو بدأ بتهيئة نفسه والاستعداد لذلك، كما أن مجموعة من الحزب ذاته تستعد وتتحضر من أجل ذلك.
ويرجع ترجيح كوادر أساسية في حزب الشعب الجمهوري في ترشح كلجدار أوغلو بدلًا من إمام أوغلو ويافاش إلى أنه إذا لم يحقق منهما الفوز إذا ترشح للرئاسة، فإنه سيسعى لرئاسة الحزب، كما حدث مع محرم إنجه الذي لم يفز في الانتخابات السابقة وحاول الحصول على زعامة الحزب المعارض الأكبر في البلاد.
وبالتالي، فإن ترشح رئيس الحزب نفسه يمنع تجدد الصراع على رئاسة الحزب، خاصة أن من يترشح لخوض المنافسة الرئاسية يتوجب عليه التخلي عن مناصبه في الدولة، ما يدفعه لاحقًا للبحث عن منصب حزبي مهم يبقيه في الساحة السياسية. كذلك فإن خسارة إمام أوغلو أو يافاش في سباق الرئاسة تعني أن إحدى البلديتين (أنقرة وإسطنبول)، ستنتقل إلى حزب العدالة والتنمية، وهو مالا يريده حزب الشعب الجمهوري الذي عاد للسيطرة على البلديتين بعد أكثر من عقدين من الزمان.
كلجدار أوغلو ينفي ترشحه للرئاسة
لكن عندما سئل كلجدار أوغلو خلال لقاء مع مجموعة من المخاتير (رؤساء الأحياء) في ولاية أدرنة، عن موضوع الترشح، قال: “تحالف الأمة، عندما يحين وقت الانتخابات، سيقرر ويتفق على معايير المرشح الرئاسي، ويتخذ قراره بهذا الخصوص”، مضيفًا: “المرشح الرئاسي يجب بداية أن يحب المواطنين وبلاده، ويفكر بوجدانه كيف يكون رئيسًا للبلاد ولـ83 مليون شخص، دون تمييز من أي أحد، واحتضان الجميع بحيادية دون أن يكون زعيمًا لحزب سياسي، وأن يكون صادقًا على الدوام، ويصرح في الأوقات المهمة، ويستمع لجميع المواطنين بعيدًا عن الخطابات الكلاسيكية”.
ويرى البعض في تصريحات كلجدار أوغلو الأخيرة أنها تحاول الحفاظ على تماسك المعارضة، بحيث إذا رأى زعماء المعارضة الآخرون انفرادًا بالرأي في مسألة مهمة كهذه، فإن تحالف المعارضة قد يتصدع. لكن يبقى السؤال حول الأسباب التي دفعت أعضاء في حزب الشعب الجمهوري مقربين من كلجدار أوغلو يصرحون بأنه المرشح للرئاسة.
وهنا يبدو أن هناك خلافًا داخل حزب الشعب الجمهوري حول شخصية المرشح للرئاسة، ويبدو أن تصريحات كوش أوغلو أتت في سياق إرسال رسالة إلى جبهات داخل الحزب نفسه، بألا يفكر أحد من الحزب في الترشح للرئاسة. ووفق محللين أتراك، فإن الخلافات في “الشعب الجمهوري” لا تتوقف فقط على المرشح الرئاسي، فبالتوازي مع ذلك هناك صراع على السلطة داخل الحزب، وأنه مع اقتراب الانتخابات، فستتضح أكثر صراعات القوى داخل الحزب، الأمر الذي قد يضع إمام أوغلو في جبهة تعارض رئيس الحزب وتحاول سلبه منصبه.
اضف تعليقا