مشاهد مفزعة استيقظ عليها سكان الجنوب السوداني بعدما طفت عشرات الجثث على ضفاف نهر سيتيت الموسمي الذي يجري بين السودان وإثيوبيا على مدى أيام، حيث صُدم سكان 4 قرى على النهر عثورهم على جثث طافية دفعتها أمواج النهر إلى الضفاف الصخرية، التي تعرف باسم تكزي، والتي سبقها سماعهم أصوات طائرات مسيرة فوق المناطق القريبة من الإقليم الذي تجري فيه الحرب هذه الأيام.
هذه المسيرات العسكرية، يبدو أنها كانت السبب الذي دفع العشرات من سكان المنطقة الإثيوبية للارتماء في النهر هربا من القتل بالقصف، قبل أن يتضح بعد أيام أن هذه المسيرات كانت مشاركة إماراتية لدعم الحكومة الأثيوبية ضد الإقليم الطامح للحكم الذاتي، حيث أثارت الاتهامات الموجهة إلى الإمارات بالمشاركة في الصراع الدائر في إثيوبيا التساؤلات من جديد عن طبيعة الدور الذي قد يكون لأبو ظبي في المشهد الدموي الحالي في بلاد الحبشة.
وفي يوم الـ 15 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خرج اتهام مباشر من المستشار السياسي لحاكم إقليم تيغراي، للحكومة الإثيوبية باستخدام طائرات مسيّرة إماراتية تنطلق من قاعدتها في عصب الإريترية لضرب دفاعات التيغراي، وأنه “من المثير للانتباه” ما نُشِر حول وجود طائرات مسيّرة إماراتية من طرازات مختلفة في قاعدة أبو ظبي العسكرية في إريتريا المجاورة لإثيوبيا.
ويؤكد خبر منشور على موقع Military Africa، استناداً إلى صور أقمار صناعية ملتقطة في أغسطس/آب 2018، وجود طائرة مسيّرة صينية من طراز Wing Loong 2 في القاعدة، مضيفاً أن أبو ظبي اشترت عدداً غير معلوم من هذا الطراز من الشركة الصينية المصنعة عام 2017، وأن مسؤولي القوات الجوية الإريترية والإماراتية قاموا ببناء ملاجئ طائرات جديدة في أوائل مارس/آذار 2018، في حين ذكر موقع Bellingcat الاستقصائي المتخصص في نشر التحقيقات عن مناطق الحروب، أن صور الأقمار الصناعية التي حصل عليها تشير إلى أن القاعدة المذكورة هي بالفعل موطن لمسيّرات تتفق مع نموذج Wing Loong 2 الصينية، مضيفاً أن الإمارات اشترت هذا النوع من الطائرات عام 2017 لاستخدامها في حرب اليمن.
واعتماداً على تحليل لموقع ستراتفور الاستخباراتي الشهير فقد أضاف موقع Bellingcat أن الصور والفيديوهات الملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية تبين التوسع الكبير في البنية التحتية للقاعدة، والتوسع في بناء حظائر للطائرات المسيرة فيها ليبلغ عددها ثلاث حظائر، وقد التُقطت صور لمسيّرات بجانبها، كما التُقطت صور لصناديق يذكر الموقع أنها قد تكون دليلاً على الشحن وأنه يجري استخدام صناديق مماثلة لمسيّرات MQ-9 Reaper المنتجة في الولايات المتحدة.
وذكرت تقارير أن الإمارات تستخدم طائراتها المسيّرة في حرب اليمن، كما أكد تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر مؤخراً أنها حصلت على أدلة كثيرة على أن الإمارات استخدمت طائرات مسيرة مسلحة في ليبيا لاستهداف المنازل المدنية والمرافق الصحية، بما في ذلك المستشفيات الميدانية وسيارات الإسعاف.
وقال السكان بولاية كسلا السودانية إنهم انتشلوا عشرات الجثث لأشخاص من قومية التيغراي الإثيوبية طافية بنهر سيتيت الذي يجري بين البلدين، في حين قالت الحكومة الإثيوبية على تويتر إن هذه الشهادت كاذبة وروّجتها جبهة تحرير شعب تيغراي.
ويروي رئيس الجالية الإثيوبية بولاية كسلا قبرو تنساي -الذي أشرف على انتشال الجثث ودفنها مع ممثلين للشرطة والجيش والأهالي- الحالة التي وجدوا عليها الضحايا الذين ارتكبت بحقهم انتهاكات جسيمة، على حد تعبيره.
وطبقا لقبرو تنساي في حديث للجزيرة نت، فإن الجثث مُثّل بها لدرجة بتر الأطراف وتشويه الأعضاء، حيث أظهرت الصور التي التقطت بدافع التوثيق للانتهاكات التي ارتكبت بحق الضحايا، جثثا مجردة من الملابس ومقيدة الأيدي والأرجل وبعضها مبتور من منتصف الجسد وأخرى فصل الرأس فيها عن بقية الجسد.
وتحدث تنساي -وهو من قومية التيغراي- عن أن الجيش الإثيوبي ومليشيات الأمهرة ارتكبوا فظائع بحق مئات المعتقلين التيغراي في بلدة حمرا غربي الإقليم، شملت تقييد الضحايا والقذف بهم في نهر سيتيت أو تصفيتهم رميا بالرصاص وقذفهم في النهر.
وأحصى 47 جثة انتشلت، منها 5 جثث لنساء في قرى ود كوتو وتبوسيب والجيرة وإدريس على بعد نحو 50 كيلومترا جنوبي حمداييت، وهي نقطة التقاء الحدود الإثيوبية والإريترية مع حدود السودان.
وحسب شهود عيان فإن الجثث الأخيرة كانت ضمن عشرات الجثث التي انتشلها الأهالي وعليها آثار تعذيب وثقوب جراء الرصاص كما أن بعضها وجد مقيدا، ودُفنت الجثث بإشراف رئيس الجالية الإثيوبية وممثلين للشرطة والاستخبارات العسكرية.
وأبلغ مدير مركز استقبال اللاجئين في حمداييت يعقوب محمد يعقوب بأن الجيش الإثيوبي ومليشيات الأمهرة الموالية له تستهدف التيغراي العابرين لنهر سيتيت منذ 25 يوليو/تموز الماضي، ويقول إن القناصة التابعين للقوات الإثيوبية استهدفوا نحو 150 لاجئا من التيغراي كانوا بصدد عبور نهر سيتيت إلى السودان ما أدى إلى مقتل 10 منهم في الحال جرفهم تيار النهر القوي في موسم الأمطار.
ويشير إلى أن 35 لاجئا من هؤلاء نجوا من رصاص القناصة وتمكنوا من العبور إلى حمداييت، وأخبروا أن مليشيات الفانو والولغاييت التابعة للأمهرة نفذت إعدامات بحق 55 شخصا من التيغراي رميا بالرصاص أو بتقييدهم بالحبال وإلقائهم في النهر.
وطبقا ليعقوب، فإن الجيش الإثيوبي على الضفة الشرقية للنهر -مقابل حمداييت- عزز قواته وتسليحه -في ما يبدو- خوفا من توغّل لاجئين للالتحاق بجبهة تحرير تيغراي بعد الانتصارات التي حققتها أخيرا.
اضف تعليقا