كشف تحقيق تليفزيوني بثته “القناة 13” العبرية، جانبًا من خبايا العلاقات السرية بين دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبين دول عربية.
وسلط التحقيق الذي جاء بعنوان “نتنياهو زلمة العرب” الضوء على لقاءات سرية تمت بين مسؤولين إسرائيليين مع مسؤولين من الولايات المتحدة والإمارات بهدف دفع اتفاق “اللاحرب” بين إسرائيل والإمارات، وتصعيد التنسيق فيما بينهم ضد إيران.
وحسب التحقيق الذي نقل عن مصادر أمريكية وإسرائيلية وإماراتية قولها: إن لقاءً سرياً ثلاثيًا عقد في البيت الأبيض في 17 ديسمبر/كانون أول الماضي شارك فيه مسؤولون كبار أمريكيون وإسرائيليون وإماراتيون، وذلك بهدف زيادة التنسيق بين الدول الثلاث لاستعجال اتفاق اللاحرب ودفع عملية التطبيع خطوة للأمام بين الاحتلال والإمارات، ومن أجل زيادة التنسيق في الشأن الإيراني.
ووفقًا للتقرير فقد ترأس الوفد الأمريكي “روبيرت أوبيريان” مستشار الأمن القومي للرئيس “دونالد ترامب”، وترأس “مئير بن شبات الوفد الإسرائيلي، فيما مثّل الإمارات سفيرها في واشنطن يوسف العتيبة المقرب جدا من ولي العهد في أبو ظبي، محمد بن زايد.
وتقول “القناة 13” عن مصادر أمريكية وإسرائيلية، إن اللقاء السري في واشنطن شكّل الخلفية لتغريدة استثنائية نشرها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد بعد أربعة أيام من اللقاء المذكور، وقد تضمنت رابطا لمقال له بعنوان “الإسلام يغير شكلا -تحالف عربي– إسرائيلي يتبلور في الشرق الأوسط”.
كما تشير القناة إلى إن الرد الإسرائيلي جاء في اليوم التالي على لسان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي قال في مستهل جلسة أسبوعية لحكومته في 22 ديسمبر، إن وزير الخارجية الإماراتي يتحدث عن تحالف عربي- إسرائيلي، لافتا إلى أن ذلك “ثمرة اتصالات وجهود كثيرة ينبغي الآن التكتم عليها وأنا أشدد على كلمة الآن”.
وتؤكد القناة 13 أن اللقاء السري المذكور في واشنطن كان جزءا من التحالف السري بين إسرائيل والإمارات ضد إيران، وهو تحالف قد نما وتطور بفضل نتنياهو، وشهد في العام الأخير تطورا جوهريا وفق تأكيدات مصادر في الولايات المتحدة والإمارات.
وتنوه القناة 13 أن “شق الطريق” في هذا المضمار قد حصل خلال مؤتمر وارسو في فبراير/شباط 2019، وهو مؤتمر نظمته الولايات المتحدة ضد إيران بمشاركة عشرات الدول من بينها إسرائيل ودول خليجية، وبعد انتهاء أعماله بادر ترامب لإقامة إطار ثلاثي يشمل مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين وإماراتيين بغية تعزيز المشاورات والاتصالات ضد إيران.
وتنقل القناة 13 عن مصادر أمريكية قولها إن العام الأخير شهد ثلاثة لقاءات كهذه على الأقل، من بينها اللقاء في البيت الأبيض قبل نحو شهر ونصف الشهر.
ويدلل معد التحقيق المحرر السياسي في القناة 13 براك رافيد، على عمق التعاون المتصاعد بين إسرائيل والإمارات، بالإشارة إلى مشاركة السفير الإماراتي العتيبة في احتفالية إطلاق “صفقة القرن” داخل البيت الأبيض.
ونوه رافيد إلى أن مستشار وصهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر قد بذل مساعي كبيرة في السنوات الثلاث الأخيرة من أجل تقارب الإمارات وإسرائيل ولبناء التحالف الثلاثي المذكور، وهو الآن بدأ يجني ثمار مجهوده.
وتتابع القناة: يملك نتنياهو الكثير من الأسهم في التحالف السري بين إسرائيل والإمارات، لكن الحقيقة أن هذا بدأ مبكرا جدا في عهد رئيس الحكومة الراحل اسحق رابين قبل 25 سنة.
وكشفت القناة أن “شيمعون شيفس”، مدير عام ديوان رابين بدءا من 1994، هو من دفع هذا التقارب ونسج العلاقات الأولية بين إسرائيل والإمارات المسماة “اسبارطة العالم العربي”.
ويقول شيمعون شيفس في التحقيق التلفزيوني: في أحد الأيام توجه لي رجل أعمال إسرائيلي وهو طيار وضابط كبير في جيش الاحتياط وقال على مسامعي: توجه لي ضابط في سلاح الجو الإماراتي يدعى يوسف وهو مقرب جدا من ولي العهد الأمير محمد بن زايد، الذي طلب إليه كما فهمت التقرب من إسرائيليين بغية إقناعهم بأن تساعد إسرائيل في التأثير على البيت الأبيض كي يتم تسليم طائرات أمريكية متطورة من طراز إف 16 للإمارات.
وتوضح القناة 13 على لسان “شيفس” أنه كما هو اليوم، كان الدافع للتعاون الثلاثي بين الولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل هو “التهديد الإيراني”.
وتتابع: سارع شيفس لتبليغ رابين بالاتصال الإماراتي فصادق لتشجيعه بمواصلته والتقدم به نحو لقاء سري مع الضابط الإماراتي ممثل الأمير، وتم ذلك في فندق الفصول الأربعة في ميونيخ”.
وعن ذلك اللقاء يستذكر شيفس في تحقيق “نتنياهو زلمة العرب” أن المحادثة مع الضابط الإماراتي استمرت لساعات طويلة جدا مع وجبة عشاء، لافتا إلى أنه خرج من اللقاء منفعلا جدا بعد “أول لقاء لمسؤول إسرائيلي رسمي مع مسؤول من دبي”.
وأوضح “شيفس” أن اللقاء بقي سرا بينه وبين رابين ورئيس الموساد شبتاي شبيط، منوها أنه بعد ثلاثة أسابيع طار شيفس للقاء ثان في ميونيخ، وهذه المرة اصطحب يوسف معه شخصا إماراتيا يدعى عمر، وهو ممثل للمخابرات الإماراتية.
ويضيف شيفس: بحذر شديد تحدث عمر حول ضرورة المحافظة على اللقاء طي الكتمان بشكل صارم، وعندها قلت لهما إن ديوان رابين يعرف كيف يصون السر للأبد”.
ويكشف شيفس أنه اتفق مع المسؤولين الإماراتيين في لقاء ميونيخ على لقاء ثالث مع ولي العهد محمد بن زايد، وقد كان وقتها شابا صغيرا، وهو اليوم الحاكم الفعلي للإمارات، وتم اللقاء في جنيف بمشاركة مسؤول كبير من الموساد.
ويتابع: اجتمعنا على مأدبة عشاء بمشاركة مسؤول الموساد، وفي نهاية اللقاء فوجئت بأن المسؤولين الإماراتيين يبلغونني بأن الأمير محمد بن زايد معني بلقاء معي وحدي، وفعلا توجهت لفندق انتركونتننتال في جنيف، وقد بدا ذاك الفندق مثل علي بابا والأربعين حرامي.. جميعهم يرتدون “الجلابية” ويحملون سيوفا خلال استقبالي في مدخل الفندق، وداخله كان المشهد مذهلا، ولو كانت أجهزة الهواتف المحمولة موجودة وقتها لكنا التقطنا صور سيلفي”.
وتكشف القناة الإسرائيلية 13، أن شيفس التقى مع محمد بن زايد. وعنه يقول شيفس: كان هذا واحدا من اللقاءات المؤثرة جدا بالنسبة لي كمدير عام ديوان رابين مع مسؤول أجنبي، وكان اللقاء صريحا جدا ومنفتحا وتداولنا بالمواضيع المتداولة اليوم، وكشف لي أن اللقاء يتم بفضل اتفاق أوسلو والمفاوضات مع الفلسطينيين.
ويشير شيفس أن ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد توجه له مباشرة طالبا ألا يرفض رابين صفقة ابتياع الإمارات أسلحة من الولايات المتحدة.
ويضيف: قلت لمحمد بن زايد: جئت إلى جنيف مع جواب إيجابي مفاده أن إسرائيل لن تعارض، فرابين يرى في الصفقة الأمنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل مصلحة إسرائيلية. وقتها كان التهديد النووي الإيراني ومخاطر النزاع المحتمل بين دول الخليج وإسرائيل وبين إيران مطروحا على الطاولة.
كما يقول شيفس إنه منذ ذاك اللقاء السري في جنيف، قاد الموساد الاتصالات السرية مع الإمارات. ويكشف أنه بعد شهور وتحديدا في مايو/أيار 1995 سافر رابين إلى واشنطن قبيل اغتياله، وفي اللقاء داخل البيت الأبيض أعطى رابين للرئيس بيل كلينتون ضوءا أخضر لصفقة بيع الطائرات الحربية للإمارات، وفي اليوم التالي وداخل فندق الفصول الأربعة في واشنطن التقى رابين مع الأمير محمد بن زايد.
وعن ذاك اللقاء قال شيفس إن “اللقاء كان صدفة للوهلة الأولى، لكنه كان مخططا له سلفا، وخلاله صافح رابين محمد بن زايد ولم يعلم به عدا رجل الموساد الذي جاء بالأمير لرابين في الفندق. وبالنسبة لي كان هذا إغلاق دائرة صغيرة؛ لأن رابين بعد شهور قتل في تل أبيب”.
ويكشف شيفس أن الإمارات أرسلت رسائل تعزية كثيرة لإسرائيل بعد اغتيال رابين، وكان الضابط يوسف أول المتصلين لتقديم العزاء، وتبعه عمر، وقد بدوا حزينين جدا.
وتابع: أدرك الإماراتيون أن مسيرة السلام لن تكون كما كانت قبل قتل رابين، حيث كانوا يبنون على ولاية ثانية لرابين من أجل استكمال بناء علاقات رسمية بين الإمارات وإسرائيل، ولذا فقد خسرنا الكثير في العقدين الأخيرين نتيجة هذا الاغتيال السياسي.
وتوضح القناة 13 أنه بعد سنوات كثيرة بات نتنياهو رئيس حكومة، ومحمد بن زايد وليا للعهد في الإمارات، وحاكمها الفعلي والعلاقات بين إسرائيل والإمارات تتصاعد وتزداد حميمية.
ونوهت لرغبة نتنياهو بتحويل هذه العلاقات السرية إلى علنية، لكن ثلاث لوائح اتهام بالفساد موجهة له اليوم، ومثوله أمام أخطر تحدٍ سياسي في حياته، يدفع نحو السؤال هل سيحظى نتنياهو بتحقيق طموحه؟ علما أن العلاقات الرسمية بين إسرائيل والإمارات باتت مؤكدة، وهي مجرد مسألة وقت.
يشار إلى أن التحقيق التلفزيوني الإسرائيلي “نتنياهو زلمة العرب” قد سلط الضوء في الحلقتين السابقتين على خبايا علاقات الاحتلال مع سلطنة عمان ومع المغرب.
اضف تعليقا