العدسة – إبراهيم سمعان

أكد موقع “مودرن دبلوماسي”، المتخصص في تحليل القضايا الدولية، أن الصراع على النفوذ في العالم الإسلامي ليس المحرك الوحيد للتنافس بين السعودية وإيران.

وأوضح في مقال لـ “جيمسي دورسي”، وهو زميل بارز في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية، أن الغاز الطبيعي يمثل جانبا آخر من معادلة الصراع بين البلدين، مشيرا إلى أن مشكلة السعودية أن قطر وإيران لديهما احتياطيات من الغاز لا تملكها.

وتابع: “كما يقول بعض المحللين، فالغاز هو المحرك للمقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية التي تقودها السعودية والإمارات ضد قطر منذ 10 شهور”.

وإلى نص المقال ..

يتعلق العداء المدمر بين السعودية وإيران بكثير من الأمور، ليس أقلها حول من ستكون له اليد العليا على رقعة من الأرض تمتد من وسط آسيا إلى ساحل المحيط الأطلنطي في إفريقيا، بينما ينصب الاهتمام على ضمان أن استمرار احتواء إيران يضمن للسعودية الكعب الأعلى، إلا أن الجغرافيا السياسية ليست سوى جانب واحد من المعادلة، الغاز الطبيعي جانب آخر.

مع اتجاه الموقعين على اتفاق باريس بشأن المناخ نحو فرض حظر على السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل في غضون عقود، وتقدم تكنولوجيا الطاقة المتجددة أشواط واسعة، فإن الغاز الطبيعي يكتسب أهمية إضافية.

بحسب الباحث في مجال الطاقة سيرجي بالتسيف، فهذه الاتجاهات العالمية في مجال الطاقة تعجل بحقبة تتضاءل فيها أهمية النفط بشكل كبير بينما يسد الغاز الطبيعي الثغرات في توفير الطاقة المتجددة التي تنتظر التقدم التكنولوجي.

مشكلة السعودية أن قطر وإيران لديهما احتياطيات من الغاز لا تملكها، وهذا أحد أسباب ظهور الطاقة المتجددة بشكل بارز في برنامج الإصلاح الذي يتبناه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والمعروف باسم رؤية 2030، ليس فقط لإعداد المملكة اقتصاديا لمستقبل ما بعد النفط، ولكن لتأمين أهميتها الجيوسياسية المستمرة.

يأمل الأمير محمد، مثل نظيره في الإمارات ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، في أن تتمتع المملكة بميزة في توليد الطاقة الشمسية، لأن الشمس تحوم فوق بلاده أكثر من أوروبا وأجزاء أخرى من العالم ولديها تداخل أقل من السحب.

نتيجة لذلك، فالغاز الطبيعي عامل في تصاعد التوتر بين السعودية وإيران، وكما يقول بعض المحللين هو المحرك للمقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية التي تقودها السعودية والإمارات ضد قطر منذ 10 شهور.

يقول ديفيد كريكمانس، الباحث في العلاقات الدولية في مجلد نشر مؤخرا حول الجغرافيا السياسية للطاقة المتجددة “ربما تعرف النخبة السعودية جيدا أن أساس قوتها يتلاشى بسرعة نتيجة استجابة المناخ العالمي والتراجع المتوقع للنفط التقليدي، لم يكن من الممكن أن تكون المخاطر أكبر من ذلك”.

مساهما في المجلد، أشار تيجس فان دي جراف، وهو باحث آخر في العلاقات الدولية، إلى أنه من بين كل منتجي النفط في الشرق الأوسط، ربما تكون السعودية الأكثر خسارة.

من المفارقات، أن العقوبات المعيقة التي أضرت بشكل حاد بإنتاج النفط الإيراني وبدأ رفعها عقب الاتفاق الدولي في 2015، الذي حد من البرنامج النووي للبلاد إلى جانب التهديدات الأمريكية بالانسحاب من الاتفاق واحتمال إعادة فرض العقوبات قد تعمل في صالح إيران في الانتقال إلى عالم ما بعد النفط.

يقول “دي جراف”: “إيران لديها الكثير من المزيا، لديها اقتصاد أوسع نطاقا، وتقاليد تجارية طويلة، ومعدلات خصوبة أقل، إنتاج النفط في البلاد أقل بكثير من إمكانياتها؛ بسبب سنوات العقوبات، وقد يكون هذا على المدى الطويل ميزة، حيث إن هذه الاقتصاديات تعد نفسها لعصر ما بعد النفط”.

أضف إلى ذلك حقيقة أنه من المحتمل أن تحدد إمدادات الغاز من إيران وتركمانستان، الدولتين اللتين تطلان على بحر قزوين، وليس النفط السعودي، الطيقة التي يميل بها مستقبل هيكل الطاقة الأوراسي: الصين، ثالث أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، أم أوروبا.

يقول ميخائيل تان خوم، الباحث في مجال الطاقة “في غضون 5 سنوات، ستمتلك إيران على الأرجح 24.6 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المتاح للصادرات السنوية من أنابيب الغاز، بما يتجاوز التزاماتها الحالية الخاصة بالإمدادات، عند عدم كفايته لإمداد كافة الأسواق الرئيسية، فإن طهران ستواجه اختيارًا جيوسياسيًّا حاسمًا فيما يخص وجهة صادراتها عبر الأنابيب، ستكون إيران قادرة على التصدير عبر أنابيب الغاز لاثنين من الأسواق الثلاثة التالية: الاتحاد الأوروبي/ تركيا عبر ممر الغاز الجنوبي، الذي يركز على خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول/ الهند عبر خط أنابيب بين عمان وإيران والهند، أو الصين عبر تركمانستان أو باكستان، وستتوقف درجة اعتماد نظام علاقات الطاقة في أوراسيا بشكل أكبر تجاه الاتحاد الأوروبي أو الصين على مدى قيام كل طرف بتأمين صادرات غاز بحر قزوين عبر البنية التحتية لخطوط الأنابيب الموجهة إلى أسواقه”.

بعبارة أخرى، فإن التهديد الوجودي الذي تشكله إيران على السعودية يتجاوز حقيقة أن الجمهورية الإسلامية تتحدى النظام الملكي السعودي بتقديم بديل، وإن كان معيبا، من الحكم الإسلامي الذي يتضمن درجة من السيادة الشعبية، الأمر ينطوي على منافسة يمكن لإيران الاستفادة فيها من أصول لا تملكها السعودية، تاركة المملكة تعتمد على الاحتواء الذي -في أفضل الأحوال- يرجئ القضايا أكثر مما يستوعب حلولا، وهذا يعني أيضا أنه من غير المرجح أن تزيل الحروب الإقليمية بالوكالة بين الطرفين في اليمن وأماكن أخرى القضايا الأساسية التي تدفع إلى التنافس السعودي الإيراني وتُترجم إلى سياسات قصيرة الأجل تزعزع الاستقرار.

قد يكون المتشددون -بمن فيهم جون بولتون، مستشار الأمن القومي الذي عينه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا، والمرشح لمنصب وزير الخارجية مايك بومبيو- مؤيدين لتغيير النظام في إيران، لكن يبقى السؤال ما إذا كان ذلك سيخفف بالفعل من المخاوف السعودية التي تشاركها فيها إسرائيل، إذا نجح تغيير النظام الإيراني، فإن ذلك سيقضي على تحدي الحكم الإسلامي، لكنه لن يفعل شيئًا لتغيير واقع مشهد الطاقة المتغير.