قبل عشر سنوات، وبعد أن استولى مؤخرًا على السلطة في انقلاب، أمر الجنرال عبد الفتاح السيسي الشرطة والقوات المسلحة بقمع المتظاهرين السلميين في وسط القاهرة بطريقة لم تشهد البلاد وحشية أكثر منها في التاريخ الحديث.

قررت الدولة فض اعتصامات المعارضين للنظام الجديد، قُتل خلال ذلك اليوم ما لا يقل عن 817 شخصًا فيما عُرف بمذبحة رابعة، وتشير إحصاءات أخرى أن العدد فاق الألف شخصًا – بينهم نساء وأطفال- ليتحول يوم 14 أغسطس/آب إلى ذكرى لأكثر أيام مصر كآبة ودموية.

لم يكن ذلك اليوم نهاية الأمل لمؤيدي حكومة الإخوان المسلمين المخلوعة، ولآخرين ما زالوا ملتزمين بمبدأ القيادة المدنية على الرغم من الاستبداد المتزايد للرئيس محمد مرسي، الذي أطاح به الجنرال السيسي، ولم تكن هذه مجرد ضربة أخرى لإجهاض ثورات الربيع العربي، التي قوبلت بثورات مضادة أخرى قاتلة، بل جاءت مذبحة فض رابعة لتكون بداية حقبة جديدة من القمع، حيث أثبت الجنرال السيسي أنه أكثر قسوة واستبدادًا من سلفه حسني مبارك، وكانت مذبحة رابعة خير مثال على ذلك.

إن تذكر الموتى يصبح أكثر أهمية عندما لا يكون هناك احتمال متوقع للمحاسبة على المذبحة. رغم أن هيومن رايتس ووتش تعتقد أن عمليات القتل الوحشية من المرجح أن تشكل جريمة ضد الإنسانية، إلا أنه لم يسبق لأي فرد من قوات الأمن أن مثل أمام المحكمة بسببها.

على مدار العقد الماضي منذ وصول السيسي للسلطة، سُجن عشرات الآلاف من المعارضين السياسيين، وتصاعدت عمليات الإعدام بشكل صاروخي، ولقي العشرات من المواطنين حتفهم في عمليات قتل خارج إطار القانون قالت عنها السلطات إنها عمليات أنه تبادل لإطلاق النار مع “إرهابيين” دون تقديم أي دليل على ذلك.

بالإضافة إلى ما سبق، السجون المصرية نفسها تحولت لمقاصل إعدام بسبب انتشار التعذيب والإهمال الطبي الذي أودى حتى بحياة الرئيس السابق محمد مرسي- الرئيس الوحيد المنتخب ديمقراطيا في تاريخ مصر- إذ سقط قتيلًا داخل المحكمة، بعد سنوات من تدهور صحته بسبب انعدام الرعاية الطبية.

تمر مصر الآن بأسوأ أزمة لحقوق الإنسان في تاريخها الحديث، وبالرغم من التحليلات التي تقول إن ما يحدث في مصر حاليًا هو “وضع مؤقت” وأن الديموقراطية ستنتصر لا محال، لكن السيسي لا يدخر وسعًا من أجل التأكيد على وحشيته واستبداده. لقد منع السيسي إصدار أي تقارير مستقلة ومحايدة عن الوضع، وهاجم المجتمع المدني بكل طوائفه، وعلى الرغم من تنازله عن الترشح للانتخابات في عام 2018، إلا أنه ضمن استبعاد جميع المنافسين ذوي المصداقية عن بعد من المنافسة؛ ونتوقع تكرار المأساة في انتخابات عام 2024.

لقد روج السيسي لنفسه في الداخل والخارج على أنه حصن ضد التطرف الإسلامي والإرهاب، وحامي أمن الوطن وسبب الرخاء فيه، ومع ذلك، فقد حولت السلطات المدارس إلى قواعد عسكرية مع تكثيف هجومها ضد المسلحين في شمال سيناء، أما الاقتصاد فهو في حالة يرثى لها.

لقد أمّن الرئيس سلطته من خلال التوسع الهائل في الاقتصاد العسكري وطرد الشركات الخاصة وإثراء أصدقائه، كما بدد عشرات المليارات من الدولارات على العاصمة الإدارية الجديدة التي بناها في منطقة نائية في الصحراء، وتراكمت عليه مستويات مذهلة من الديون.

وبطبيعة الحال، لعب وباء كورونا، والغزو الروسي لأوكرانيا، دورهما في تدهور الاقتصاد المصري، حتى وصل  أكثر من 60% من المصريين لخط الفقر أو تحته، بل عجز السيسي حتى عن الحفاظ على تواجد “الكهرباء” في المنازل دون أن تُقطع يوميًا لساعات بحجة “تخفيف الأحمال”.

في سياق متصل، حلفاء السيسي الخليجيون: الإمارات والسعودية، الذين ضخوا عشرات المليارات من الدولارات لتحقيق الاستقرار في حكمه يطالبون الآن بشيء في المقابل، وهو أمر يعجز عنه السيسي في الفترة الحالية.

المؤسف في الأمر أنه رغم السجل القاتم ضد حقوق الإنسان والحريات الذي يملكه السيسي، لا يزال الزعماء الأوروبيون ملتزمين بعلاقاتهم معه، حيث تعمل بريطانيا على تكثيف التجارة في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويبدو أنها مترددة بشكل ملحوظ ومخز في الضغط جدياً من أجل ضمان إطلاق سراح الناشط البريطاني المصري علاء عبد الفتاح، الذي لا يزال محتجزاً دون وصول قنصلية إليه، وبكل أسف أعطى ريشي سوناك للجنرال السيسي فرصة التقاط الصور التي أرادها بمصافحته في مؤتمر Cop27 العام الماضي في مصر، بينما كان علاء عبد الفتاح على وشك الموت بسبب إضرابه عن الطعام.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا