بعد إتمام المصالحة الخليجية التي قادتها الكويت برعاية أمريكية بين قطر ورباعي دول الحصار، أظهرت دولة الإمارات تناقضاً صارخاً وتبديلا في مواقفها السابقة، حيث بدأت الآلة الإعلامية الإماراتية بتخفيف لهجتها تجاه كلاً من قطر وتركيا، اللتان كانتا تعتبرها أبوظبي حتى وقت قريب عدواً لدوداً بوصفهما راعيتا الإرهاب في العالم.
شريك استراتيجي
وفي تصريح يبرز حجم التبدل في الموقف الإماراتي، قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش إن أبوظبي هي “الشريك التجاري الأول” لأنقرة في الشرق الأوسط.
وبحسب وكالة “بلومبيرغ”، أوضح قرقاش في مؤتمر صحفي، الخميس، أن “الإمارات هي الشريك التجاري رقم واحد لتركيا في الشرق الأوسط”، مضيفاً: “ليس لدينا أي عداء تجاه تركيا”.
وأكد أن مشكلة الإمارات الأساسية “هي نظرة تركيا إلى دورها الاستراتيجي، فهي تريد أن تلعب دوراً مهما في المنطقة وتوسيعه على حساب البلدان العربية”، كما تطرق إلى الأزمة الخليجية، قائلاً إن “صفحة الخلاف الخليجي قد طويت”.
وكان قرقاش قال خلال مؤتمر صحفي مرئي: إن “عودة التنقل بين الدول والتجارة وفق اتفاق العلا سيكون خلال أسبوع من التوقيع على الاتفاق”، مضيفاً: “لا يمكن أن تكون الأزمة دائمة”.
وتابع: “تجاوزنا الأهم، وهناك ارتياح إقليمي وعالمي لإنهاء الأزمة التي ينظر إليها على أنها خلاف البيت الواحد”.
من جانبها، رحبت تركيا في الساعات الأولى بقرار إعادة فتح الأجواء والحدود المغلقة بين قطر والسعودية، مؤكدة أن القرار “يمثل خطوة مهمة نحو حل الأزمة الخليجية المستمرة منذ يونيو 2017”.
وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان “نأمل أن يُحل هذا الخلاف بشكل شامل ودائم على أساس الاحترام المتبادل لسيادة الدول، وأن تُرفع العقوبات الأخرى عن الشعب القطري على الفور”.
وشهدت العلاقة بين تركيا والإمارات توتراً غير مسبوق خلال العام الماضي؛ حيث سبق أن أكد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أن أبوظبي أضرّت ببلاده في ليبيا وسوريا، مع تأكيده أن أنقرة ستحاسبها على ما فعلت في المكان والزمان المناسبين.
فتح الحدود
في سياق متصل، أعلنت الإمارات، إعادة فتح كافة المنافذ مع قطر اعتباراً من السبت؛ وذلك في إطار عودة العلاقات بين البلدين على إثر المصالحة الخليجية التي تمت خلال قمة العلا التي عقدت مؤخراً بالسعودية، وذلك بعدما ظلت الحدود الإماراتية مغلقة أمام الشعب القطري طيلة سنوات الحصار.
وقال خالد عبدالله بالهول، وكيل وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية، إن “دولة الإمارات ستبدأ بإنهاء كافة الإجراءات المتخذة تجاه دولة قطر بموجب البيان الصادر في 5 يونيو 2017، عقب توقيع بيان العُلا المتضمن اتفاق التضامن الدائم، والذي يعد إنجازاً خليجياً وعربياً يعزز من وحدة الصف الخليجي والعربي والإسلامي وتماسكه”.
وأضاف بالهول، أن دولة الإمارات “ستعمل على إعادة فتح كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية أمام الحركة القادمة والمغادرة، وإنه تم توجيه الجهات المعنية في الإمارات بهذه الإجراءات التي سيبدأ تفعيلها اعتباراً من 9 يناير الجاري”.
وأشار إلى أن الإمارات “ستعمل مع دولة قطر على إنهاء كافة المسائل العالقة الأخرى من خلال المحادثات الثنائية”.
وتأتي الموافقة الإماراتية على المصالحة الخليجية رغم عدم تحقق أياً من الشروط التي فرضتها أبوظبي علي الدوحة في بداية الحصار، حيث شددت قطر على أنها لن تغير من طبيعة علاقاتها مع تركيا وإيران بعد توقيع اتفاق المصالحة الخليجية خلال قمة مجلس التعاون التي احتضنتها السعودية، الثلاثاء الماضي.
وقال وزير الخارجية القطري، الشيخ “محمد بن عبدالرحمن آل ثاني”، في مقابلة مع صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، أن “العلاقات الثنائية مدفوعة بشكل أساسي بقرار سيادي للبلاد والمصلحة الوطنية”.
واستطرد: “لذلك ليس هناك أي تأثير على علاقتنا مع أي دولة أخرى”، وشدد “آل ثاني” على أنه لن تكون هناك تغييرات على قناة “الجزيرة”، في رد على مزاعم حول موافقة قطر على إغلاق القناة.
وقال وزير الخارجية القطري: “نأمل في غضون أسبوع من التوقيع، أن تُتخذ الخطوات اللازمة للعودة إلى الحالة الطبيعية”.
وأضاف أن كل الدول كانت “رابحة” في أعقاب اتفاق المصالحة هذا الأسبوع، لكنه أقر بأن الأمر قد يستغرق بعض الوقت لتحقيق مصالحة كاملة.
وأعرب “آل ثاني” عن أمله في أن تحظى الدول الأخرى المتورطة في نزاع الخليج بـ”الإرادة السياسية ذاتها التي يتمتع بها السعوديون، وسيجدون أن قطر لديها الإرادة السياسية للمشاركة”، واستطرد أنه “ستكون هناك خلافات، وبعض القضايا المعلقة، التي ستتم مناقشتها ثنائيا بين البلدين”، لافتا إلى أن “لكل دولة مجموعة مختلفة من الخلافات مع قطر”.
الخاسر الأكبر
في ذات السياق، قالت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، إن دولة الإمارات تعد الخاسر الأكبر في المصالحة الخليجية التي تم إعلانها بقمة العلا في السعودية.
ونقلت الصحيفة عن كوينتين دي بيمودان المحلل في معهد أبحاث الدراسات الأوروبية والأمريكية، اعتباره أن “الإمارات هي الخاسرة”.
وأشار دي بيمودان إلى أبوظبي استثمرت الكثير في وسائل الإعلام وجماعات الضغط ضد قطر.
وشككت الصحيفة الفرنسية بشدة بنوايا الإمارات بشأن الالتزام بالمصالحة الخليجية، وذلك رغم من تأكيد البيان الختامي لقمة العلا بالسعودية على عودة العلاقات الكاملة بين قطر ودول المقاطعة واحترام مبادئ حسن الجوار.
واعتبرت الصحيفة أن “انعدام الثقة ما يزال قائماً، خاصة وأن جذور التوتر لم يتم التطرق إليها، مشيرة إلي أن ما حصل هو تخفيف لحدة التوتر، أكثر من كونه مصالحة إقليمية واسعة النطاق.
ونقلت الصحيفة عن الباحثة السياسية باربرا سلافين، قولها: “أشك في أننا نشهد تكثيفاً مفاجئاً للتعاون بين الدول الخليجية التي فشلت حتى في جعل قدراتها العسكرية متوافقة منذ أربعين عاما، والتي لها مصالح وسياسات متباينة تجاه القوى الخارجية”.
واعتبرت الصحيفة أنه بالنسبة لمحمد بن سلمان، الذي يعد من الداعمين الكبار لدونالد ترامب، فإن بداية المصالحة هذه تريح الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن من أزمة بين حلفاء الولايات المتحدة، قبل خمسة عشر يوما من دخوله البيت الأبيض، وهو بذلك يقدم خدمة للرئيس الأمريكي المقبل، الذي ينوي تذكير ولي العهد السعودي بملف حقوق الإنسان.
كما رأت “لوفيغارو” أن الاختراق الدبلوماسي الذي تحقق في القمة الخليجية من المحتمل أن يكون النجاح الدبلوماسي الأخير لإدارة دونالد ترامب، وذلك بعد اتفاقيات التطبيع لكل من الإمارات والبحرين والمغرب مع إسرائيل.
من جانبها، قالت “كريستين سميث ديوان”، وهي باحثة بارزة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن: “الشيء الوحيد الأسوأ من هذا الاتفاق بالنسبة للإمارات هو العزلة التي كانت ستفرض عليها لو أنها رفضته، ناهيك عن إمكانية حدوث شقاق مع السعودية”.
وأضافت: “لا أتوقع أن هذا سيغير من المنافسة الأيديولوجية والاستراتيجية مع قطر”، مشيرة إلى أن دبي المركز المالي للإمارات ستنتفع من استعادة العلاقات التجارية.
اضف تعليقا