العدسة -أحمد فارس

 

مكالمة هاتفية ..

خلال يومي 23 و24 من الشهر الجاري، شهدت العاصمة المصرية حدثين هامين يتعلقان بالأساس بملف خارجي، وهو القضية الفلسطينية.

ويضيف الحدثان مزيدًا من الغموض حول ما تشهده المنطقة على مدار الأشهر الماضية، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وتحديدًا منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل سفارة واشنطن إلى القدس المحتلة، بما يعني الاعتراف بأنها عاصمة لإسرائيل، بالمخالفة لكل المواثيق والقرارات الدولية في هذا الصدد.

ترامب تحدَّى العالم أجمع بنقل سفارة واشنطن إلى القدس، في رسالة مفادها أنه لا تراجع عن هذه الخطوة، وعلى الرغم من الغضب العربي والإسلامي من الإعلان عن هذه الخطوة، إلا أنه أصر في النهاية على نقل السفارة هذا الشهر.

تسارع الأحداث يكشف وجود مخططات تدبّر في الخفاء، يشارك فيها أطراف إقليمية، دعمًا وتأييدًا للجانب الأمريكي، في إطار مصالحة متبادلة.

 

بنس وملك الأردن

بشكل مفاجئ ودون ترتيبات دبلوماسية متعارف عليها تستغرق أوقاتًا طويلة، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ملك الأردن الملك عبد الله الثاني، يوم الأربعاء الماضي، في القاهرة.

وعقد السيسي وعبد الله جلسة مباحثات ثنائية، خلال زيارة الأخير السريعة التي لم تستغرق سوى ساعات قليلة، بما يؤكد أنه لم يكن هناك ترتيبات مسبقة لهذه الزيارة “العاجلة”.

بيان الرئاسة المصرية، لم يحدِّد بشكل واضح، أسباب الزيارة “العاجلة” غير الواردة في جدول اللقاءات وفقًا لما هو متعارف عليه، حتى إن ملك الأردن لم يقضي ليلته في القاهرة، قبل أن يغادر صباحًا على أقل تقدير، ولكن تناول الإفطار، وسافر عائدًا إلى الأردن.

وعلى الرغم من إشارة بيان الرئاسة المصرية، إلى تناول القمة بين السيسي وعبد الله، العلاقات المشتركة، والقضايا الإقليمية، والتطرق إلى الأزمة السورية، إلا أنَّ القضية الفلسطينية أخذت حيزًا كبيرًا من البيان، بما يعكس أنها كانت الجزء الأهم من اللقاء، بل والسبب الرئيسي له.

وقال البيان: “إنَّ القمة شهدت استعراض آخر المستجدات الخاصة بالقضية الفلسطينية، والجهود المصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وسط تأكيد الزعيمين على دعمهما الكامل للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها الحق في إنشاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”.

وأكد السيسي وعبد الله، على أهمية استمرار جهود المجتمع الدولي للعمل على استئناف المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وصولاً إلى حل الدولتين واستنادًا إلى مبادرة السلام العربية، الأمر الذي سيساهم في إعادة الاستقرار وفتح آفاق جديدة لمنطقة الشرق الأوسط.

واعتبرا أن استمرار غياب آفاق الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، وأن مسألة القدس يجب تسويتها ضمن قضايا الوضع النهائي على أساس حل الدولتين.

في اليوم التالي لزيارة عبد الله “الخاطفة”، تلقى السيسي اتصالًا هاتفيًا من نائب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مايك بنس، والذي أعرب عن حرص بلاده على دعم وتعزيز علاقات التعاون الاستراتيجية مع مصر، وذلك فى ظلّ دورها المحورى فى الحفاظ على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، مثمنًا في هذا الإطار دور مصر فى تهدئة الأوضاع فى غزة، فضلًا عن جهودها لتحقيق المصالحة الفلسطينية، بحسب بيان الرئاسة المصرية.

اتصال بنس بالسيسي عقب زيارة عاجلة وخاطفة لملك الأردن، تعكس وجود ترتيبات ما تحدث في الخفاء، غير معروفة حتى الآن، ولكن ما الذي يمكن أن يحدث؟ وما هو الدور المصري في القضية الفلسطينية؟

 

دلالة التوقيت

توقيت زيارة ملك الأردن للقاهرة، واتصال بنس بالسيسي، له دلالة كبيرة، نظرًا لما تشهده المنطقة من اضطرابات، وتحديدًا عقب تنفيذ الإدارة الأمريكية قرارها ونقل سفارتها إلى القدس المحتلة.

في 14 من الشهر الجاري، نقلت أمريكا سفارتها رسميًا إلى القدس، بحضور نجلة ترامب “إيفانكا” وزوجها “جاريرد كوشنر”، وهذه الخطوة لم تمر بسلام تمامًا، داخل فلسطين، وتحديدًا في غزة.

وخرج الآلاف في مسيرة “العودة الكبرى” رفضًا لنقل السفارة، واستمرار حصار قطاع غزة، رغم التنازلات التي قدَّمتها حركة حماس، في سبيل إتمام المصالحة لتخفيف الضغوط على القطاع والحصار المفروض منذ سنوات من جانب السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي ومصر.

سقط ما يزيد من 50 شهيدًا، إضافة إلى ما يتجاوز ألفي جريح، في مواجهات مع قوات الاحتلال على الحدود بين غزة والأراضي المحتلة، بما وضع رؤساء وملوك المنطقة في موقف محرج للغاية أمام شعوبهم، وسط رفض شديد للتخاذل العربي والإسلامي أمام الموقف الأمريكي.

مسيرة العودة الكبرى، واستدعاء مصر لقيادات الحركة عشية التظاهرات، يعكس وجود رغبة مصرية، في تهدئة الأوضاع، حتى لو على حساب التنازل عن الثوابت، التي طالما يردِّدها السيسي في كل تصريحاته، الخاصة برفض نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ولكن التصرفات والتحركات عكس ذلك تمامًا.

ولكن المحرك الأساسي بالنسبة لبعض دول المنطقة، وعلى رأسها مصر، هو المصلحة المتبادلة؛ إذ لا يمكن الدخول في تطبيع شامل مع إسرائيل، من دون تسوية القضية الفلسطينية.

العلاقات المصرية والسعودية والإماراتية مع إسرائيل، تتنامى بشكل كبير للغاية منذ العام الماضي، وتحديدًا مع زيارات متكررة لمسؤولين سعوديين، خاصة عقب تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير.

ويبدو واضحًا أنَّ السيسي يلعب دورًا حيويًا في تسهيل مسألة “صفقة القرن” لتسوية القضية الفلسطينية، ومن خلفه السعودية على وجه التحديد، خاصة وأنَّ بنس زار مصر لتمرير هذه الصفقة، في يناير الماضي.

الأساس في التحركات الأخيرة من قبل النظام المصري، هو تسريع وتيرة استكمال الدور  المكلف به السيسي من جانب نظيره الأمريكي ترامب، خاصة مع الحديث بشكل كبير عن احتمالية إعلان ترامب تفاصيل صفقة القرن عقب شهر رمضان الجاري، أي بعد نحو أقل من 20 يومًا.

ونقلت وكالة “أسوشيتدبرس” الأمريكية، نقلًا عن 5 مسئولين أمريكيين بارزين لم تسمهم، أن الرئيس دونالد ترامب سيعلِن عن تفاصيل هذه الصفقة بعد شهر رمضان.

وقال المسئولون الأمريكيون ومساعد في الكونجرس: إن الكشف عن الصفقة سيجرى فى منتصف أو آواخر شهر يونيو بعد نهاية شهر رمضان، إلا أنهم ألمحوا إلى أنَّ ذلك قد يتأخر فى حال حدوث تطورات فى المنطقة.

 

الدور المصري

الأكيد أنَّ هناك دورًا للسيسي في صفقة القرن، خاصة أنه داعم بشكل كبير لها، ويمكن التنبؤ بالدور المصري كالتالي:

ولكن يجب التأكيد أولًا على أن السيسي يعتبر ذراع أمريكا في المنطقة، خاصة أنه دائم التأكيد على ثقته في ترامب لإنهاء “صفقة القرن” في أقرب وقت، منذ أول لقاء جمعه بنظيره ترامب في البيت الأبيض، عقب فوزه بالانتخابات العام وتنصيبه رسميًا العام الماضي.

ويعتبر مراقبون أنَّ السيسي “عرَّاب التطبيع” في المنطقة، خاصة وأنه فتح بابًا للعلاقات بين السعودية وإسرائيل بعد التنازل عن “تيران وصنافير”، لأنَّ هذا يقضي التنسيق الأمني بين الطرفين، بعد انسحاب مصر.

ووقف السيسي وعلى الرغم من الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، خلال جلسة الأمم المتحدة الأخيرة، متحدثًا عن أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي، جنبًا إلى جنب مع أمن وسلامة المواطن «الفلسطيني».

وفي هذا الإطار فإنَّ الدور المصري لن يكون معارضًا لصفقة القرن، على الأقل يمكن أن يكون هناك اعتراضات على بعض بنودها، وبالتالي فإنَّ هذا الدور والتعاطي مع الأطراف الفلسطينية والإقليمية مزيج بين أمرين:

أولا: التهدئة:

السيسي يمتلك أوراق ضغط على قطاع غزة، خاصة في ظل التحكم بفتح وإغلاق معبر رفح الحدودي، وهو أحد عوامل النفوذ المصري في القضية الفلسطينية، وتحديدًا لدى حركة حماس؛ إذ مارس النظام المصري ضغوطًا من أجل إتمام المصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح، كتمهيد لتمرير صفقة القرن، ولكن حتى الآن هذه المصالحة اتضح أنها “هشة”.

وبذل النظام المصري جهودًا كبيرًا في محاولة إنجاح المصالحة؛ لأنها بوابة أساسية لتمرير هذه الصفقة، من أجل ضمان وضع فصائل المقاومة تحت سطوة السلطة الفلسطينية، لإمكان التحكم في منحى التصعيد ضد أي قرارات تجاه فلسطين.

وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى تدخل مصر لتهدئة الأوضاع على الحدود بين غزة والأراضي المحتلة بعد مسيرة العودة الكبرى، لاحتواء الغضب الفلسطيني، خاصة مع فتح معبر رفح طوال شهر رمضان، في خطوة غير مسبوقة، كما سبقت الإشارة.

ثانيًا: الضغوط:

ويبدو أنَّ السيسي يمارس ضغوطًا على أطراف معنية، وتحديدًا الرافضة بشدة لتمرير الصفقة، وهنا لا بدَّ من الحديث عن الضغوط على محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، والأردن.

وبحسب تقارير صحفية، فإنَّ السيسي  قام بتحركات واسعة لإقناع الأردن ببدء الدخول الرسمي في مناقشات “صفقة القرن”.

 

ويأتي هذا التحرك، مع زيارة سرية قام بها جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي وكبير مستشاريه، إلى القاهرة في مارس الماضي، التقى خلالها اللواء عباس كامل، مدير جهاز المخابرات العامة، ومدير مكتب الرئيس المصري، في حضور القائم بأعمال السفير الأمريكي في القاهرة، ومسؤولين مصريين بارزين معنيين بملف “صفقة القرن”.

وأوضحت المصادر أنَّ الجهود المصرية لتعديل الموقف الأردني، تسير أيضًا باتجاه إقناع الملك عبد الله بسرعة إعلان الأردن رسميًا الدخول ضمن مشروع “نيوم”، الذي يقوده ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

في سياق الضغوط، فإنَّ رفض عباس تفاصيل “صفقة القرن” ينذر بتعطلها لأجل غير مسمى، وهنا فإنَّ السيسي ربما يحاول بشدة الضغط عليه للدخول إلى مفاوضات مباشرة، والحديث حول البنود على الأقل.

وفي مارس الماضي، كشفت قناةi24newsالإسرائيلية على موقعها، نقلًا عن مصدرين مقربين من القيادة الفلسطينية، أنَّ الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، ضغطا على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لقبول صفقة سلام عرضتها الولايات المتحدة.

وبالإضافة لتحركات مصر، يتردد في الكواليس، أنَّ السعودية وعقب تقلد محمد بن سلمان منصب ولي العهد، يدعم بقوة التوجه الأمريكي لتسوية القضية الفلسطينية، خاصة مع ما ذكرته تقارير صحفية أن أمريكا سلمت ملف الصفقة وبنودها لدولة عربية، ربما تكون السعودية أو مصر.

وهنا فإنَّ اتصال بنس بالسيسي بعد لقاء الأخير مع ملك الأردن، تكشف جزءًا من دور النظام المصري الحالي في تمرير صفقة القرن، وربما أراد نائب الرئيس الأمريكي، الاطمئنان على سير المحادثات خلال القمة، لتحديد التوقيت المثالي لإعلان بنود صفقة القرن، بعد موافقة كل الأطراف الفاعلة.