العدسة: محمد العربي

بعد هدوء نسبي شهدته قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، عادت القضية للمشهد مرة أخرى، نتيجة الخلاف الدائر بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارة الكونجرس التي سبق وأن أمهلت ترامب مهلة، لوضع المعلومات التي توصلت إليها السلطات الأمريكية حول حقيقة المتورطين في مقتل خاشقجي.

الجدل الذي شهدته الساحة الأمريكية خلال الساعات الماضية بين ترامب والكونجرس، تزامن مع تقرير قدمه وزير الخارجية مايك بومبيو للكونجرس، اشتمل على أحدث المعلومات التي توصلت إليها الإدارة الأمريكية، حسبما أعلن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، الذي لم يقدم توضيحا لوسائل الإعلام عن طبيعة هذه المعلومات.

المراقبون اعتبروا أن غموض الموقف الرسمي للإدارة الأمريكية سواء بإدانة أو تبرئة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يحمل في طياته العديد من التساؤلات، من بينها أن هذا الموقف ربما يترجم الدعم المتواصل من إدارة ترامب لشريكهم السعودي، أو أنه يعني أن إدارة ترامب تريد الحصول على المزيد من المكاسب التي يقدمها بن سلمان من أجل النجاة برقبته والمحافظة على عرشه.

 

طي الصفحة

وحسب العديد من التحليلات التي تابعت عودة القضية للمشهد مرة أخرى فإن الرئيس الأمريكي يريد طي هذه الصفحة، وهو ما تؤكده التسريبات التي خرجت عن مسئولين بالبيت الأبيض بأن ترامب لن يقوم بالرد على استفسارات الكونجرس وفقا للمدة التي تم تحديدها سابقا وانتهت الجمعة الماضية.

ورغم ما أعلنه السكرتير الصحفي للبيت الأبيض بأن إدارة ترامب تتشاور بانتظام مع الكونجرس بعد مقتل جمال خاشقجي في الثاني من أكتوبر الماضي، وأن وزارة الخارجية قدمت معلومات للمجلس حول القضية، وأن التشاور مستمر من أجل تقديم مرتكبي جريمة القتل للعدالة، إلا أنه في المقابل فإن ترامب رفض إبلاغ مجلس الشيوخ عن موقف إدارته بشأن تورط ولي العهد السعودي في عملية الاغتيال، بعد الذي كشفته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، يوم الخميس، بأنه قبل عام من مقتل خاشقجي، أبلغ ولي العهد السعودي أحد مساعديه أنه سيستخدم “رصاصة” ضد خاشقجي، إذا لم يعد للوطن ويتوقف عن انتقاده للحكومة.

وتشير التقارير الإعلامية إلي أن، الصحيفة نقلت عن مسؤولين أمريكيين وأجانب حاليين وسابقين مطلعين على تقارير المخابرات، بأن تصريحات ولي العهد كانت لأحد مساعديه البارزين في 2017.

 

سيناريوهات ترامب

وحسب وسائل الإعلام الأمريكية والدولية فإنه رغم المعلومات التي قدمها وزير الخارجية بومبيو للكونجرس، إلا أنها لا تسمن ولا تغني من جوع، خاصة وأن إدارة ترامب ترفض الامتثال للمهلة التي حددها الكونجرس من أجل الرد في تقرير رسمي بشأن ما تعرفه عن عملية مقتل خاشقجي، ومدى مسؤولية ولي العهد محمد بن سلمان عن الجريمة، وفقا لقانون ماغنيتسكي، وهو ما ذكرته صحيفة “بيزنس إنسايدر” التي أكدت أن البيت الأبيض أعلن أن ترامب لن يرد على رسالة أعضاء مجلس الشيوخ التي تطالبه بالكشف عن تفاصيل جريمة مقتل خاشقجي والمتورطين فيها.

ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم السيناتور الديمقراطي بوب ميننديز قوله إن الرئيس ينتهك القانون بعدم تقديمه تقريرا لمجلس الشيوخ، وهو الموقف الذي دعا السيناتور الديمقراطي كريس كونز لمطالبة مجلس الشيوخ باتخاذ الإجراءات المطلوبة لمحاسبة الجناة وعدم التساهل مع جرائم قتل الصحفيين، مؤكدا عبر تويتر بأن مسؤولية محاسبة المتورطين في مقتل خاشقجي تقع على عاتق مجلس الشيوخ ما دام البيت الأبيض يتجاهل مطالب المجلس، بينما ترجم السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي القضية بأن السعوديين يتهكمون على مجلس الشيوخ علنا لعلمهم بأن ترامب رهن إشارتهم.

ويرى المتابعون أن محاولات البيت الأبيض في تهدئة الاحتقان المتصاعد في مجلس الشيوخ لم تفلح في نزع فتيل الأزمة، مؤكدين أن التصريحات التي نقلتها شبكة cnn، عن مسؤول رفيع المستوى بإدارة ترامب، تحاول إبعاد الشبهات المحيطة بتصرف ترامب، خاصة وأن المسؤول رفيع المستوي أكد كذلك أن الرئيس يحتفظ بحقه في رفض التصرف بناء على طلبات لجان الكونجرس عند الحاجة،  وأن الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب لمعاقبة المتهمين بقتل خاشقجي كانت كبيرة ومؤثرة، حيث كانت الولايات المتحدة أول دولة تتخذ إجراءات كبيرة، بما في ذلك إجراءات التأشيرات والعقوبات بموجب قانون ماغنيتسكي، ضد المسؤولين عن هذا العمل الشنيع، إلا أنه عاد وأكد على موقف إدارته.

مصادر إعلامية أخرى كشفت أن إدارة ترامب اتخذت قرارها بعدم الاستجابة للمدة التي حددها الكونجرس، بعد قناعتها أن أعضاء الكونجرس لن يتفاعلوا مع خطتهم في الدفاع عن ولي عهد السعودي، بالإضافة لوجود قناعة لدى الإدارة الأمريكية بأن الضغط الذي كان موجودا بالسابق بدأ يتلاشى، وأن البيت الأبيض لن يقدم مهما جرى أي دليل قاطع حول تورط ابن سلمان في الجريمة.

السعودية تناور

ويرى المراقبون أن نفي وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير للاتهامات الموجهة لولي العهد بن سلمان بأنه هو من أمر بقتل خاشقجي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول، لن تغير من قناعات أعضاء الكونجرس الذين تزداد قناعاتهم كل يوم بتورط ولي العهد في الجريمة، خاصة وأن الجبير تهرب من التعقيب على ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز بأن بن سلمان هدد في عام 2017 بإسكات خاشقجي برصاصة إذا لم يعد إلى المملكة ولم يتوقف عن انتقاد سياساتها، واكتفى الوزير برده على تساؤلات الصحفيين قائلا : ” لا أستطيع التعقيب على تقارير تستند إلى مصادر مجهولة”، إلا أن الخارجية السعودية عادت لتنشر تصريحا آخر للجبير حذر فيه من ربط مقتل خاشقجي بالقيادة السعودية ، مؤكدا أن القيادة السعودية خط أحمر.

قانون ماغنيتسكي

وحسب النظام الأمريكي فإنه يحق للسلطات الأمريكية فرض عقوبات على أي أجنبي متورط في عملية قتل أو تعذيب أو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان المعترف بها دوليا لممارسته حقه في حرية التعبير، وفقا لقانون ماغنيتسكي، حيث يلزم هذا القانون الرئيس الأمريكي بفتح تحقيق بعد تلقيه طلبا من أعضاء في مجلس الشيوخ، إذا ما كان المسئول عن الانتهاك أجنبيا وليس أمريكا.

كما يُلزم القانون الرئيس بإصدار تقرير خلال 120 يوما من تلقي الرسالة، يتضمن قرارا بشأن فرض عقوبات على أي شخص يعتبر مسؤولاً عن انتهاكات خطيرة مثل التعذيب والاحتجاز لمدة طويلة دون محاكمة أو قتل شخص خارج نطاق القضاء لممارسته هذا الحق.

وصدر قانون “ماغنيتسكي الدولي للمساءلة حول حقوق الإنسان” بموافقة الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة، كما وقع عليه الرئيس السابق، باراك أوباما، في عام 2012.

وفي عام 2016 اعتمد الكونجرس النسخة الدولية من القانون الذي يمنح الرئيس الأمريكي صلاحية فرض عقوبات على أي أجنبي متهم بانتهاك حقوق الإنسان مثل القتل والتعذيب وغيرها من الانتهاكات المنصوص عليها في لائحة حقوق الإنسان الدولية.

وفي 2017 وقع ترامب، الأمر التنفيذي رقم 13818، الذي “يجمّد ممتلكات الأشخاص المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو الفساد، ووفقا للخزينة الأمريكية، جرت معاقبة 101 من الأفراد والكيانات بموجب الأمر التنفيذي رقم 13818، كما اتخذت وزارة الخزانة الأمريكية منذ كانون الثاني 2017، إجراءات ضدّ أكثر من 460 شخصًا وكيانًا اتهموا بالتورط في أنشطة متعلّقة بإساءة حقوق الإنسان أو الفساد أو المشاركة في ذلك بشكل مباشر.

وأطلق اسم ماغنيتسكي على هذا القانون تكريما للمحامي ومدقق الحسابات الروسي، سيرغي ماغنيتسكي، الذي قتل خلال وجوده في السجن بروسيا عام 2009، حيث كان ماغنيتسكي يتعاون مع المستثمر، بيل برودر، الذي يحمل الجنسيتين الأمريكية والبريطانية في إطار التحقيق في قضية تهرب ضريبي ضخمة في روسيا تصل قيمتها إلى 230 مليون دولار، كان أبطالها مقربون من الكرملين.

واعتقل ماغنيتسكي عام 2008 بعد أن كشف قضية التهرب الضريبي وبقي في السجن مدة عام تقريبا دون محاكمة، وكانت السلطات الروسية قد طردت برودر، حفيد زعيم الحزب الشيوعي في الولايات المتحدة، عام 2005.

وخلال وجود ماغنيتسكي رهن الاعتقال تعرض للضرب وتوفي في ظروف غامضة وفيما بعد جرت محاكمته بدلا من قتلته، وكرّس برودر كل جهوده لإقناع الكونجرس الأمريكي باعتماد قانون لمعاقبة قتلة ماغنيتسكي وتكللت جهوده بالنجاح عام 2012 وصدر القانون.