العدسة – معتز أشرف
إدانة جديدة لضمير العالم الغربي من قلب مركز “كارنيجي” للشرق الأوسط، الذي رأى أن الغرب كان كالمحتال مع الشعب السوري الذي ظن أنه سيقف إلى جانب حقوقه، مؤكدًا أن المبدأ الليبرالي العالمي هو من أبرز ضحايا الثورة السورية في الذكرى السابعة لاندلاعها، بحيث بقيت الأكاذيب وحدها سائدة.
عجز دولي!
مركز “كارنيجي” للشرق الأوسط، قال اليوم بمناسبة الذكرى السابعة للانتفاضة السورية: “كان أمرًا محزنًا أن يظنّ الشعب السوري بأن التاريخ يقف إلى جانبه، وهذا على أي حال كان ما سمعوه من المحتالين في الغرب الذين هدفت كلماتهم المشجّعة إلى جعل لامبالاتهم مقبولة أكثر لشعب يعيش تحت حدّ السكين”.
وكشف المركز في تحليل كتبه أحد مدريه البارزين مايكل يونج، عن كواليس اجتماع أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، في اجتماع مع الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق في 24 نيسان/أبريل 2007، حيث تمحور النقاش حول لبنان، وتحديدًا حول المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي كان من المُزمع إنشاؤها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وحيث إن أصابع الاتهام الأولى في تلك الجريمة أشارت إلى سوريا، أطلق الأسد بدوره تحذيرًا إلى بان كي مون، مفاده أن الاستقرار الطائفي في لبنان هشّ، مُلمِحًا ضمنًا إلى أن أي استهداف للنظام السوري سيُلقي بظلاله على لبنان أيضًا، وأضاف “الأسد” أن إنشاء المحكمة، خصوصًا تحت الفصل السابع، “سيُطلق العنان بسهولة لصراع قد يتفاقم ليشعل حربًا أهلية في لبنان، نافخًا في إوار انقسامات سنيّة- شيعية يمتدّ لهيبها من البحر الأبيض المتوسط إلى بحر قزوين”، واستنتج المركز من ذلك أن حديث “الأسد” تضمّن أيضًا رسالة غير مُعلَنة أبدى فيها استعداده لتجاوز كل الخطوط الحمراء للبقاء في سُدة الحكم، ومع حلول الذكرى السنوية السابعة للثورة السورية هذا الأسبوع، بتنا نعرف ما بإمكان “الأسد” فعله للبقاء في السلطة، وأيضًا مدى عجز المؤسسات الدولية عن الحيلولة دون ذلك.
منعطف بارز!
المركز أكد أن النزاع في سوريا شكل منعطفًا بارزًا في مسار النظام العالمي، وبالتالي لم تكن التهديدات التي نقلها “الأسد” إلى بان كي مون محض مبالغات، فبحكم موقع سوريا في قلب العالم العربي، غالبًا ما كانت الأحداث فيها قادرة على ممارسة تأثير إقليمي أوسع، ولاسيما أن “الأسد” الأب والابن أدرجا زعزعة استقرار الدول المجاورة في صُلب إستراتيجيتهما الرامية إلى الحفاظ على السلطة وبقاء النظام، ولقد تمكّنا، من خلال إضرام النيران في طول المنطقة وعرضها، ومن حمل الآخرين على المجيء إلى دمشق للتفاوض بشأن التسويات والحلول، هذا ما جرى في التسعينيات، عندما شجّعت سوريا حزب الله على شنّ هجمات ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، لتعزيز أوراقها التفاوضية مع إسرائيل؛ وأيضًا حين سمح النظام للمجموعة التي شكّلت فيما بعد تنظيم الدولة الإسلامية، بالسيطرة على مناطق داخل سوريا لدفع الدول الخارجية إلى مناقشة شؤون مكافحة الإرهاب مع المسؤولين السوريين.
ورصد المركز العديد من الجرائم منذ اندلاع الانتفاضة، وقال: “لإنقاذ نظامه بعد العام 2011، أعطى “الأسد” رجالَه الضوء الأخضر لارتكاب ممارسات وحشية من دون قيد أو رادع، فلم يتوانوا عن استخدام الأسلحة الكيميائية مرارًا وتكرارًا؛ وأغرقوا البلاد في لُجج كارثة إنسانية مهولة، إذ أُرغم 5.5 ملايين سوري على مغادرة البلاد، وأمسى 6.1 مليون سوري نازحين داخليًّا، من مجموع سكان البلاد البالغ 17-18 مليونًا؛ ناهيك عن تدمير أجزاء كبيرة من المدن والبلدات الكُبرى، وقصف المدنيين والمستشفيات والمدارس وإمدادات المياه، وارتكاب أعمال قتل جماعي أسفرت عن مصرع الآلاف في سُجون النظام، ومع ذلك، لم يؤدِّ أي من ذلك إلى اتخاذ إجراءات دولية منسّقة لوضع حدّ لأعمال العنف أو لمعاقبة المذنبين”.
ردود جبانة!
المركز وصف في تحليله رودود فعل الدول الديمقراطية الغربية، التي وصفها بأنها تُعتبر هي أسّ النظام الدولي القائم على القواعد، حيال عمليات الذبح هذه التي يقوم بها بشار الأسد بـ”الجبانة”، قائلا:” حين لا تكون متواطئة، بسبب الإغفال، تكون جبانة أيضًا لسماحها باستمرار الوضع على هذا المنوال، وبالفعل، يبدو أن المجتمع الدولي قد انقلب على الضحايا؛ فأوروبا على سبيل المثال، خاطرت بالتفكّك والانفصال في العام 2015، على خلفية إمكانية قبول اللاجئين السوريين في مجتمعاتها، كذلك أغلقت الولايات المتحدة أبوابها في وجه السوريين خلال العام الماضي، ولم تكن سوريا نقطة سوداء في النظام الدولي وحسب، بل أكّدت أيضًا المقولة بأن هذه الدول التي يُتوقّع أن تدافع عن المبدأ الليبرالي العالمي ليست سوى فقاعات فارغة”.
وتابع المركز القول: “في الوقت نفسه، لم يدفع أقوى داعمي “الأسد” أي ثمن على الإطلاق لمشاركتهم في القمع الوحشي للشعب السوري؛ فإيران تواصل توسيع نطاق نفوذها في المنطقة، في حين تتطلّع الدول الأوروبية إلى الاستفادة من الفرص الاقتصادية المربحة مع الجمهورية الإسلامية، أما الولايات المتحدة، فتبدو في الغالب غير متّسقة، بقيادة متعهد ترفيه تليفزيوني ترقى سياساته الشرق أوسطية إلى مصاف العناوين الجوفاء والمتناقضة، ويبدو أن أمثال “الأسد” و”بوتين” في هذا العالم قد أدركوا حقيقة الغرب، وهم يُظهرون الآن الازدراء لأسباب مفهومة، وفيما يوسّع هؤلاء هوامش ما يمكن أن يقوموا به في سوريا، يدركون تماماً أن ردود الفعل ستكون شبه معدومة”.
أزمة كبرى!
وأكد المركز أن مسألة سوريا أكبر بكثير من أزمتها، فهي بالفعل تضع حدًّا لفترة الانتقال المقتضبة في نهاية القرن العشرين، حين كان التدخل لأسباب إنسانية رائجًا، وكان من المفترض أن تكون مجزرة سربرنيتشا في البوسنة، من الأحداث التي يجب أن “تُذكر ولا تُعاد” في تاريخ العلاقات الدولية، لكن سوريا تعيش على ما يبدو سربرنيتشا جديدة كل شهر، فيما يتضاءل حجم حصار ساراييفو أمام هول ما يحصل في حلب والغوطة الشرقية، مشددا علي أن سوريا تُعتبر عاملاً رئيساً في تخلي الغرب عن قيمه، وحتى عن جزء من نفسه وكينونته!.
وتوقع المركز استمرار النظام السوري في زعزعة استقرار المنطقة الممتدة من البحر المتوسط حتى بحر قزوين، أو المناطق المحاذية له بالتزامن مع استمرار الحرب السورية لفترة أطول بعد، لكن يمكن اعتبار المبدأ الليبرالي العالمي من أبرز ضحاياها، وفق المركز.
اضف تعليقا