أصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا مؤخرًا بتمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية، في وقت سُحب فيه مشروع القرار النرويجي – الأيرلندي الذي يدعو إلى تجديد الآلية وإضافة معبر جديد مع العراق هو اليعربية لإدخال المساعدات، ومشروع القرار الروسي والذي ينص على التمديد للآلية لستة أشهر فقط، مرفقًا بشروط كثيرة، منها رفع علم النظام على معبر باب الهوى، وإدخال جزء من المساعدات عبر المعابر الداخلية القائمة على خطوط التماس بين النظام والمعارضة.

وبالطبع، لم تكن لتسحب روسيا مشروعها دون وجود اتفاق في الكواليس مع الولايات المتحدة الأمريكية، تم بمقتضاه سحب مشروع القرار الروسي، والقرار النرويجي – الأيرلندي كذلك، والاتفاق على مشروع قرار ثالث يمدد الآلية المعتمدة لمدة سنة، على أن يقدم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تقريرًا حول سير العملية بعد ستة أشهر.

ويبدو أن مشروع القرار الروسي قد جاء في سياق الضغط على الولايات المتحدة، حيث كانت موسكو تتوعد منذ أشهر باستخدام حق النقض “الفيتو” ضد تجديد الآلية المعمول بها منذ عام لإدخال المساعدات إلى شمال غرب سوريا عبر معبر باب الهوى، والتي يستفيد منها 3.4 ملايين مهجر سوري، لكن قبل سويعات من اجتماع مجلس الأمن، تغير الموقف الروسي الذي كان على النقيض من الموقف الأمريكي.

 

دون تنازلات أو ضغوط

ولم يظهر حتى الآن أن التغير في القرار الروسي جاء بناء على تنازلات أو ضغوط معينة، الأمر الذي جعل البعض يتحدث عن أن تحرك موسكو جاء في إطار سياسة إيجابية قد تتبعها مع الولايات المتحدة في روسيا، بحيث يكون هناك بعض التنسيق في بعض القضايا هناك. وقد تحدثت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد، بشيء من هذا، حيث قالت: “يظهر ذلك ما نستطيع إنجازه مع الروس إذا عملنا معهم دبلوماسيًا… أتطلع لفرص أخرى للعمل مع الروس في الموضوعات ذات الاهتمام المشترك”.

كذلك صرح السفير الروسي في الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أن بلاده تأمل أن يكون ذلك نقطة تحوّل تتسق مع ما ناقشه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي جو بايدن في جنيف”، في إشارة إلى القمة التي جمعت الرئيسين في يونيو/حزيران الماضي. وأضاف “هذا يظهر أن بوسعنا أن نتعاون عندما تكون هناك حاجة، وأيضاً عندما تتوفر الإرادة”.

وكان الرئيسان، بايدن وبوتين، قد تحدثا عن الأمر ذاته، في اتصال هاتفي جمعهما الجمعة الماضية، حيث كشف بيان صادر عن البيت الأبيض أنه تخلل الاتصال بحث الجانبين “جهود العمل المشترك التي أدت إلى الوصول لاتفاق حول نقل المساعدات الإنسانية عبر الحدود لسوريا”. وفي يونيو الماضي، فتح بايدن وبوتين ملف إيصال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا، ومدى أهميته. وحينها حذرت إدارة بايدن من أن وقف إيصال المساعدات عبر الحدود سيعرّض أي تعاون مع روسيا بشأن سوريا في المستقبل للخطر.

 

تخبط لدى النظام السوري

وكما هو ظاهر للعيان، فإن النظام السوري لا يملك من أمر نفسه شيئًا، منذ أن فتح باب سوريا أمام القوات الروسية والميليشيات الإيرانية، لحمايته من السقوط على أيدي الثوار. فالقرار السوري منذ ذلك الوقت رهين قوى خارجية على رأسها روسيا وإيران. لذلك، كان هناك تخبطًا في تعليقات المسؤولين السوريين التابعين لنظام مجرم الحرب بشار الأسد. 

حيث اعتبر وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، أنّ قرار تمديد دخول المساعدات الإنسانية بصيغته الحالية يعد “إنجازًا”، لأنه تضمن كل الجوانب التي كانت الدول الغربية ترفض تناولها. وأضاف أن القرار ينص على إيصال المساعدات الإنسانية من الداخل السوري وليس فقط من المعبر، موضحاً أنّ القرار يعني أن “المعابر الخارجية لم تعد الأساسية”، وما حصلت عليه الدول الغربية من هذا القرار هو “نصف معبر” فقط، وفق وصفه.

وفي المقابل، قابل مندوب النظام الدائم لدى الأمم المتحدة، بسام صباغ، الخطوة باستياء، وأعلن عن “رفض تمديد الآلية”، قائلًا بعد صدور القرار إن “سوريا ترفض هذه الآلية المسيسة لما تمثله من انتهاك لسيادتها ووحدة أراضيها وللعيوب الجسيمة التي شابت عملها والفشل في ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، وليس إلى الإرهابيين”، حسب زعمه.

 

قرار إيجابي بالنسبة للمعارضة

من جانبه، قال مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، إن “المعارضة غير معنية بالخفايا، وإنما بما صدر عن مجلس الأمن، ولا ننظر لما حصل نظرة سلبية. صحيح أنّ القرار يحمل تراجعًا عما قبله، ولكنه ليس بهذا السوء، ويمكن القول إنّ هناك غموضاً بناء”. 

وأضاف عبد الغني أن “المساعدات التي ستذهب إلى النظام من المعابر الداخلية لا تتجاوز 10 في المائة من حجم المساعدات الكلي الذي سيستمر على ما هو عليه. وهذا نجاح للروس حين ننظر له بشكل مباشر، أما إذا نظرنا له من زاوية أخرى، فإنّ هذه المساعدات تذهب إلى جزء من الشعب السوري في محافظة إدلب، وتحت إشراف منظمة الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، وليس إلى النظام الذي يتصرف بالمساعدات بالطريقة التي نعرفها جميعًا”.

كما أكد أنه “في الوقت الذي يقدم القرار انتصارًا لروسيا، فهو يحمل إيجابيات لنا. ولكننا لن نقف هنا، ولدينا اجتماع هذا الأسبوع مع وزارة الخارجية الأميركية من أجل دراسة مسألة العودة إلى قرار مجلس الأمن الذي صدر في فبراير/شباط 2014، والذي أقر دخول مساعدات دولية إلى سورية، ولم يربطها بالأمم المتحدة، وهذه النقطة فرضتها روسيا لاحقاً في يوليو/تموز 2014”.

إذن، فإن المعارضة لا ترى في تراجع موسكو عن “الفيتو” رضوخًا للضغط الأميركي، لكنها في الوقت ذاته تعترف أن روسيا حققت انتصارًا في هذا القرار، وحصلت على بعض المكاسب.