العدسة – جلال إدريس
كل شيء في اليمن لم يعد كما كان، اليمن السعيد بات حزينا، رائحة الموت أصبحت تفوح من كل مكان، الحصار مفروض على كل شيء، والدمار والخراب طال أغلب المباني والمنشآت.
ومع مرور أكثر من ألف يوم على الحرب في اليمن، لم يعد كثير من اليمنيين مشغولا بمن انتصر على من، ولا من تصالح مع من، بل أصبح كل مايعنيه هو كيف يوفر لقمة العيش التي باتت شبه مستحيله لأفراد أسرته، وكيف يحمي أبناءه وأطفاله من الأمراض المعدية التي باتت منتشرة ومستشرية في كل مكان، حتى أصابت الكوليرا، على سبيل المثال، قرابة المليون طفل باليمن.
المرأة اليمنية لم تعد تحلم بالمستقبل الباهر لنفسها ولأولادها، بقدر ماباتت تفكر في هذا المستقبل الغامض، بعدما فقدت الزوج والأخ وربما الولد في آتون الحرب المتصاعدة منذ قرابة السنوات الثلاث، ولا جديد فيها، فلا أحد منتصر، ولا أحد قادر يعترف بالهزيمة.
الحصار بات مفروضا على كل شيء في اليمن، حصار في الداخل تفرضه الميلشيات المتقاتلة، وحصار في الخارج تفرضه قوات التحالف الدولي بقيادة السعودية، لتبقى الأسئلة مطروحة في اليمن، متى تنتهي تلك العاصفة التي سماها السعوديون بعاصفة الحزم، على اليمن؟ ومتى يعاد الأمل لليمن الحزين؟ ومتى تتوقف الحروب على أراضيها من قبل جميع الأطراف؟
بكاء على ثورة مفقودة
في أحد الأحياء القديمة بمدينة تعز اليمنية، جلس الشابان اليمنيان (أحمد، وخالد) يتذكران مشاركتهما في ثورة الشباب اليمنية، أو ثورة 11 فبراير 2011، وما آلت إليه بلادهم بعد قرابة 7 أعوام من قيام تلك الثورة.
“ميدان التغيير” الذي جمع الثوار اليمنيين ضد الرئيس الراحل “علي عبد الله صالح” كانت آمالهم كبيرة في التغيير، حين هتفوا بالحرية والعدالة الاجتماعية، ووحدة اليمنيين، في الميدان، لكنهم لم يكونوا على علم أن ثورتهم التي نجحت في التخلص من حكم صالح، سينتهي بها المطاف إلى حرب أهلية في البلاد، تؤججها نار الفتنة، والمطامع السياسية الداخلية والخارجية.
“أحمد” يرى أن المسؤول عما يجري في البلاد، هو حزب المؤتمر والرئيس الراحل “علي عبد الله صالح”؛ إذ إنهما رفضا الانصياع للثورة، وعملوا على هدمها منذ اللحظة الأولى، وتحالفا مع كل أعداء الثورة كي ينكلوا بها، حتى وقعوا في شر أعمالهم بالصراع مع الحوثيين الذين فعلوا بهم الأفاعيل، وقتلوا رئيس حزبهم “علي عبد الله صالح”.
بينما يرى “خالد” أن المسؤول عما وصلت إليه اليمن، هي الأطماع السياسية الخارجية، فإيران ترى في اليمن حلما لها بالتمدد على أطراف السعودية وإقامة دولة جديدة تخضع لولاية الفقيه، فأغرقت البلاد في الحرب الأهلية وحرضت الحوثيين على الانقلاب على الشرعية في اليمن.
في المقابل فإن السعودية أيضا طمعت في السيطرة على مقاليد الحكم في اليمن، من خلال تحالفاتها مع “هادي” تارة، ومع “صالح” تارة أخرى، وحين رأت نفسها أنها خرجت من السوق بلا أي ربح، قلبت كل شيء رأسا على عقب، وقررت شن حرب على اليمن بلا هوادة.
لا غذاء ولا دواء
وبأسى شديد تذكر (أحمد وخالد) المعاناة الكبيرة التي تعانيها اليمن من حصار ودمار، فاليمن باتت تعاني من “حصارين” داخلي وخارجي، ومجاعة حادة، وتفشٍّ لوباء الكوليرا، وتصنفه الأمم المتحدة كأسوأ أزمة إنسانية.
تذكر (خالد ) أخته التي توفى زوجها في قصف لميلشيا الحوثي، وترك لها 4 أولاد، وتعاني الأمرين في الحصول على الدواء لهم، بعد أن أغلقت أغلب الصدليات أبوابها في تعز وصنعاء ومأرب، بسبب قلة الأدوية المتوفرة بالسوق، فالحصار الداخلي الذي يفرضه الحوثيون على العاصمة إلى جانب الحصار الخارجي الذي يفرضه التحالف بقيادة السعودية، تسبب في نقص حاد للأدوية.
اختفت الأدوية، وخاصة للأمراض المزمنة، بسبب ارتفاع الأسعار لارتباطها بأزمة الدولار، وتضاعف سعر المحروقات 10 مرات، ما أثر على تكلفة النقل، فضلا عن احتكار الحوثيين للسلع الأساسية في البلاد.
35 ألف قتيل مدني
نقص الغذاء والدواء ليس هو مايعانية اليمن فحسب، حيث كشفت تقارير حقوقية، عن حجم الانتهاكات التي ارتكبتها قوات التحالف العربي بقيادة السعودية وميليشيات الحوثي في اليمن على مدار ثلاثة أعوام مضت.
وبحسب قناة “العربية” الفضائية (السعودية)، فإنه منذ سيطرة الحوثيين على المحافظات اليمنية، فقد وصل عدد الجرائم والانتهاكات إلى 11 ألفا و947 جريمة ارتكبت بحق المدنيين.
فيما كشفت إحصائية نشرها المركز القانوني للحقوق والتنمية (قريب من الحوثيين)، عن أن عدد الضحايا المدنيين خلال 1000 يوم من حرب التحالف السعودي، وصل إلى 35 ألفاً و415 قتيلاً وجريحاً.
وبحسب الإحصائية، فإن إجمالي عدد القتلى بلغ 13 ألفاً، و603 مدنيين بينهم 2,887 طفلًا، 2,027 امرأة، موضحاً أن عدد الجرحى بلغ 21,812، بينهم 2,722 طفلاً، و2,233 امرأة.
وأشار المركز إلى أن عدد المنازل المدمرة والمتضررة جراء قصف طيران التحالف بلغ 409,356، وتدمير 826 مسجداً، كما رصد تضرر 827 مدرسة ومعهداً، و118 منشأة جامعية، و30 منشأة إعلامية.
3 مليون نازح
وفقا للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة فإن عدد النازحين في اليمن بلغ 3 ملايين و154 ألفا و572 نازحا، بسبب الصراع الدائر هناك.
المفوصية أكدت أن الأزمة الراهنة في اليمن تجبر المزيد والمزيد من الناس على ترك منازلهم بحثا عن الأمان، حيث إن أكثر من ثلاثة ملايين شخص يعيشون حاليا حياة عابرة وغير مستقرة، تحفها المخاطر، ويكافح هؤلاء من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية”.
المفوصية أكدت أن النزوح في أنحاء اليمن في ازدياد، وسط تصاعد الصراع وتفاقم الأوضاع الإنسانية.
وتزداد حاجة النازحين داخل اليمن للمساعدات الغذائية والإنسانية مع استمرار الحرب، وفق ما أشارت إليه التقارير الحقوقية، لكن تراجع التمويل ترك المنظمات الدولية عاجزة عن توفير المساعدة اللازمة.
وأشار تقرير صادر عن عدد من المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية باليمن، إلى أن عدد السكان النازحين داخلياً وصل إلى 1.98 مليون شخص، أو 7% من عدد سكان البلاد.
وذكر التقرير أن 946,044 نازح عادوا إلى منازلهم في 20 محافظة، مما يترجم بـ 10.4% من سكان اليمن ممن عانوا من اضطرابات النزوح نتيجة النزاع المستمر منذ 26 شهراً.
وتوزع العائدون على خمسة محافظات كبرى هي عدن ومأرب وعمران وإب، إضافة إلى المنطقة الإدارية في صنعاء.
وأضاف التقرير أن 84 % من النازحين اضطروا للعيش بعيداً عن منازلهم أكثر من عام.
مليون مصاب بالكوليرا
وفي ظل تعطل أكثر من نصف المنشآت الصحية في اليمن عن العمل، تفشى وباء الكوليرا في البلاد بصورة غير معقولة حتى وصل عدد الإصابات بالكوليرا لنحو مليون مصاب أغلبهم من الأطفال.
وعاود المرض في التفشي في اليمن خلال 2017، واستحوذت العاصمة صنعاء على النصيب الأكبر من إصابات الكوليرا ما يقارب 34.6% من الحالات.
وتحاول المنظمات الدولية السيطرة على المرض، عن طريق توزيع المياه الصالحة للشرب على الاحياء والمدن التي تعاني من سوء الخدمة؛ حيث إن أغلب مناطق اليمن توقفت خدمة المياه فيها، ويتم جلب المياة بواسطة ناقلات صغيرة أو عبر أوعية صغيرة تكون عادة بين (5-20) لترا.
وتستمر منظمة “اليونسف” مع الشركاء الدوليين والمحليين بتقديم مادة الكلور والإشراف على توزيعها بحيث لا يتسبب خوف المواطنين من المرض بالإسراف في استخدام الكلور بسبب سميته الشديدة.
ولأن اليمن تعتمد على المياه الجوفية المستخرجة عن طريق الآبار، فإنه يتم ضخ مادة الكلور في خزانات الناقلات التي تعبأ من هذه الآبار بإشراف المنظمات المشاركة.
وبسبب الأوضاع التي تعانيها اليمن جراء الحرب الدائرة منذ قرابة ثلاثة أعوام، أصبح الوضع المعيشي صعبا في اليمن، والأمن المائي غير موجود ومنعدم، ويزداد الوضع سوءا مما أدى إلى هذا الانتشار السريع للمرض.
اضف تعليقا