تشهد محافظة حضرموت اليمنية تنافسًا حادًا بين السعودية والإمارات للسيطرة على مواردها الغنية واستراتيجيتها الجيوسياسية، فيما تتناول دراسة صادرة عن “مركز المخا للدراسات” هذا الصراع المعقد، مسلطة الضوء على الأطماع المتزايدة لدول التحالف العربي في المحافظة، والتي تعد الأكبر مساحة في اليمن وتتمتع بموارد نفطية هائلة وعلاقات اقتصادية قبلية قوية مع السعودية.
تتميز حضرموت بأهمية استراتيجية لكل من السعودية والإمارات بالنسبة للسعودية، تعد حضرموت حيوية لأمنها القومي بفضل الحدود الطويلة التي تربطها بالمملكة، بالإضافة إلى العلاقات القبلية والاقتصادية التي تجمعها مع العديد من القبائل الحضرمية الكبيرة المقيمة في السعودية.
كما يمثل الحفاظ على استقرار حضرموت جزءًا من استراتيجية السعودية للحفاظ على نفوذها في اليمن ككل، والحد من التدخلات الأجنبية التي قد تزعزع استقرار المنطقة.
طمع في المقدرات
أما الإمارات، فقد رأت في حضرموت فرصة لزيادة نفوذها في اليمن، خاصة بعد تدخلها العسكري ضمن التحالف العربي في عام 2015. رغم أن الإمارات لم يكن لها تاريخ طويل في حضرموت قبل هذا التدخل، إلا أنها استغلت الحرب لتعزيز وجودها السياسي والعسكري. وقد ركزت استراتيجيتها على السيطرة على السواحل والموانئ والجزر الاستراتيجية جنوب اليمن، وذلك لتعزيز نفوذها في المحيط الهندي والقرن الأفريقي. كما أنشأت الإمارات قوات محلية مثل “قوات النخبة الحضرمية” للسيطرة على مناطق مثل المكلا، وقدمت الدعم اللوجستي والعسكري لهذه القوات لضمان ولائها وتثبيت نفوذها.
تبنت السعودية والإمارات استراتيجيات متعددة لتعزيز نفوذهما في حضرموت، حيث عملت كل دولة على دعم فصائل محلية وإقامة تحالفات مع القوى المؤثرة على الأرض.
من جانبها، دعمت السعودية الحكومة الشرعية اليمنية والمكونات المجتمعية الموالية لها، وذلك ضمن سياق سعيها للحفاظ على الوحدة اليمنية وتعزيز الاستقرار. وفي هذا السياق، ساعدت الرياض في تشكيل “مجلس حضرموت الوطني” في يونيو 2023 ليكون ممثلًا عن المجتمع الحضرمي وتطلعاته السياسية، بالإضافة إلى تمويل مشاريع تنموية في المحافظة لتحقيق التعافي الاقتصادي وتعزيز الاستقرار.
في المقابل، تبنت الإمارات سياسة تهدف إلى تعزيز سيطرتها على الأرض من خلال تأسيس قوى عسكرية محلية ذات ولاء قوي لها. وقد ركزت الإمارات على تشكيل قوات مثل “قوات النخبة الحضرمية” التي أصبحت أداة رئيسية لفرض سيطرتها في المكلا والمناطق المحيطة.
إلى جانب ذلك، دعمت الإمارات “المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي يرفض بشكل علني تشكيل “مجلس حضرموت الوطني” المدعوم من السعودية، ونظمت فعاليات واحتجاجات استفزازية تهدف إلى تعزيز موقفها في مواجهة النفوذ السعودي.
سيناريوهات خطيرة
تشير الدراسة إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة لمسار الصراع في حضرموت بين السعودية والإمارات. يتمثل الخيار الأول في الإبقاء على الوضع الراهن مع استمرار توازن هش للقوى على الأرض، مما يعني أن المحافظة ستظل ساحة للتنافس دون تصعيد كبير قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين الطرفين.
ورغم هشاشة هذا الخيار، إلا أنه يظل المفضل في الوقت الحالي حيث تسعى كل من السعودية والإمارات إلى تجنب مواجهة مباشرة قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع في اليمن.
الخيار الثاني المطروح هو التوصل إلى تسوية بين الرياض وأبوظبي تضمن مصالحهما في إطار دولة يمنية موحدة. قد يكون هذا الخيار هو الأكثر استقرارًا، إلا أنه يتطلب تفاهمات معقدة بين الطرفين، خاصة في ظل تناقض المصالح الاستراتيجية لكل منهما. تسعى السعودية إلى الحفاظ على وحدة اليمن واستقراره كجزء من استراتيجيتها الإقليمية، بينما تركز الإمارات على تعزيز نفوذها في جنوب اليمن والمناطق الساحلية.
أما الخيار الثالث والأكثر خطورة، فيتمثل في تصاعد التنافس بين السعودية والإمارات إلى مستوى يؤدي إلى مواجهات مباشرة بين القوى المدعومة من الطرفين. في حال تحقق هذا السيناريو، فإن الوضع قد يتفاقم بشكل سريع، مما يؤدي إلى تداعيات خطيرة على الاستقرار في حضرموت واليمن ككل. الصراع المباشر بين الفصائل المدعومة من السعودية والإمارات قد يؤدي إلى انفجار الأوضاع الأمنية في المنطقة، وهو ما سيكون له تأثير سلبي على جهود تحقيق الاستقرار في اليمن.
أهمية إيجاد تسوية شاملة
تشدد الدراسة على ضرورة إيجاد تسوية شاملة للصراع في حضرموت تضمن مصالح جميع الأطراف وتحقق الاستقرار في إطار يمن موحد ومستقر. وترى أن الوضع في حضرموت معقد وحساس للغاية، وأن تصاعد التنافس بين السعودية والإمارات قد يؤدي إلى تداعيات كارثية على اليمن ككل، خاصة في ظل هشاشة الوضع الأمني والسياسي في البلاد.
ويبدو أن التوصل إلى تسوية شاملة بين الرياض وأبوظبي هو الخيار الأمثل لتجنب التصعيد، إلا أن ذلك يتطلب تقديم تنازلات من الطرفين والاتفاق على رؤية مشتركة لمستقبل اليمن. قد تكون هذه التسوية صعبة في ظل التباين الكبير في المصالح، إلا أن تحقيق الاستقرار في اليمن يتطلب بالضرورة تعاونًا إقليميًا ودوليًا جادًا يهدف إلى وضع حد للصراع.
الخلاصة أن حضرموت أصبحت ساحة للصراع الجيوسياسي بين السعودية والإمارات، مع سعي كل منهما لتعزيز نفوذهما في المحافظة. بينما تسعى السعودية إلى الحفاظ على وحدة اليمن واستقراره، تركز الإمارات على تعزيز سيطرتها على المناطق الساحلية والجزر الاستراتيجية. يشير التنافس الحالي إلى احتمالية تصاعده في المستقبل، مما يستدعي ضرورة إيجاد تسوية شاملة تضمن مصالح الجميع وتحقق الاستقرار في اليمن.
اقرأ أيضًا : لماذا يتعمد تركي آل الشيخ إذلال الشعب السعودي؟
اضف تعليقا