كان الأمر بإحراق منزل فلسطيني السبب وراء قرار المسعف العسكري الإسرائيلي يوفال غرين إنهاء الخدمة الاحتياطية في الجيش الإسرائيلي.

في تصريحات خاصة لصحيفة الغارديان حول حيثيات قراره، يقول غرين إنه كان قد أمضى 50 يومًا في مدينة خان يونس جنوب غزة في وقت سابق من هذا العام مع وحدة المظلات، كانوا ينامون في منزل بسيط وسط الأنقاض، وكان بالفعل قد بدأت تراوضه شكوك حول غرض تواجد الوحدة خاصة بعد رفض إسرائيل الموافقة على مطالب حماس بإنهاء الحرب، إلى جانب تحرير الرهائن.

وتابع “رأيت جنودًا يقومون بكتابة عبارات عنصرية على الجدران أو يسرقون طوال الوقت… كانوا يدخلون المنزل لأسباب عسكرية، بحثًا عن أسلحة، لكن ما يحدث كان مختلفًا، كانت متعتهم في سرقة الهدايا التذكارية التي تخص أصحاب المنازل، خصوصًا القلادات الذهبية المنقوش عليها باللغة العربية.. سرقتها كانت هواية بالنسبة لهم”.

واصل حديثه قائلًا “ثم في وقت مبكر من هذا العام، كنا داخل أحد المنازل، وأمرنا القائد بإحراقه… حاولت التحدث مع رئيسي حول هذا الأمر وسبب إحراق المنزل، لكن إجاباته لم تكن مقنعة… هنا قلت لنفسي إذا كنا نفعل هذه الأشياء بلا سبب مقنع فلن أشارك… وغادرت في اليوم التالي”.

يوفال غرين هو أحد ثلاثة جنود احتياطيين إسرائيليين قالوا لصحيفة الغارديان إنهم لن يعودوا إذا تم استدعاؤهم للخدمة العسكرية في غزة، وقد خضع الثلاثة سابقًا للخدمة العسكرية الإلزامية في جيش الدفاع الإسرائيلي، الذي يشكل العمود الفقري للمجتمع، وعادوا للخدمة مرة أخرى بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.

السلوك المدمر الذي رآه غرين من جنود آخرين لم يؤد إلا إلى تأجيج الشكوك التي كانت لديه في غزة، والصدمة مما وصفه بدائرة العنف، لكن الهجمات الوحشية والتعامل العنيف من قبل الغالبية العظمى لجنود الجيش الإسرائيلي جعلته يغير رأيه ويرفض الاستمرار في الخدمة.

الحرب التي يخوضها الجيش الإسرائيلي الآن تعتبر أطول حرب تخوضها إسرائيل منذ عام 1948، وهي الحرب التي أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من 39 ألف مدني في غزة، ويعتقد أن الآلاف الآخرين دفنوا تحت الأنقاض، مع إصابة ما لا يقل عن 90 ألف شخص ونزوح الغالبية العظمى من سكانها البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.

الجنود الثالثة سردوا أسبابًا مختلفة دفعتهم لاتخاذ قرارهم، بعدم الخدمة في غزة مرة أخرى، بدءاً من الطريقة التي يدير بها الجيش الإسرائيلي الحرب إلى إحجام الحكومة عن الموافقة على صفقة الرهائن، التي ستضع حدًا لهذه الحرب بلا شك.

إن الجنود الاحتياطيين الثلاثة الذين يتحدثون علناً عن عدم رغبتهم في العودة إلى الخدمة يمثلون أقلية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الرفض العسكري في إسرائيل يعتبر عادة غير قانوني، لكن من الجدير بالإشارة إليه، فإنه في الشهر الماضي، وقع 41 جندياً احتياطياً على رسالة مفتوحة أعلنوا فيها أنهم لن يستمروا في الخدمة إذا هاجم الجيش مدينة رفح جنوب غزة.

وجاء في هذه نص هذه الرسالة “لقد أثبت لنا نصف العام الذي شاركنا فيه في المجهود الحربي أن العمل العسكري وحده لن يعيد الرهائن إلى ديارهم… كل يوم يمر يعرض حياة الرهائن والجنود الذين ما زالوا في غزة للخطر، ولا يعيد الأمن لأولئك الذين يعيشون على حدود غزة والشمال”.

وفي تصريح للجندي تال فاردي، وهو مدرس تربية بدنية ومدرب مشغلي الدبابات الاحتياطية في شمال إسرائيل خلال فترة عودته الأخيرة إلى الجيش “أي شخص عاقل يستطيع أن يرى أن الوجود العسكري لا يساعد في إعادة الرهائن… لذا إذا لم نعد الرهائن، فإن كل ما ستفعله هذه الحرب هو التسبب في المزيد من الموت من جانبنا أو من الجانب الفلسطيني … لا أستطيع تبرير هذه العملية العسكرية بعد الآن… أنا غير راغب في أن أكون جزءًا من جيش يقوم بهذا”.

“بعض هذه العمليات عرضت الرهائن للخطر، كما قتل الجيش بعضهم عن طريق الخطأ”، هذا ما قاله، مشيرًا إلى حادثة وقعت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما أطلقت القوات الإسرائيلية النار على ثلاثة رهائن في غزة وقتلتهم عندما اقتربوا منها وهم يلوحون بالأعلام البيضاء، فيما قال الجيش الإسرائيلي إنه حالة من الخطأ في تحديد الهوية.

“كان من المحتم أن يحدث ذلك”، هذا ما قاله الجندي الاحتياطي مايكل عوفر زيف، الذي قال إن الحادث أثار فيه شعورًا قويًا بأنه بمجرد أن ينهي خدمته العسكرية على حدود غزة، فلن يعود، “لقد كان الحادث بالنسبة لي دليل على عدم الاهتمام بحياتنا، أنا لا أثق في النظام الذي يتصرف بهذه الطريقة”.

عاد زيف إلى الخدمة في الجيش الإسرائيلي بعد أيام من هجمات أكتوبر/تشرين الأول للعمل كضابط عمليات، وكان دوره قضاء ساعات طويلة في التحديق في شاشات تعرض بثاً مباشراً لطائرات بدون طيار من قسم صغير من الجيب، وهذا يعني أياماً في كل مرة يراقب الحياة اليومية للفلسطينيين، ويشاهد الكلاب الضالة أو السيارات تعبر الشوارع التي تم قصفها.

وقال: “فجأة، ترى مبنى ينهار، أو سيارة كنت تتبعها لمدة ساعة تختفي فجأة في سحابة من الدخان… يبدو الأمر غير واقعي… للأسف كان البعض سعداء برؤية هذا، لأنه يعني رؤيتنا ندمر غزة”.

عندما دخلت القوات البرية من وحدته الجيب، كان دوره هو تتبع تحركاتهم وأنشطتهم للحصول على الدعم، فضلاً عن طلب أهداف للغارات الجوية.

وقال: “كنا نحصل تقريبًا على موافقة لكل طلبات لإطلاق النار… عملية الموافقة مع القوات الجوية كانت بيروقراطية جدًا”

كما أعرب عن انزعاجه مما وصفه بعدم الوضوح لدى الجنود فيما يتعلق بقواعد الاشتباك، والتي قال إنها كانت أكثر وضوحًا أثناء خدمته العسكرية الإلزامية، وشعر أن القواعد خلال هذه الحرب كانت أكثر مرونة من أي شيء شهده سابقًا، في إشارة إلى عدم وجود أي حدود أو محاذير يجب ألا يتخطاها الجنود.

وقال: “بعد إطلاق النار على الرهائن الثلاثة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حاولت أن أتذكر ما إذا كنت قد رأيت شيء مشابه من قبل …كنت متأكدًا من وجود إحاطة للجنود، ولكن في غياب أي وثائق يمكن الاعتماد عليها، فمن غير الواضح ما فهمه الناس”.

وتحدث “زيف” عن واقعة مؤلمة تعرض لها، واستذكر بكائه في الحمام لفترة طويلة بعد أن فقدت وحدته أثر طفل فلسطيني مصاب عند نقطة تفتيش، وقال إن مثل هذه الأشياء جعلته يشكك في دوره في الحرب والغرض العام من القتال.

وقال إن قرار غزو رفح بدلاً من إبرام صفقة الرهائن أكد له أنه لن يعود إلى الجيش، موضحًا أنه عندما طُلب منه مؤخرًا العودة، أخبر قائده أنه لا يستطيع العودة “لقد جئت بعد السابع من أكتوبر لأنني شعرت أنهم ربما يرتقون إلى مستوى المناسبة ويستخدموننا بطريقة يمكن أن تكون مفيدة. لكنني لست على استعداد للمشاركة في هذا، لأنني لا أثق في الحكومة وما تحاول القيام به”.

وأضاف: “إذا حدث شيء ما في الشمال، فهناك فرصة للذهاب، ولكن من ناحية أخرى، أعرف كيف سيكون الوضع… أعرف ما فعلناه في غزة – ليس هناك سبب للاعتقاد بأننا سنتصرف بشكل مختلف في لبنان”.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا