نشرت وكالة “ميدل إيست آي” تحقيقاً صحفياً للكاتب “ديفيد هارست” حول محمد دحلان، القيادي البارز في حركة فتح، ورئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق، تناول فيه علاقته بالإمارات ودوره في محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في تركيا قبل ثلاثة أعوام وكذلك ادعاءاته أنه رجل صاحب نشاطات خيرية رغم السمعة السيئة التي يتمتع بها في المنطقة العربية.

الكاتب بدأ تحقيقه عن دور محمد بن دحلان في محاولة الانقلاب الفاشلة التي قامت في تركيا قبل نحو ثلاثة أعوام، حيث تحدث عن تقرير كان قد نشره آنذاك بعد حوالي أسبوعين من تلك المحاولة التي قامت في 16 يوليو/تموز 2016، حول ادعاءات لمصادر أمنية تركية رفيعة المستوى أن لدولة الإمارات العربية المتحدة يد في هذه المحاولة، حيث قامت بالتعاون مع المتآمرين من خلال محمد دحلان نفسه، حيث قال في تقريره التصريحات التركية التي قالت رجحت إن دحلان قام بتحويل الأموال في الأسابيع التي سبقت الانقلاب وأنه اتصل بفتح الله غولن، رجل الدين الذي زعمت تركيا أنه كان وراء المؤامرة، عبر رجل أعمال فلسطيني مقيم في الولايات المتحدة.

وأكد “هارست” أن مصادرة وقتها كانت موثوقة بصورة لا تدع مجالاً للشك حول صحة تلك الادعاءات، حيث أنه اعتمد في تصريحاته على مصدر أمني تركي رفيع المستوى ومصادر أخرى لها روابط في الإمارات العربية المتحدة، مضيفاً أنه بعد حوالي عام من نشر ذلك التقرير، قام دحلان برفع دعوى قضائية ضده وضد وكالة “ميدل إيست آي”، مشيراً أن تلك الدعوى كانت تشتمل عدة عناصر ملفتة للانتباه، وهي:

الأول: محاولة دحلان تصوير نفسه على أنه “سياسي ورجل أعمال وصاحب نشاطات خيرية”

والثاني: الفكرة التي ذكرها محاموه في مراسلات ما قبل المحاكمة بأن موكلهم لديه “علاقة عادية تمامًا بدولة الإمارات العربية المتحدة”، حيث صرح محاموه “في حين أن عميلنا لا يخفى حقيقة أنه صديق لدولة الإمارات العربية المتحدة ، فهو لا يعمل لصالحهم، كما أنه ليس لديه أي روابط أو ولاءات رسمية في هذا الصدد”.

من جانبه، رد “هارست” على هذه الدعوى مدافعاً عن نفسه وعن الوكالة التي يعمل لها، حيث قال أولاً بأن الادعاء بحد ذاته كان لمصلحة عامة “عُليا”؛ مثلما فعلت محاولات بلد ما للتدخل في شؤون بلد آخر.

وثانياً، بأن “الكلمات والعبارات” التي تم رفع شكوى بسببها منها لم تكن تشهيرية لأن دحلان لم يكن له سمعة للدفاع عنها في هذا البلد ولا في معظم أنحاء الشرق الأوسط.

وأخيراً، قال الكاتب فيما يتعلق بهذه الجزئية بأنه إذا رُفعت هذه القضية إلى المحكمة، سيكون أمام محامي الوكالة فرصة “ممتعة” لاستجواب دحلان في صندوق الشهود، هذا في حالة إن وافق المثول شخصياً من الأساس، باعتباره رجل الأعمال صاحب النشاطات الخيرية.

 

 

يد في كل شيء

استعرض التحقيق السمعة السيئة لمحمد دحلان داخل وخارج فلسطين، حيث تعرض لواقعة قديمة أدين فيها دحلان بالسجن في فلسطين، حيث اتهم بسرقة 16 مليون دولار وحكم عليه غيابياً من قِبل محكمة فلسطينية في 15 سبتمبر/أيلول 2016 بالسجن ثلاث سنوات.

وكذلك تحدث الكاتب عن التصريحات التي وُجهت لدحلان من قبل رئيسه السابق، الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس  فيما يتعلق بوفاة ياسر عرفات ومقتل فلسطينيين آخرين، وهي ادعاءات أنكرها دحلان بالكلية، ولكن، على أي حال، فإن مثل تلك الادعاءات حتى ولو أنكرها دحلان، فهي بلا شك تبني سمعة سيئة له بدلاً من دعم ادعاءاته بأنه رجل خيري.

الكاتب كذلك وضع تساؤل حول حقيقة الأسباب التي دفعت المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع دحلان متهمة إياه بالتورط مع سيف الإسلام القذافي- الابن الثاني للزعيم الليبي المخلوع؟

من ناحية أخرى، حلل الكاتب ادعاء دحلان بأنه ليس لديه أي علاقات رسمية مع البلد الذي يحميه الآن -في إشارة للإمارات، قائلاً بأنه ليس إلا منفي فلسطيني.

الكاتب رد على هذا الادعاء متسائلاً حول المقطع المصور الذي ظهر فيه دحلان يرافق بن زايد إلى نادي صربي لكوة القدم عام 2013، وكان ولي العهد الإماراتي حينها يقوم بإعطاء دحلان الهدايا المقدمة له من قبل المستضيفين لكي يحفظها في مكان آمن حتى الانتهاء من المقابلة.

وتساءل أيضاً حول تصريحات دحلات في مقابلة مع محطة إذاعة مونت كارلو الدولية في فبراير/شباط 2015 إنه كان لديه “علاقة شخصية” مع القيادة الإماراتية؟ ولماذا وصف دحلان ولي العهد في مقابلة مع اليوم 7 سبتمبر/أيلول 2015 بأنه “أخوه وصديقه”؟

كذلك لماذا قام السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، بإدخال اسم دحلان في مراسلاته الإليكترونية حول صفقات مع فادي السلامين في 1 يوليو/تموز 2014؟، والذي قيل”كل ما يحدث الآن بين إثيوبيا ومصر هو عمل يصب في مصلحة أبو ظبي… رتبنا تلك القناة الخلفية… يمكنني ادخالك في الأمر إن أردت.. (نعني، أنا، ودحلان ورجل أعمال آخر من واشنطن لم تعرفه بعد)”.

كان رد عتيبة: “أعرف أن دحلان لديه يد في كل شيء”…

وأشار الكاتب إلى الدفاع الذي تم إعداده للرد على دعوى دحلان، قائلاً بأن دفوعهم كتبت في وثيقة طويلة، ما جعل من محامي دحلان يقول عنها أنه إسهاب مبالغ فيه، وعبر الكاتب عن أسفه لأنه يتم بثه في المحكمة، مع ذلك يمكن الوصول إلى المرافعات الأخرى في القضية عبر هذا الرابط.

“هارست” تحدث عن علاقة دحلان وبن زايد وأهميتها الإقليمية والدولية، حيث قال أن أحد الأسباب التي جعلتنه يعتقد أن العلاقة بين دحلان وبن زايد كانت ذات أهمية إقليمية ودولية هي عدد المعارك السرية التي خاضها الرجلان – في فلسطين، وفي مصر عن طريق الانقلاب الذي أطاح بمحمد مرسي، وكذلك بسبب الحروب الأهلية في ليبيا واليمن، وقيادتهما الحملة الدولية ضد الإخوان المسلمين.

ورداً على سؤال حول ما إذا كان قد شارك في الانقلاب ضد مرسي أم لا، أخبر دحلان موقع “المونيتور” في 3 يناير/كانون الثاني 2016 ما يلي: “لقد لعبت دورًا نشطًا كفلسطيني في دعم الشعب المصري… إنه دور بسيط ومحدود ولكني افترضت ذلك لأن مصر لها مصلحة في مساعدة الشعب الفلسطيني “.

 

انقلاب تركيا

صرح دحلان لجمعية معاهدة المحيط الأطلسي في بروكسل في نوفمبر/تشرين الأول 2015: “إن حركة الإرهاب بأكملها في سوريا جاءت عبر تركيا… أنت تعرف هذا، لكنك لا تعاني منه؛ لأن لديك مصلحة سياسية. أو ليس لدي أي تفسير لماذا يحدث هذا! أنا لست ضد تركيا، لكنني ضد عدم الكشف عن حقائق أولئك الذين لا يواجهون داعش، أو أولئك الذين يقومون بتمويلها مادياً، أو يتاجرون بالنفط معها أو يهربون الأسلحة إليها”!.

هكذا بدأ “هارست” حديثه عن دور دحلان في انقلاب تركيا، مشيراً أنه لعدة ساعات بعد أن بدأت محاولة الانقلاب في تركيا في 15 يوليو/تموز 2016 ، لم يكن مكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، معروفًا.

وأضاف أنه خلال تلك الساعات، كانت وسائل الإعلام التي يسيطر عليها الإماراتيون والسعوديون، أو التي على صلة بهم، تفيد بأن الانقلاب قد نجح وأن أردوغان قد فر أو مات، وعندما ظهر أردوغان على قيد الحياة في مطار إسطنبول، لوحظ أن مذيع قناة العربية قال على الهواء مباشرة أنه من المؤسف أن الانقلاب لم ينجح، قال ذلك قبل أن يستدرك الأمر ويصحح الخطأ الذي وقع فيه بسرعة.

وقال أنه بالنسبة للمراقبين أمثاله، كان من الملفت للنظر مدى استعداد وتأهب وسائل الإعلام الخليجية لواقعة اندلعت في تركيا ليلاً، موضحاً أن الأمور باتت واضحة عندما تلقى مكالمة بعد أسبوعين من ضابط كبير في أجهزة الأمن التركية، أخبره فيها بالمعلومات التي تم الإشارة إليها في بداية التحقيق، مضيفاً أنه عندما تم التحقق من معلومات ذلك الضابط بصورة مستقلة من قبل مصادر قريبة من أبو ظبي، قرر “هارست” النشر آنذاك.

ولفت الكاتب أنه بعد إخفاق محاولة الانقلاب، أصبح الإماراتيون في حالة ترقب وذعر من رد فعل أردوغان، الذي تأكدوا أنه سيقوم بالانتقام لا محالة، ولهذا السبب، حاولوا بصورة أو بأخرى أن ينأوا بأنفسهم، مؤقتاً، عن دحلان.

تناول “هارست” التصريحات التركية الرسمية حول تورط الإمارات في محاولة الانقلاب في تركيا، فمن جهته، أكد أردوغان في يونيو/حزيران 2017 المعلومات التي أشارت إلى تورط الإمارات العربية المتحدة في محاولة الانقلاب الفاشلة التي قعت في تركيا، حيث قال “نحن نعرف جيدًا من كان سعيدًا في الخليج أثناء محاولة الانقلاب في تركيا، إذا كان لديهم وكالات استخبارات، فكذلك نحن”.

وهي التصريحات التي أيدها وزير الخارجية التركي ميولت تشافوج اوغلو بعد أسبوعين، حيث قال “نحن على دراية تامة أن بلدًا قدم 3 مليارات دولار في شكل دعم مالي لمحاولة الانقلاب في تركيا وبذل جهودًا للإطاحة بالحكومة بطرق غير قانونية. علاوة على ذلك، إنه بلد مسلم “، في إشارة لدولة الإمارات كما ذكرت صحيفة ديلي صباح التابعة للحكومة.

وفي مايو/أيار 2018، ذهب تشافوج اوغلو إلى أبعد من ذلك، حيث قال في مؤتمر صحفي مغلق للصحفيين العرب في إسطنبول إن دحلان كان مسؤولاً عن نقل الأموال من الإمارات العربية المتحدة إلى “جماعة فتح الله غولن” في تركيا لاستخدامها في الانقلاب الفاشل.

 

“تمَهل!”

عاد هارست من جديد إلى الحديث عن الدعوى التي تم رفعها ضده وضد وكالته، والتي تم فيها تصوير دحلان على أنه رجل محب للأعمال الخيرية، قائلاً بأنها لم تكن النقطة الوحيدة المثيرة للاستغراب في تلك الدعوى، مضيفاً أن ادعاء ظهر بعد عام من نشر التقرير المُشار إليه أعلاه، ثم اختفى لمدة عشرة أشهر، قائلاً “لنجد أنفسنا نحن كهيئة دفاع ندفع المدعين بقوة نحو ساحة المحكمة بدلاً من العكس”.

وأضاف أنه قبل ثلاث ساعات من موعد تبادلن الوثائق والمستندات الإلكترونية مع الخصم بموجب قواعد الكشف، تراجع دحلان وانسحب من دعوى التشهير التي رفعها ضدنا، ثم ادعى في بيان صحفي له على حسابه في “تويتر” أنه حصل على ما يريد من المحاكم الإنجليزية… ليستدرك “هارست” قائلاً: هل حقا حصل على ما يريد؟

طالب “هارست” في نهاية التحقيق دحلان بدفع فاتورة كبيرة كأتعاب للقضية، تذهب لوكالة “ميدل إيست آي”، وكذلك التكاليف القانونية الخاصة بها، بالإضافة إلى التكاليف القانونية الخاصة به، والتي تقدر جميعها بحوالي نصف مليون جنيه إسترليني.

واختتم “هارست” التحقيق بسؤال تاركاً للقارئ إجابته، حيث تساءل “هل حقاً دحلان رجل خيري، صاحب علاقات عادية جداً مع الإمارات؟”.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا