إبراهيم سمعان
قال موقع “ميدل إيست آي”، إن إسرائيل والولايات المتحدة في سباق مع الزمن لحل معضلة غزة، التي تتلخص في هذا السؤال: كيف نواصل عزل الجيب الساحلي الصغير عن العالم الخارجي وعن الضفة الغربية دون إثارة تمرُّد جماعي من مليوني فلسطيني في غزة، وذلك لتقويض أي خطر محتمل لدولة فلسطينية ناشئة؟
ومضى الموقع يقول: “في غزة، لا تملك إسرائيل ترف الوقت الذي تتمتع به في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهما الأراضي الفلسطينية الإضافية التي تحتلها. في هذه المناطق، يمكن أن تستمر في التقليل من الوجود الفلسطيني، باستخدام الجيش الإسرائيلي، والمستوطنين اليهود، والقيود الصارمة على الحركة الفلسطينية للاستيلاء على الموارد الأساسية مثل الأرض والمياه”.
وتابع: “بينما تنخرط إسرائيل في حرب استنزاف مع سكان الضفة الغربية، فإن نهجًا تدريجيًا مماثلًا في غزة أصبح غير قابل للاستمرار. وحذّرت الأمم المتحدة من أن هذا الجيب قد يكون على بُعد عامين فقط من أن يصبح غير صالح للسكن، وأن يكون اقتصاده في حالة خراب، وأن تصبح إمداداته من المياه غير صالحة للشرب”.
وتابع: “أكثر من عقد من الحصار الإسرائيلي الشديد، فضلًا عن سلسلة من الاعتداءات العسكرية أغرقت كثيرًا من أهالي غزة في العصور المظلمة”، مشيرًا إلى أن إسرائيل بحاجة ماسة إلى حل، قبل أن يتحول سجن غزة إلى معسكر الموت.
وأضاف: “الآن، تحت غطاء خطة سلام نهائية من دونالد ترامب، تبدو إسرائيل على حافة الإجابة”.
ومضى يقول: “شهدت الأسابيع الأخيرة تقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية والعربية عن تحركات من قبل واشنطن وإسرائيل للضغط على مصر لتحويل جزء من الأراضي في شمال سيناء إلى جانب غزة، لمشاريع البنية التحتية المصممة للتخفيف من الأزمة الإنسانية في القطاع”.
وأردف: “في أواخر الشهر الماضي أرسلت حماس التي تحكم غزة وفدًا إلى القاهرة لمناقشة الإجراءات، تبع ذلك حالة من الهلع عقب زيارة قام بها جاريد كوشنر، صهر دونالد ترامب إلى مصر، والذي يشرف على خطة السلام في الشرق الأوسط”.
وتابع: “وفقًا للتقارير، يأمل ترامب أن يكشف النقاب قريبًا عن حزمة- ترتبط بما يسمى “صفقة القرن” لصنع السلام- التي ستلتزم ببناء شبكة الطاقة الشمسية ومحطة التحلية والميناء والمطار في سيناء، وكذلك منطقة تجارة حرَّة مع 5 مناطق صناعية، وسوف يأتي معظم التمويل من دول الخليج الغنية بالنفط”.
وأضاف: “يبدو أن مصادر دبلوماسية مصرية أكدت التقارير، البرنامج لديه القدرة على المساعدة في تخفيف المعاناة الهائلة في غزة؛ حيث يتم توفير الكهرباء والمياه النظيفة وحرية الحركة. وسيعمل الفلسطينيون والمصريون بشكل مشترك على هذه المشاريع، مما يوفِّر وظائف مطلوبة بشدة، حيث تبلغ نسبة البطالة في غزة بين الشباب أكثر من 60 %”.
ومضى يقول: “لم يتضح بعد ما إذا كان الفلسطينيون من غزة سيتم تشجيعهم على العيش بالقرب من مشاريع سيناء في مدن العمال المهاجرين. لا شكَّ في أن إسرائيل ستأمل في أن يجعل العمال الفلسطينيون سيناء بشكل تدريجي موطنهم الدائم”.
وأردف: “في الوقت نفسه، ستستفيد مصر من ضخّ رأس المال الضخم في اقتصاد يعاني من أزمة حاليًا، فضلًا عن البنية التحتية الجديدة التي يمكن استخدامها لسكانها في شبه جزيرة سيناء المضطربة”.
ولفت إلى أنه منذ أكثر من عام يقترح وزير في الحكومة الإسرائيلية مشاريع بنية تحتية مماثلة لغزة تقع على جزيرة اصطناعية تُنشأ في المياه الإقليمية الفلسطينية، وهو ما رفضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرارًا وتكرارًا.
وتابع: “إن تحديد موقع المخطط بدلًا من ذلك في مصر، تحت سيطرة القاهرة، سيؤدّي إلى ربط المخاوف الأمنية المصرية بشأن غزة بإسرائيل، وسيعمل على قتل قضية الدولة الفلسطينية”.
ومضى يقول: “من المهم أن نفهم أن خطة سيناء ليست مجرد دليل على التمنّي من قبل إدارة ترامب عديمة الخبرة أو المخدوعة. كل الدلائل تشير إلى أنها حظيت بدعم طويل وقوي من المؤسسة السياسية في واشنطن لأكثر من عقد من الزمان”.
وأضاف: “في الواقع، قبل 4 سنوات، عندما كان باراك أوباما في البيت الأبيض، رسمت ميدل إيست آي مسار محاولات إسرائيل والولايات المتحدة لِلَيْ ذراع الزعماء المصريين لفتح سيناء أمام فلسطينيي غزة”.
ومضى يقول: “لقد كان هذا طموحًا إسرائيليًا رئيسيًا منذ أن سحبت عدة آلاف من المستوطنين من غزة فيما يسمى بفك الارتباط من عام 2005 وزعمت بعد ذلك- زورًا- أن احتلال الجيب قد انتهى”.
وأردف: “بحسب ما ورد، كانت واشنطن منضمة للفكرة منذ عام 2007، عندما سيطرت حركة حماس على غزة، حينها كثفت إسرائيل، المدعومة من الولايات المتحدة، حصارها الشديد الذي دمّر اقتصاد غزة ومنع دخول السلع الرئيسية”.
وأشار الموقع إلى مزايا خطة سيناء بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، كما يلي:
* جعل الانقسام الإقليمي بين غزة والضفة قائمًا على الدوام، والانقسام الأيديولوجي بين الفصيلين المتناحرين من فتح وحماس.
* تخفيض غزة من قضية دبلوماسية إلى قضية إنسانية..
* يؤدي تدريجيًا إلى إقامة دويلة فلسطينية فعلية في سيناء وغزة، معظمها خارج حدود فلسطين التاريخية.
* تشجيع التسوية النهائية للملايين من اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي المصرية، وتجريدهم من حقهم في القانون الدولي بالعودة إلى ديارهم.
* إضعاف مطالبات عباس وسلطته الفلسطينية، التي تقع في الضفة الغربية، لتمثيل القضية الفلسطينية وتقويض تحركاتهما لكسب الاعتراف بدولة في الأمم المتحدة.
* نقل المسؤولية عن قمع الفلسطينيين في غزة من إسرائيل إلى مصر والعالم العربي الأوسع.
وتابع الموقع يقول: “في صيف عام 2014، أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه بمباركة واشنطن كان المسؤولون الإسرائيليون يعملون على خطة يطلق عليها اسم “غزة الكبرى” التي ستربط الجيب بشريحة كبيرة من شمال سيناء. تشير التقارير إلى أنَّ إسرائيل قد حققت تقدمًا مع القاهرة حول هذه الفكرة”.
وأضاف: “رد المسؤولون المصريون والفلسطينيون علنًا على التسريبات بإدانة الخطة بأنها “ملفقة”. ولكن سواء كانت القاهرة متقبلة بشكل خاص أم لا، إلا أنها قدَّمت المزيد من التأكيد على استراتيجية إسرائيلية استمرَّت 10 سنوات في غزة”.
ومضى يقول: “في نفس الوقت تقريبًا، أجرت إحدى الصحف العربية مقابلة مع مسؤول سابق مجهول قريب من حسني مبارك، الرئيس المصري المخلوع في عام 2011. وقال: إن مصر تعرضت لضغوط متضافرة منذ عام 2007 فصاعدًا لضم غزة إلى شمال سيناء، بعد سيطرة حماس على القطاع بعد الانتخابات الفلسطينية”.
وتابع: “بعد 5 سنوات، وفقًا لنفس المصدر، أرسل محمد مرسي، الذي قاد حكومة الإخوان المسلمين قصيرة العمر، وفدًا إلى واشنطن حيث اقترح الأمريكيون أن ” تتنازل مصر عن ثلث سيناء إلى غزة في عملية من مرحلتين من أربع إلى خمس سنوات. ومنذ عام 2014، يبدو أن خليفة مرسي، الجنرال عبد الفتاح السيسي، واجه ضغطًا مماثلًا”.
وأضاف: “تأججت الشكوك في أن السيسي قد اقترب من الاستسلام قبل 4 سنوات عندما قال الرئيس محمود عباس في مقابلة مع التلفزيون المصري: إن خطة إسرائيل في سيناء “لسوء الحظ مقبولة من قبل البعض هنا [في مصر]. لا تسألني أكثر عن ذلك. لقد ألغينا ذلك”.
ولفت الموقع إلى أن مؤيدي إسرائيل الجدد في واشنطن الذين كانوا يعتمدون على مبارك في 2007 خلال رئاسة جورج دبليو بوش، يؤثرون الآن على سياسة الشرق الأوسط مرة أخرى في إدارة ترامب.
ومضى يقول: “على الرغم من أن السيسي قد صمد في عام 2014، إلّا أن التغيرات الدرامية اللاحقة في المنطقة من المحتمل أن تكون قد أضعفت يده”.
وتابع: “كل من عباس وحماس أكثر عزلة من أي وقت مضى، والوضع في غزة أكثر يأسًا. لقد أقامت إسرائيل علاقات وثيقة مع دول الخليج في الوقت الذي تشكل فيه معارضة مشتركة لإيران. وقد أسقطت إدارة ترامب حتى التظاهر بالحياد في حلّ الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني”.
وأضاف: “في الواقع، اعتمد فريق ترامب في الشرق الأوسط بقيادة كوشنر منذ البداية ما يطلق عليه نموذج إسرائيل “الخارج في الداخل” للتوصل إلى اتفاق سلام.”
ومضى يقول: “الفكرة هي استخدام نهج الجزرة والعصا- مزيج من الحوافز المالية والعقوبات التأديبية- على عباس وحماس من أجل تقديم المزيد من التنازلات الرئيسية لإسرائيل التي من شأنها أن تبطل أي فكرة ذات مغزى عن إقامة دولة فلسطينية. المفتاح لهذه الفكرة هو أنه يمكن تجنيد السعودية والإمارات لمساعدة إسرائيل في جهودها لإجبار القيادة الفلسطينية”.
وأردف: “مصر، حسب التقارير الحالية، تعرضت لضغوط مماثلة من الخليج للتنازل عن أراضٍ في سيناء لمساعدة ترامب في “صفقة القرن” التي تأخرت طويلًا”.
ومضى يقول: “لدى السيسي وجنرالاته سبب وجيه ليكونوا مترددين في تقديم المساعدة. بعد أن استولوا على السلطة من حكومة الإخوان المسلمين، فعلوا كل ما في وسعهم لسحق الحركات الإسلامية المحلية، لكنهم واجهوا ردّ فعل عنيف في سيناء”.
وأضاف: “حماس، التي تحكم غزة، هي المنظمة الشقيقة للإخوان المسلمين. قلق جنرالات مصر من أن فتح معبر رفح الحدودي بين سيناء وغزة قد يعزز الهجمات الإسلامية التي كافحتها مصر لاحتوائها. هناك مخاوف أيضًا في القاهرة من أن خيار سيناء سيحوّل عبء غزة إلى أكتاف مصر”.
وتابع: “في مارس، استضاف البيت الأبيض 19 دولة في مؤتمر للنظر في أفكار جديدة للتعامل مع أزمة غزة المتصاعدة. بالإضافة إلى إسرائيل، وكان ضمن المشاركين ممثلون من مصر والأردن والمملكة العربية السعودية وقطر والبحرين وعمان والإمارات العربية المتحدة، وقاطع الفلسطينيون الاجتماع”.
ومضى يقول: “كان أكثر ما فضله فريق ترامب هو ورقة قدمها يوآف مردخاي، وهو جنرال إسرائيلي ومسؤول رئيسي يشرف على استراتيجية إسرائيل في الأراضي المحتلة. العديد من مقترحاته- لمنطقة التجارة الحرة ومشاريع البنية التحتية في سيناء– تمضي الآن قدمًا”.
وأضاف: “في الشهر الماضي زار كوشنر المملكة العربية السعودية وقطر ومصر والأردن لحشد الدعم. ووفقًا للمقابلات التي جرت في صحيفة “إسرائيل هايوم” اليومية، فإنَّ الدول العربية الأربع جميعها متفقة مع خطة السلام، حتى لو كانت تعني تجاوز عباس”.
وأشار إلى أن جاكي خوري، وهو محلِّل فلسطيني في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، لخَّص عناصر خطة غزة كما يلي: “إن مصر، التي لها مصلحة حيوية في تهدئة غزة بسبب تأثير الإقليم على سيناء، ستلعب دور الشرطي الذي يقيِّد حركة حماس. وستدفع المملكة العربية السعودية وقطر وربما الإمارات العربية المتحدة تكاليف المشاريع التي ستكون تحت رعاية الأمم المتحدة”.
وأضاف: “قد تكون جهود إسرائيل لضمان امتثال حماس قد أشارت إلى التهديدات الأخيرة بغزو غزة وتشريحها إلى قسمين، من خلال الصحفي الإسرائيلي المخضرم رون بن يشاي. كما تحركت الولايات المتحدة من أجل تعميق الأزمة في غزة عن طريق حجب المدفوعات للأونروا، وهي وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين. غالبية سكان غزة لاجئون يعتمدون على معونات الأمم المتحدة”.
ولفت إلى أن الميزة المتحققة لحماس من الموافقة على خطة سيناء هي أنها ستحررها من سيطرة إسرائيل و السلطة الفلسطينية على غزة، وستكون في وضع أفضل للحفاظ على حكمها، طالما أنها لم تُثِر غضب المصريين.
وتابع: “مع الانحياز الأمني للمصالح الأمنية للبلدين، يمكن لإسرائيل أن تعتمد على مصر لتهدئة الفلسطينيين في غزة نيابة عنها. وبموجب هذا المخطط، سيكون لدى القاهرة العديد من الطرق لتعليم قوّتها العاملة الجديدة من العمال المهاجرين (الفلسطينيين) درسًا”.
وأضاف: “يمكن للقاهرة إيقاف مشروعات البنية التحتية مؤقتًا، وتسريح القوى العاملة، حتى يكون هناك هدوء. تستطيع إغلاق معبر رفح الحدودي بين غزة وسيناء. يمكن أن تغلق محطات الكهرباء وتحلية المياه، مما يحرم غزة من الكهرباء والمياه النظيفة”.
وأضاف: “بهذه الطريقة يمكن إبقاء غزة تحت الإبهام الإسرائيلي دون أن تتحمل إسرائيل أي لوم. سوف تصبح مصر بمثابة حراس السجن في غزة، تمامًا كما تحمل عباس وسلطته الفلسطينية عبء العمل كحراس السجن في معظم أنحاء الضفة الغربية”.
اضف تعليقا