العدسة – ياسين وجدي:

كان رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو صريحا للغاية وهو يحدد مع من سيتحدث عن الجولان ، إنه سيذهب إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهنا انتهت الرسالة، ولكن بقت الحقائق.

مظاهر الاحتلال الروسي لسوريا تزداد وضوحا كل يوم ، وعهد الوصاية الروسية يتصاعد، ولكن دون أفق محدد في المستقبل ، وهو ما نسلط الضوء عليه في سياق هذا التقرير..

إعلان كاشف !

احتل الكيان الصهيوني مناطق واسعة من هضبة الجولان، التي تعتبر جزءا من الأراضي السورية، خلال حرب يونيو عام 1967، وأعلن ضمها في عام 1981، لكن المجتمع الدولي لا يعترف بذلك ولا يقره.

في المقابل ألقى رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، الاثنين رصاصة الرحمة بطريقة أخرى على سورية الجولان ، وأعلن أنه سيبحث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال لقائهما “المرتقب”، وجود قواته في هضبة الجولان ، متجاهلا الحق السوري أو حتى ممثليه الحاليين الذين تتواصل ضدهم أنشطة ثورية وحربية.

نتنياهو زعم أن السيادة الصهيونية في الجولان تشكل ضمانا للاستقرار في المنطقة وستستمر للأبد وجاء عبر واقع مبرر مبني على حقوق قديمة قائمة على التراث اليهودي على حد قوله، لكنه في تصريحات أخرى ، قال متجاهلا أصحاب الأرض :” تحدثت مع بوتين واتفقنا على لقاء قريب لبحث التنسيق الأمني في سوريا”.

في العام 2016 ، أعلن نتنياهو بعد لقاء مع بوتين، في موسكو، أن كيانه يعتبر هضبة الجولان “خطا أحمر ويصر على الاحتفاظ بالسيادة على الهضبة”، وهو ما دفع الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي وقتها للتصريح غاضبا :” إن الجولان ستظل “أرضا عربية سورية ملكا للشعب السوري وحده”.

نتنياهو ،كان واضحا في يوليو الماضي عندما صرح بأن الكيان الصهيوني لا مشكلة لديه مع نظام الأسد، مرجعا ذلك إلى أنه على مدى 40 عاما لم يتم إطلاق رصاصة واحدة على مرتفعات الجولان، ولذلك فيما يبدو ذهب إلى قائد الاحتلال فلاديمير بوتين – كما يراه المعارضون الوطنيون والثوار– للنقاش حول سيادة الكيان الصهيوني على الجولان المحتل!!.

 احتلال مكتمل الأركان !

في العام 2015 ، أصدرت 39 حركة من فصائل المعارضة السورية المسلحة بيانا حاسما ضد الوجود الروسي في سوريا ، وقالت :” العدوان الروسي العسكري على سورية يعد احتلالاً صريحاً للبلاد، حتى لو ادعت بعض الأطراف أنه تم بطلب رسمي من نظام الأسد، ففاقد الشرعية لا يمنحها لغيره”، وكانت العمليات في بدايتها ، وفي العام 2016 ، توسع الرفض الدولي وتوثق .

ودخل على الخط الرافض رئيس الوزراء التركي وقتها داود أوغلو مؤكدا أن روسيا تحتل سوريا، وأن الأغلبية العظمى من ضرباتها في سوريا تستهدف المدنيين، ولكن الدب الروسي ثبت أقدامه في الأرض السورية بمساعدة بشار الأسد، وهو ما وثقه  الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بقوله :” روسيا  تحتل سوريا، وتسعى لإقامة دويلة الأسد”.

بالتحديد بدأت مظاهر الاحتلال الروسي بقوة في أكتوبر 2016 ، حينما صادق مجلس الدوما، الخاضع لسيطرة الكرملين، على اتفاقية مع سوريا تتيح للجيش الروسي البقاء لفترة غير محددة هناكـ والتي تضفي صبغة رسمية على وجود الجيش الروسي في قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية وتتيح الاتفاقية لروسيا استخدام القاعدة بدون مقابل، ولفترة غير محددة، إضافة للقاعدة البحرية في طرطوس.

الوجود العسكرى الروسي الدموي ، أخفى وراءه وضع روسيا ليدها على ثروات سوريا الباطنية ، حيث وصلت بحلول فبراير من العام الحالي إلى سحب ملف الفوسفات من طهران والاستحواذ على ملفي النفط والغاز كاملاً سواء في البيع والتنقيب والاستخراج بتوقيع وزير النفط في النظام السوري “علي غانم” اتفاقية مع نظيره الروسي “ألكسندر نوفاك” تنص على منح الشركات الروسية الحق في الإشراف على كافة أعمال الحفر والتنقيب والاستخراج والصيانة في حقول النفط والغاز بالإضافة للفوسفات.

 

نائب رئيس الوزراء الروسي “دميتري روغوزين” لخص القصة في تصريحات صريحة لا تحتمل التشكيك قائلا : إنهم “لن يدخلوا الاقتصاد السوري بصفة فاعل خير أو دولة مانحة، ولا ينوون التساهل فيما يخص مصالحهم وأرباحهم حتى وإن كان الأمر متعلقًاً بسوريا” مضيفاً “علينا أن نفكر كيف نجني الأموال لميزانيتنا، لمواطنينا، وللناس الذين ينتظرون أيضاً مقابلاً ما، لقاء العمل الكبير الذي قامت به روسيا الاتحادية على الأراضي السورية”.

الخلاف على الكعكة ظهر سريعا وكشف معه الاحتلال الإيراني لسوريا كذلك ، حيث أعلن وزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف“: ” إن حضور روسيا في عملية الإعمار في سوريا لا يعني عدم حضور إيران، وإنه بإمكان إيران وروسيا أن تُكمّل إحداهما الأخرى في عملية إعادة الإعمار بسوريا، ولا حاجة لأن تكونا متنافستين”.

 بديلة أمريكا !

وبحسب المراقبين ، ترى روسيا أن سوريا لها، وإنها لن تساوم في هذا المجال، ولن تتنازل لأي كان، وأن سيطرتها على سوريا هي “معركة مصير”، في سياق دورها العالمي وميلها للعودة إلى “الشرق الأوسط”، وهي هنا تتصرف كوريثة لأميركا حتى في علاقتها بالدولة الصهيونية.

 

في هذا الاطار ، تتعامل روسيا مع سوريا  بلسان المتحدث الرسمي والقائم بالأعمال، وظهر ذلك وبوضوح من خلال تحذير الخارجية الروسية، من “عواقب وخيمة” حال نفذت الولايات المتحدة غارات جديدة على سوريا، في مارس الماضي، مؤكدة أن “الحديث في مجلس الأمن شىء وأن يكون لدى كل من الجيش الروسى والأمريكى قنوات اتصال يصبح من الواضح من خلالها ما يجب أو لا يجب فعله، شىء آخر”.

كما حذرت روسيا من المساس بمصالحها في اللعبة الإيرانية الصهيونية ، حيث أكد نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوجدانوف، أن بلاده تعتبر تبادل الضربات بين إيران وإسرائيل في سوريا تهديدًا قد يخرج عن السيطرة.

ومع غياب الدور الأمريكي، تبقى روسيا القوة الوحيدة التي لديها اتصال مع إيران والكيان الصهيوني ، وباتت هي الوحيدة التي يمكنها لعب دور الوسيط في سوريا، وبحسب وكالة (بلومبيرغ) الأمريكية فإن كفة مصالح روسيا تميل إلى إيران أكثر منها إلى الكيان الصهيوني في ظل الواقع الميداني ، معتبرة أن القوات البرية الإيرانية هي التي أدت لنجاح مناورة (بوتين) في سوريا.

وأصدر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في نوفمبر 2017، بياناً حول شرعية الوجود العسكري الإيراني داخل سوريا، يحمل في طياته إشارات إلى تل أبيب مفادها أن الكرملين يولي اهتماماً لتعاونه مع إيران لا يقل عن اهتمامه بالتعاون مع دولة الاحتلال الصهيوني

وبحسب المراقبين ، سعت إيران لتوقيع اتفاقية تعاون مع بشار الأسد، يكون فيها توقيع ممثلين عن روسيا أيضاً، باعتباره صاحب القرار ضمنيا على الأرض، حيث تطالب إيران بموجب هذا المقترح حلفاءها بضمان مساعدتها في الدفاع عن منشآتها الواقعة على الأراضي السورية، من الهجمات الأميركية والصهيونية.

 

ولكن هناك معلومات روسية تتحدث عن محاولة روسيا حماية مصالحها في سوريا من الهجمات الصهيونية ، بإبعاد إيران عنها، وهو ما طرح جدلا واسعا عن تأثير ذلك على العلاقات بين طهران وموسكو، خاصة مع التقارب الصهيوني نحو بوتين وهو ما ظهر في اتصالات متكررة وطلبات زيارة من  رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى بوتين.

مستقبل محتل !

وبحسب مراقبين دوليين ، فإن  موسكو عازمة على  الاستمرار داخل سوريا لفترة طويلة، وهو ما ظهر في الدخول على خط مساعدة دمشق في عملية إعادة الإعمار بعد الحرب، ولكن لا تزال هناك شكوك فيما إذا كان الاقتصاد الروسي المتداعي سيتمكن من إمداد موسكو بالموارد اللازمة لإطلاق عملية إعادة الإعمار.

ورغم ذلك لا تزال روسيا بعيدة تماماً عن إبقاء العملية السياسية في سوريا تحت سيطرتها الكاملة. ومع أنها قد تبدو جيدة على الورق، فإن بعض المبادرات الروسية لا يجري دوماً تنفيذها بنجاح على أرض الواقع، خاصة أنه لا يبدو أي من إيران أو تركيا على استعداد للاضطلاع بدور ثانوي في عملية التفاوض، الأمر الذي اتضح خلال المحادثات رفيعة المستوى الأخيرة.

ولكن المستقبل للمحتل دوما يرتبط بمن سهل له احتلاله ، وهو ما أبرزته صحيفة ” نيويورك تايمز” في تقرير حديث تحدثت فيه عن المشكلة التي تواجه روسيا مستقبلا في سوريا، أنها ربطت جني ثروتها مع بشار الأسد، وهو الأمر الذي يترك لها مساحة محدودة للمناورة.