العدسة_ منذر العلي

في أعقاب حرب أكتوبر 1973، وقف الملك السعودي الراحل فيصل بن عبدالعزيز يخطب منتشيًا بنصر العرب والمسلمين على “الصهاينة” الذين وصفهم بالأعداء.

لكن الرجل، الذي عُرف بمواقفه العدائية ضد الاحتلال الإسرائيلي وأمريكا وخطابه الشهير المؤثر في أعقاب حريق المسجد الأقصى عام 1967، لم يكن يدري أن نجله الشاب العشريني حينها سيجلس ويلتقط الصور الودية في يوم من الأيام بجوار أعداء أبيه.

الأمير ” فيصل بن عبد العزيز “

 

الأمير ” تركي الفيصل ” مع مسئول الإستخبارات الإسرائيلي

“تركي الفيصل” لعب على مدار سنوات دور عرّاب التطبيع السعودي مع الاحتلال، وكان الواجهة التي لجأت إليها الرياض، وعهدت إليه بهذا الملف الحساس والقضية الشائكة.

فكان “قائد التطبيع”، الذي يراد له أن يبتعد عن الرسمية حتى لا يسيء لآل سعود فاختير “تركي” بعناية كشخصٍ بعيد عن منظومة الحكم في السعودية منذ سنوات، لكنه يتمتع بعلاقات واسعة مع الغرب كما أنّه في آخر المطاف “أمير” ذو حظوة وأحد أعضاء الأسرة المالكة.

لماذا تركي الفيصل؟

وتبدو حيثيات اختيار الأمير المولود في العام 1945 لهذا الدور متعددة، فقد أمضى 24 عامًا متواصلة رئيسًا للاستخبارات السعودية منذ أن عينه عمه الملك الراحل خالد بن عبدالعزيز عام 1977، وحتى عام 2001.

خلال هذه الفترة الطويلة في مثل هذا المنصب الرفيع، استطاع “تركي” أن يكوّن شبكة متعاظمة من العلاقات مع أمريكا والدول الغربية، ساعده في ذلك دراسته الجامعية بالولايات المتحدة.

كما كان له دور مشهود في تمويل وتسليح وتنظيم المجاهدين الأفغان وغيرهم من العرب ضد الاحتلال الروسي.

ووطد الأمير شبكة علاقات أكثر وأكثر على مدار الأيام بتعيينه سفيرًا للمملكة في بريطانيا وأيرلندا حتى عام 2005، ثم في أمريكا حتى عام 2007 واعتزل بعدها المشاركة في منظومة الحكم، وتفرغ لدور أكاديمي معلن يخفي في طياته الدور الأكبر في التطبيع.

ومن المنطقي أن تستثمر السعودية رجلًا بهذه المقومات، فضلًا عن ثقافته الغربية واطلاعه الواسع، حتى وإن خرج من الخدمة رسميًا.

هذا الدور تعزز مؤخرًا، ويبدو أنه في طريقه للتعاظم وسط مؤشرات وشواهد تقود إلى عزم عقدته السعودية الجديدة بقائدها المنتظر محمد بن سلمان، على التطبيع مع إسرائيل، واقتحام أكثر الملفات المحرمة في السياسة والثقافة السعودية منذ نشأة الدولة.

ولم يكن اللقاء الذي عقده الفيصل بمعهد الأمن القومي في مدينة نيويورك الأمريكية، جنبًا إلى جنب مع مسؤول الاستخبارات الإسرائيلي السابق، “إفريم هيلفي” قبل أيام، إلا أحد تجليات هذا العزم السعودي.

الأمير ” تركي الفيصل ” في نيويورك

وهكذا اختار ابنُ سلمان ابنَ عمه، الذي يقترب عمره من عمر والده، ليكون ذراعه في مهمة ليست باليسيرة، فضلًا عن إسهامه المباشر في تنفيذها بزيارة الأمير الشاب إلى الأراضي المحتلة سبتمبر الماضي سرًا ولقائه مسؤولين إسرائيليين، وهي الزيارة التي كشفها مسؤول إسرائيلي، لوكالة الصحافة الفرنسية.

ويقع على “الفيصل” في هذه المهمة تقريب وجهات النظر ولعب دور حلقة الوصل بين عائلته المالكة وقادة الاحتلال، ربما بشكل مباشر معهم أو عن طريق وسطاء إسرائيليين يلعبون الدور ذاته.

ثمرة الجهود التي بذلها تركي في هذا الصدد، ربما تتضح بشدة في تصريح نادر على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال فيه إنه “لمس شعورًا جيدًا جدًا حيال إسرائيل” خلال زيارته للسعودية، واصفًا ذلك بأنه “أمر إيجابي للغاية”.

وصول ” ترامب ” لإسرائيل قادمًا من السعودية

فضلًا عن الدلالة المفعمة بالرمزية في انطلاقه إلى الأراضي المحتلة من العاصمة السعودية الرياض مايو الماضي، في أول رحلة جوية مباشرة بينهما، حقق بها ترامب سابقة لم تحدث من قبل.

محطات التطبيع

كثيرة هي المحطات التي انتقل بها “تركي الفيصل” خطوة بخطوة على قطار التطبيع، بين الكتابات واللقاءات والصور الودية.

ففي مايو 2014، شهدت مناظرة علنية بمدينة بروكسل البلجيكية لقاءً جمع الأمير برئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية سابقًا “عاموس يدلين”.

“الفيصل” و “يدلين” في مناظرة علنية

وفي يوليو 2014، كتب “الفيصل” مقالاً في صحيفة “هآرتس” العبرية روّج فيه لضرورة التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، تحت لافتة مبادرة السلام العربية مجددًا طرحها على مسؤولي الاحتلال.

مقال الأمير “تركي الفيصل” في صحيفة هآرتس العبرية

وفي نوفمبر من العام التالي 2015، جدَّد الأمير السعودي عرض مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية على إسرائيل، مقابل التطبيع الكامل وذلك خلال مقابلة أجراها مع الصحيفة ذاتها.

أما في فبراير 2016، فقد شهدت جلسة خاصة حول الشرق الأوسط مصافحة الأمير تركي لوزير دفاع الاحتلال حينها “موشيه يعلون”، بعد انتهائه من خطاب تطرق فيه إلى العلاقات بين بلده وإسرائيل.

الأمير “تركي الفيصل” يصافح “موشيه يعالون”

وفي يونيو من العام نفسه، أجرى الأمير السعودي مناظرة مع الجنرال الإسرائيلي “يعقوب أميدرور” مستشار الأمن القومي السابق لحكومة بنيامين نتنياهو، نظّمها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

وأكد الفيصل خلال المناظرة أن إسرائيل لديها سلام مع العالم العربي، وقال: “أعتقد أن بإمكاننا مجابهة أي تحدٍ، ومبادرة السلام العربية المقدمة من السعودية عام 2002 من وجهة نظري تقدم أفضل معادلة لتأسيس السلام بين إسرائيل والعالم العربي”.

“الفيصل” بجوار “أميدرور” خلال المناظرة

وكانت الصورة الأكثر جدلًا، تلك التي نشرتها في يناير 2017 وزيرة خارجية إسرائيل السابقة “تسيبي ليفني”، عبر حسابها الرسمي على موقع “تويتر”، وتجمعها مع “الفيصل” خلال تواجدهما في المنتدي الاقتصادي العالمي المنعقد في مدينة دافوس بسويسرا.

وعكست الصورة التي تبادلت فيها ليفني الابتسامات مع الأمير ملامح التطبيع المعلن غير الرسمي بين الطرفين، وسيطرت حالة من الودّ والانسجام بينهما.

“تسيبي ليفني” بصحبة الأمير السعودي

وقالت “ليفني” في تعليقها على الصورة: “في دافوس مع الأمير السعودي تركي الفيصل بعد مناقشة عملية السلام وقضايا المنطقة مع وزير الخارجية الأردني، ورئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني”.

“تركي” يكذب!

وقبل أيام كذّب مسؤول إسرائيلي، شارك في اتصالات بين السعودية وإسرائيل خلال الفترة الماضية، تصريحات الأمير تركي الفيصل، التي تنكر وجود علاقات دافئة بين البلدين أو زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لإسرائيل.

وأكد في تصريحات لموقع “forward” المعني بشؤون يهود أمريكا، أن الفيصل مثل غيره من المسؤولين السعوديين البارزين، مجبرون على إنكار تلك الاتصالات على وجه التحديد نظرًا لسريتها.

من جانبه قال الفيصل خلال مقابلة حصرية للموقع إنَّ “الآمال بتخلي المملكة العربية السعودية ودول الخليج عن المطالب بإقامة دولة فلسطينية، أو بإقامة علاقات منفتحة مع إسرائيل تعد بمثابة خيالات كاذبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي