يبدو أن مشاعر الشوق للماضي، تراود أفيغدور ليبرمان الذي كان حارسا للملاهي في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق في شبابه (حسب بعض المصادر)، والمهاجر إلى إسرائيل عام 1978، حيث قرر أن يلعب “الروليت الروسية”، لكن في الساحة السياسية الإسرائيلية.

“الرصاصة” التي وضعها زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” في طاحونة “مسدسه” بمواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو، قد تنطلق فتصيب مستقبل ليبرمان السياسي في مقتل، أو تخطئها “المطرقة” لتنقلب الطاولة على مستقبل نتنياهو السياسي والشخصي.

وأدى تصلّب ليبرمان في مفاوضاته للانضمام للحكومة اليمينية التي يحاول نتنياهو تشكيلها، ورفضه “حلول وسط”، إلى التوجه لحلّ الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، الذي انتخب الشهر الماضي، وأسفر عن فوز “كتلة أحزاب اليمين”، بما فيها حزب ليبرلمان بـ65 مقعدا من أصل 120.

وصادق الكنيست، الثلاثاء، على مشروع قانون لحلّه، وذلك بالقراءة الأولى.

وفي حال المصادقة بشكل نهائي على المشروع، (يتوقع الأربعاء)، سيتم اللجوء إلى انتخابات مبكرة جديدة في إسرائيل.

 

من الليكود إلى المواجهة معه

بدأ ليبرمان حياته السياسية في حزب الليكود، بين عامي 1993 و1996، وتولى إدارة مكتب نتنياهو سنة واحدة، خلال فترة حكم نتنياهو الأولى بين عامي 1996 – 1999.

وترك ليبرمان الليكود عام 1999 لتأسيس حزب أطلق عليه اسم “إسرائيل بيتنا” مستقطبا أصوات الناخبين الإسرائيليين من أصول روسية، فحصل على أربعة مقاعد في أول انتخابات كنيست يخوضها في العام ذاته.

 

تصريحات نارية أحرجت إسرائيل

يعتبر ليبرمان أحد أبرز القادة السياسيين في إسرائيل إثارة للجدل في تصريحاته السياسية النارية، ففي عام 2002 دعا إلى إلقاء الأسرى الفلسطينيين في البحر الميت.

وفي عام 2010 ألقى ليبرمان خطابا من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة بصفته وزيرا لخارجية إسرائيل في حكومة نتنياهو، دعا فيه إلى “تبادل أراض مع سكانها”، قاصدا بذلك تسليم السلطة الفلسطينية مناطق فيها أغلبية فلسطينية ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية في منطقة المثلث شمال إسرائيل، مقابل ضم المستوطنات في الضفة إلى إسرائيل، بهدف التخلص من العرب في دولة إسرائيل.

ودفع هذا الخطاب نتنياهو إلى إصدار بيان قال فيه إن “مضمون خطاب وزير الخارجية في الأمم المتحدة لم يتم التنسيق في شأنه مع رئيس الوزراء”.

وبعدها عمل نتنياهو على تقليص دور ليبرمان كوزير للخارجية، وكلف مبعوثه الخاص حينئد يتسحاق مولخو بمهام دبلوماسية يفترض أن يقوم بها ليبرمان، لتجنب المزيد من الإحراج الدولي.

 

من التبني إلى الانقلاب

في عام 2016 انضم ليبرمان إلى حكومة نتنياهو وزيرا للدفاع بعد عام على إقامتها، وعمل على تبني سياسة نتنياهو وتنفيذها حتى أواخر عام 2018.

فبعد انطلاق مسيرات العودة في قطاع غزة، نهاية شهر مارس/ آذار 2018 حافظ ليبرمان على سياسة “ضبط النفس” التي كان ينتهجها نتنياهو لتجنب تصاعد الأمور وخوض حرب في غزة، خوفا من تأثير هذه الحرب على نتائج انتخابات مبكرة كان يمكن أن يعلن عنها في أية لحظة بسبب قضايا الفساد التي يواجهها نتنياهو، ودافع ليبرمان في عدة تصريحات عن هذه السياسة.

ومع تزايد فرص توجيه لائحة اتهام ضد نتنياهو، بينت استطلاعات رأي صعود نجم زعيم حزب “البيت اليهودي” السابق نفتالي بينت وتراجع الدعم لليبرمان.

بنيت الذي كان وزيرا للتعليم انتقد بشدة سياسة حكومة نتنياهو “المتساهلة” تجاه غزة، ووجّه دعوات إلى شنّ حرب قاسية للقضاء على المقاومة الفلسطينية فيها، محملا ليبرمان بصفته وزيرا للدفاع المسؤولية عن عدم قمع مسيرات العودة، ومتجنبا انتقاد نتنياهو طمعا في تولي منصب وزير الدفاع مكان ليبرمان.

اضطر ليبرمان لمواجهة تراجع دعم الناخبين له إلى منافسه بينيت في الدعوة لشن حرب ضد قطاع غزة، منقلبا على سياسة نتنياهو بتجنب المواجهة.

واتهم ليبرمان نتنياهو بتكبيل يديه والجيش، ومنعه من اتخاذ قرار بشن عملية عسكرية في القطاع، وصولا إلى الاستقالة من منصبه وزيرا للدفاع في 14 من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، بسبب عقد نتنياهو اتفاقا للتهدئة مع حركة حماس إثر تصعيد أطلقت فيه الفصائل الفلسطينية في غزة أكثر من 300 صاروخ على إسرائيل في يومين فقط، واعتبر ليبرمان التهدئة استسلاما من قبل نتنياهو للحركة الفلسطينية.

وأدى قرار ليبرمان، آنذاك، إلى حلّ الكنيست وإعلان تبكير الانتخابات في إسرائيل بعد نحو أربعين يوما من انسحابه من الحكومة الإسرائيلية.

وفي الانتخابات الأخيرة في شهر أبريل/ نيسان الماضي حصل حزبه اليميني على خمسة مقاعد.

ورغم أن ليبرمان حافظ على خطابه الانتقادي لسياسة نتنياهو بتجنب المواجهة العسكرية في قطاع غزة خلال فترة الحملة الانتخابية، إلا أنه أوصى بتكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة، لكنه أصر على الالتزام بخطه العلماني برفضه شروط الأحزاب الدينية الحريدية (الأصولية) “يهدوت هتوراه” و”شاس” التي حصلت على 15 مقعدا في الانتخابات.

ويقول ليبرمان إن هذين الحزبين يسعيان إلى تحويل إسرائيل إلى “دولة الشريعة التوراتية” بدلا من دولة يهودية.

 

شروطه “العلمانية”

وتشمل مواقف ليبرمان إصراره على إقرار قانون التجنيد الذي صاغه خلال توليه وزارة الدفاع العام الماضي، وترفضه “يهدوت هتوراه” و”شاس” لأنه يفرض الخدمة العسكرية الإلزامية على أعضائها من طلبة المدارس الدينية.

كما يرفض ليبرمان محاولات هذه الأحزاب فرض حرمة يوم السبت على الإسرائيليين، بحسب الشريعة اليهودية، بمنعهم من ممارسة العمل فيه.

 

حل وسط رفضه ليبرلمان

وفي محاولة من نتنياهو لتقريب وجهات النظر بين الأحزاب الحريدية وبين ليبرمان، دعا رئيس الوزراء المكلف قادة الأحزاب الإسرائيلية الأحد إلى بحث صيغة جديدة لقانون التجنيد، سارع حزبا “يهدوت هتوراه” و”شاس” إلى قبولها.

لكن ليبرمان رفض الاجتماع بنتنياهو، وأصر على شروطه.

 

مختص: ليبرمان لن يتراجع

يرى المختص في الشأن الإسرائيلي، أنس أبو عرقوب أن كلا من نتنياهو وليبرمان يعرفان نقاط قوة وضعف بعضهما البعض بشكل جيد.

ويضيف لوكالة الأناضول: “نتنياهو هو الذي جاء بليبرمان إلى الحياة السياسية، والاعتبارات التي دفعت ليبرمان إلى خوض هذه المغامرة السياسية نابعة من قناعته أن لديه سجلا سياسيا ناجحا عبر توليه عدة مناصب وزارية”.

ويعتقد أبو عرقوب أن ليبرمان، لن يتراجع عن مواقفه، وخاصة فيما يتعلق بقانون التجنيد، لأنه قد يخسر أصوات جزء كبير من مؤيديه، علما أنه في الانتخابات الأخيرة كان قريبا من عدم تجاوز نسبة الحسم، لذلك “سيمضي في خيار الصدام مع نتنياهو ولن يتراجع رغم المخاطرة الكبيرة”.

وفيما يخص مستقبل نتنياهو السياسي، قال أبو عرقوب إن “خياراته صعبة أيضا”.

وأضاف:” هو يراهن على الفوز، وزيادة عدد مقاعد حزبه (الليكود) على حساب الأحزاب اليمينية الصغيرة، بما فيها حزب ليبرمان”.

وتابع: “تقديرات نتنياهو قد تكون مرتبطة باستطلاع نشرته صحيفة معاريف، الأحد وبيّن أن بإمكان اليمين ان يحصل 68 مقعدا (بدل 65 حاليا من أصل 120 مقعدا)، لكن في حالة تكرار فشل استطلاعات الرأي في تقديم تقديرات دقيقة فإن خسارة الليكود في الانتخابات قد تجعل نتنياهو يواجه انقلابا من منافسيه داخل الحزب مثل جدعون ساعر أو يسرائيل كاتس”.

وأوضح أبو عرقوب، أن غياب نتنياهو، سينعكس سلبا على حزب الليكود لعدم امتلاك منافسيه الشخصية القيادية التي يتمتع هو بها، كما الصراع على خلافته سيضعف بلا شك حزب الليكود والانشقاقات قد تكون واردة.

وأضاف: “هذا سيشكل فرصة للمعارضة للتفوق على اليمين، ولإنهاء المسيرة السياسية لنتنياهو، خاصة أن باب محاكمته قد يصبح مفتوحا في ظل عدم إقرار التعديلات على قانون الحصانة التي تمنع محاكمته”