في العام 2011 كان السؤال الأبرز : هل يمكن أن تقوم ثورة، وكانت الإجابة حاضرة دوما من أربعة حروف : تونس !.

وفي 22 فبراير من العام الجاري 2019 يبدو أن الإجابة ستكون الجزائر كبداية لموجة ثانية من الربيع العربي الذي حاصره كثيرا “الخريف العبري” برعاية ودعم من السعودية والإمارات.

هذه المرة يبدو أن دروس الماضي حاضرة ، وملامح الحاضر قاسية للغاية ، لذلك تذهب مؤشرات عدة إلى أن هذه الموجة ربما تتخذ أشكالا تتلافى الماضي ويمكن لها أن تطيح بعروش أفلتت في الموجة الأولى.

ملامح موجة ثانية 

توقع تقرير استراتيجي حديث أن تكون الجزائر انطلاقة للموجة الثانية للربيع العربي، بعد أن خرج الآلاف في بلد المليون شهيد الجمعة الماضية ،  يهتفون “لا للعهدة الخامسة” و”نعم لرحيل النظام” ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة وسط توقعات واسعة بتصاعد مطالب مسيرات 22 فبراير.

تقرير أمريكي  حديث توقع قبل 3 سنوات أن تكون الجزائر وموريتانيا، في مقدمة موجة الربيع العربي الثانية، وقال التقرير الذي أعده مركز “إنتربرايز” إن الجزائر مرشحة للموجة الثانية من الربيع العربي، وهو ما ترجمه فيما يبدو حراك 22 فبراير.

التقرير الأمريكي عززه في أواخر يناير الماضي تأكيد من “سيمون تيسدال” الكاتب بصحيفة “الجارديان” البريطانية، أن المشاكل التي أدت إلى اندلاع ثورات الربيع الأول لا تزال قائمة، وهو ما يعني أن الانفجار الثاني لثورات الربيع العربي لن يكون بعيدًا ، ورجح أن انفجار الجزائر هو أحد دلائل قرب اندلاع موجة جديدة للربيع العربي بجانب مشاهد دول أخرى منها : العراق، والأردن ،ولبنان، وليبيا ،والمغرب. والتي اعتبرها مشاهد تشكل ارتفاعًا جديدًا في مستوى درجات الحرارة السياسية، يقابله فشل متزايد من قبل الحكومات في تلبية تطلعات مواطنيها.

كما رجح  “سيمون تيسدال” أن تستمر الضغوط من أجل التغيير بجميع أنحاء الوطن العربي، خاصة في ظل ارتفاع وتيرة النمو السكاني والظلم الاجتماعي وعدم المساواة، وفي هذا الإطار توقعت جريدة الشروق التونسية في افتتاحيتها بالتزامن مع حراك السترات الحمراء في فرنسا أن تشهد البلدان العربية موجة حراك واسعة قريبة مؤكدة أن معاناة المواطن الفرنسي الثائر مجرّد مزحة أمام ما يعانيه مواطنو المنطقة العربية من ظروف مادية صعبة ومن اكتواء بنيران الأسعار ومن انهيار لاقتصادياتها ولعملاتها الوطنية، ما يخلق بيئة مثالية للثورة وحواضن جاهزة للاشتعال.

ويقف أستاذ العلوم السياسية الأكاديمي المصري حسن نافعة في ذات المعسكر مؤكدا في تغريدة له الجمعة 22 فبراير أنه يبدو أن الموجة الثانية من ثورات الربيع العربي قد انطلقت بالفعل مضيفا أنه “من الواضح أن الشعوب العربية لم ولن تستسلم للاستبداد والظلم الاجتماعي لكن نأمل أن تستفيد قوى التغيير من دروس الموجة الأولى”.

الإعلامي القطري  جابر الحرمي  يرى كذلك ملامح لموجة جديدة من الربيع العربي مؤكدا أن ثورات الربيع العربي لم تنته ولها عودة وقيامة في ظل أن الشعوب الحرة لا تستكين وبخاصة شعوبنا العربية التي إن قبلت وضعا غير سوي على مضض لفترة فإنها لن تقبل به ليكون هو الأصل وفق رأيه.

 

هذه الآراء تتوافق مع موجة متصاعدة على مواقع التواصل الاجتماعي تترقب عودة للربيع العربي منها ما غرد به حساب “نحو الحرية” الحقوقي تعليقا على مظاهرات الجزائر قائلا :”

الجزائريون يهتفون بشعار الربيع العربي”الشعب يريد إسقاط النظام”، والطغاة في جميع الدول العربية، وخصوصا في الإمارات والسعودية ومصر، وأصبحوا لا ينامون الليل خشيةً من عودة الربيع العربي”.

الناشط الليبرالي الكويتي أنور الرشيد غرد كذلك يؤكد انطلاق الموجة الثانية للربيع العربي ، وقال :” لاعزاء لمن راهن على موت الربيع العربي ، فالموجة الثانية مُجسدة الآن على أرض الواقع وستمتد لتُطال بقية الأنظمة المستبدة رغم أنف الأنظمة المستبدة وحلفائها”.

المرشحون للموجة

وبحسب مراقبين فإن التوقعات تشير إلى أن الملكيات ستكون المستهدف الأول في موجة الربيع العربي الثانية بعد أن نجت الأنظمة الملكية من الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي التي استهدفت الأنظمة الجمهورية أساسا، في مصر وتونس واليمن وسوريا وليبيا.

هذا الرأي يستند إلى دراسة بعنوان “ملوك لجميع الفصول: كيف اجتازت الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط عاصفة الربيع العربي”، شرح الباحث جريجوري جوس الاستراتيجيات التي اعتمدتها الملكيات العربية للبقاء في السلطة، ويشير فيها إلى المغرب والأردن كأمثلة راجحة في الموجة المحتملة خاصة مع استمرار الغضب فيهما في نماذج الدوار الرابع وحراك الريف.

وترى الدراسة أن مصر من أبرز الجمهوريات المرشحة للانفجار حيث تقول كذلك إنها تشهد احتقانا اجتماعيا غير مسبوق يهدد بالانفجار في أي لحظة، رغم المساعدات والأموال الضخمة التي منحها حكام الخليج للعسكر في مصر للتدخل ضد نتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 2012 ، وهو الرأي الذي يعززه الكاتب السعودي تركي فيصل الرشيد، متوقعا أن الثورات العربية الثانية ستنطلق من مصر، مضيفا في تغريدة عبر حسابه بموقع التدوين المصغر “تويتر” أنه “لا يتوقع أن يطرأ على الاقتصاد المصري تغير جذري خلال الفترة القادمة، والغليان الشعبي في تزايد، ما يرشحها لتكون بداية المرحلة الثانية من الثورات العربية”.

ولازالت المغرب حاضرة بقوة في ملف المرشحين للثورة ، ووفق الدكتور عمر إحرشان، عضو الأمانة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان بالمغرب ، فإن المغرب قد يشهد موجة احتجاجية ثانية أقوى وأكبر من تلك التي عرفها المغرب إبان بداية الربيع العربي.

دول الخليج العربي من الدول في قائمة الدول المحتملة ، حيث تتوقع تحليلات متواترة هبوب موجات جديدة من “الربيع العربي”، ستكون أشد عنفا وثورية من سابقتها التي تمكنت من إسقاط رؤوس عربية حاكمة، لكنها فشلت في إسقاط الأنظمة الحاكمة ، ووفقا لتلك التحليلات المستندة إلى جملة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن دوائر تلك الموجات ستتسع لتشمل مع الدول التي مر بها الربيع العربي الذي تم اجهاضه، دولا عربية أخرى لم تستفد من التجربة برمتها وفي مقدمتها دول بالخليج العربي خاصة السعودية والإمارات والبحرين.

ويرى مراقبون أن هناك مخاوف واسعة لدى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد من موجة جديدة من الربيع العربي ضد الطغاة العرب ، ولكنها وصلت الجزائر في طريقها يوما إلى قلب أبو ظبي والرياض وفق آراء رائجة.

 

وعلى خطى ثورات الربيع العربي، يرى متابعون أن “غزة”  تتجهز لتنضم لحراك الموجة الثانية من الربيع العربي بعد أن تم الإعلان عن مسيرات سلمية مناهضة للسلطة ومطالبة برحيل رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته محمود عباس.

ويرى الباحث في الشأن الصهيوني د.صالح النعامي أن فلسطين ستكون في أوج الموجة الثانية من الربيع العربي مضيفا في تغريدة له أن ” الرئيس المصري المخلوع في 2011 حسني مبارك كان يسخر عندما انطلقت شرارة الربيع العربي في تونس وكان يتوهم أن إرث عقود من القمع سيحميه فلطمه الواقع بغير ما توقع، ولكن شعوب الأمة العظيمة تستمد التشجيع من بعضها البعض “.