على مدار سنوات طويلة، كانت أداة نظام بن زايد الأكثر تفضيلاً لمعاقبة وقمع المعارضة السياسية هي سحب جنسية كل شخص يتجرأ وينتقد الحكومة، وحسب تحقيق صحفي أُجري مؤخرًا، فإن عدد كبير من المتضررين من هذه السياسة التعسفية هم إما متهمون في محاكمة “الإمارات 84” أو أفراد أسرهم.

انتهت هذه المحاكمة، ثاني أكبر محاكمة سياسية جماعية في تاريخ الإمارات العربية المتحدة، الشهر الماضي بحكم بالسجن المؤبد ضذ 43 متهماً على الأقل بتهم الإرهاب الزائفة.

يعكس هذا الاتجاه المزعج المتمثل في سحب الجنسية جهداً متعمداً من جانب السلطات لإسكات الناشطين بالقوة وخلق “تأثير مخيف” داخل المجتمع المدني، وقد كشف تقرير صادر عن مجموعة مينا لحقوق الإنسان، نُشر الشهر الماضي، عن الطبيعة الواسعة والمقلقة لهذا الاتجاه.

بدأت كل هذه الأحداث في الثالث من مارس/آذار 2011، عندما وقع 133 من الأكاديميين والقضاة والمحامين والطلاب والمدافعين عن حقوق الإنسان الإماراتيين على عريضة موجهة إلى رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة والمجلس الأعلى للاتحاد، مطالبين فيها بإجراء إصلاحات ديمقراطية.

وكان العديد من الموقعين على العريضة أعضاء في جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، التي انخرطت في نقاش سياسي سلمي في دولة الإمارات لعقود عديدة.

وكانت أول حالة معروفة لسحب الجنسية قد حدثت بعد بضعة أشهر فقط من إرسال العريضة، وشملت “الإماراتيين السبعة”: أحمد السويدي، وحسن وحسين الجابري، وإبراهيم المرزوقي، ومحمد الصديق، وشاهين الحسني، وعلي الحمادي، مما جعلهم عديمي الجنسية داخل وطنهم.

وكان هذا الإجراء العقابي يهدف إلى ترهيب وانتهاك الإطار القانوني المحلي لدولة الإمارات بشكل مباشر، حيث لم يتلق أي منهم مرسومًا رسميًا ينص على سحب جنسيتهم، وعلاوة على ذلك، فإن هذا الإجراء ينتهك الالتزامات الدولية لدولة الإمارات، والتي تتطلب تطبيق إلغاء الجنسية بموجب مبدأ التناسب – وهو المبدأ الذي تم تجاهله بوضوح في هذه القضية.

مخاوف خطيرة

طوال عام 2012، شن جهاز أمن الدولة في الإمارات حملة وحشية من الاعتقالات استهدفت الأشخاص الذين وقعوا على العريضة، وكان العديد منهم أعضاء في جمعية الإصلاح، وحسب شهادات الشهود، أخضع جهاز أمن الدولة المعتقلين للاحتجاز الانفرادي لفترات طويلة وعرضهم لتعذيب وحشي.

بلغت الاعتقالات ذروتها في أوسع محاكمة جماعية سياسية في تاريخ الإمارات، والمعروفة باسم محاكمة “الإمارات 94″، وفي 2 يوليو/تموز 2013، انتهت المحاكمة بإدانة 69 متهمًا، بما في ذلك “الإماراتيين السبعة، الذين تلقوا أحكامًا بالسجن لفترات طويلة لتأسيسهم وتنظيمهم وإدارتهم لمنظمة تهدف إلى الإطاحة بالحكومة.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، اعتبرت مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بالاحتجاز التعسفي احتجازهم تعسفيًا ومحاكمتهم غير عادلة، ورغم أن أغلب هؤلاء الأشخاص قد أكملوا أحكامهم وكان ينبغي الإفراج عنهم، فإنهم ما زالوا محتجزين حتى يومنا هذا.

ابتداءً من 7 ديسمبر/كانون الأول 2023، أعيدت محاكمة أغلبية هؤلاء المعتقلين في ثاني أكبر محاكمة جماعية سياسية في البلاد، والتي شملت 84 متهمًا. وصدر حكم “الإمارات 84” في 10 يوليو/تموز 2024، حيث حُكم على ما لا يقل عن 43 متهمًا بالسجن المؤبد وحُكم على آخرين بالسجن لفترات طويلة.

تعرض العديد من أعضاء “الإمارات 94” لسحب الجنسية بعد إدانتهم، والجدير بالذكر أن المعتقل والناشط السياسي البارز عبد السلام المرزوقي تم سحب جنسيته في أواخر عام 2016 دون إخطار رسمي، وهو ما يمثل مرة أخرى انتهاكًا للالتزامات القانونية للسلطات بموجب القانون المحلي.

كما استخدمت السلطات هذه الممارسة ضد أفراد عائلة المعتقلين على خلفية القضية “الإمارات 94”.

في مارس/آذار 2016، تم استدعاء أبناء محمد الصديق الثلاثة إلى مكتب الهجرة في الشارقة مع وثائق هويتهم، وهناك أبلغهم ضابط بأن جنسيتهم قد ألغيت وعليهم السعي للحصول على جنسية أخرى لكنه رفض تقديم نسخة من مرسوم الإلغاء، ونتيجة لذلك، أصبح الأشقاء الثلاثة عديمي الجنسية دون وثائق رسمية.

قرار تعسفي وغير قانوني

وبالمثل، حُرم أبناء عبد السلام المرزوقي من جنسيتهم دون إشعار رسمي، وفي يوليو/تموز 2016، سافر خمسة من أطفاله الستة إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج الطبي.

أثناء وجودهم في الولايات المتحدة، تلقوا مكالمة من إدارة الجنسية والجوازات بوزارة الداخلية في أبو ظبي، تطلب منهم إحضار جميع وثائق هويتهم إلى مكتبها في الإمارات العربية المتحدة.

وأوضح أبناء المرزوقي أنهم لا يستطيعون القيام بذلك لأنهم في الخارج، ومنذ ذلك الحين، لم يتمكن أي منهم من تجديد أي من وثائق هويتهم.

في فبراير/شباط 2022، تلقت عائلة المرزوقي اتصالاً آخر من إدارة الجنسية والجوازات لإبلاغهم بسحب جنسية الأبناء لأنهم ورثوا وضع والدهم الذي سحبت جنسيته أيضًا، وأكد هذا فقدانهم للجنسية، لكنهم لم يتلقوا أي مرسوم رسمي، مما يجعل الإلغاء تعسفيًا وغير قانوني.

وهناك ظاهرة أخرى مقلقة في الإمارات العربية المتحدة تتمثل في رفض تجديد وثائق الهوية، فالغالبية العظمى من المتهمين في قضية “الإمارات 94” الذين يعيشون في المنفى، وكذلك معظم عائلاتهم، محرومون من تجديد جوازات سفرهم بمجرد انتهاء صلاحيتها.

وعند محاولتهم أداء مهام إدارية، لا يتم إبلاغهم صراحةً بوضعهم كمواطنين عديمي الجنسية، ولكن يُطلب منهم تقديم بطاقات هوية صالحة، وهو ما لا يمكنهم تقديمه بسبب عدم تمكنهم من تجديد أي وثيقة، وهذه الممارسة مثيرة للقلق بسبب افتقارها إلى الأساس القانوني واستخدامها على نطاق واسع لمعاقبة الناشطين وأقاربهم.

صعوبات وعراقيل في كل مكان

سواء تم حرمانهم رسميًا من جنسيتهم أو ببساطة لم يتمكنوا من تجديد بطاقات الهوية الخاصة بهم، يواجه الأشخاص المتضررون العديد من الصعوبات. تؤثر هذه الصعوبات على قدرتهم على التعامل مع الأمور الإدارية، والحصول على التأمين، ومتابعة القبول في الجامعات، والبحث عن وظائف والسفر.

من خلال فرض هذه التدابير القمعية، تنتهك السلطات الإماراتية فعليًا مجموعة واسعة من حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الجنسية، وحرية التنقل، والحصول على التعليم والحق في الصحة، من بين أمور أخرى.

يجب على المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والأفراد المعنيين الاستمرار في الضغط على حكومة الإمارات العربية المتحدة للوفاء بالتزاماتها القانونية واحترام حقوق مواطنيها.

من خلال تسليط الضوء على هذه المظالم، يمكننا العمل على ضمان عدم ترك أي شخص بدون جنسية أو حرمانه من حقه الإنساني الأساسي في ممارسة حريته في التعبير.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا