العدسة – معتز أشرف:

في تقرير يعدّه للمرة الأولى مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن محنة مسلمي كشمير دعا مجلس حقوق الإنسان إلى إجراء تحقيق دولي في الانتهاكات المتعددة في كشمير، وهو ما أبرزه الأمير زيد بن رعد الحسين المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في خطاب له مع بداية انطلاق الدورة الثامنة والثلاثين صباح الاثنين، فماذا قالت الأمم المتحدة بعد صمت سبعة عقود؟ هذا ما نرصده.

خطاب أخير

في خطابه الأخير في افتتاح الدورة الثامنة والثلاثين صباح الاثنين أشار الأمير زيد بن رعد الحسين إلى التقرير بأهمية، قائلًا: “ستنظر جلسة المجلس هذه في العديد من القضايا الأساسية، من بينها، تقرير مكتبي بشأن كشمير”، مؤكدًا أن ثمة حاجة ملحة إلى معالجة الانتهاكات والتجاوزات السابقة والمستمرة وتحقيق العدالة لكل سكان كشمير الذين عانوا على مدى سبعة عقود نزاعًا قضى على حياة العديد من الأشخاص أو دمَّرها.

وأضاف: لقد سعيت للمشاركة بشكل جوهري مع كل من الهند وباكستان على مدى العامين الماضيين بشأن الوضع في كشمير على جانبي خط السيطرة، أدى رفض كل من الهند وباكستان لتمكين الوصول غير المشروط إلى إجراء مراقبة عن بُعد، ولكن مع صدور تقريري أول الأسبوع الماضي، أشجع المجلس على النظر في إنشاء لجنة تحقيق من أجل إجراء تحقيق أشمل في حالة حقوق الإنسان في كشمير.

تفاصيل التقرير

التقرير المؤلَّف من 49 صفحة– وهو أول تقرير تصدره الأمم المتحدة بشأن حالة حقوق الإنسان في إقليم كشمير بشطريه الخاضعين لإدارة الهند وباكستان– شمل انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان على جانبي خط الفصل بين البلدين، مسلطًا الضوء على حالة الإفلات المزمن من العقاب فيما يتعلق بالانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن.

وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين: “لطالما لعبت الأبعاد السياسية للنزاع بين الهند وباكستان دورًا مهمًا، لكن هذا النزاع لم يتغيَّر مع مرور الزمن؛ فهو نزاع سلب حقوق الإنسان الأساسية لملايين الأشخاص، ولا يزال يتسبَّب حتى اليوم بمعاناة لا توصف”.

وأضاف: “لذلك، ينبغي أن يتضمن أي حل للوضع السياسي في كشمير التزامًا بالقضاء على دورات العنف وضمان المساءلة عن الانتهاكات والتجاوزات السابقة والحالية التي ارتكبها جميع الأطراف، وتأمين التعويض للضحايا”، مؤكدًا “لذلك أيضًا سأحثّ مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على التفكير في تشكيل لجنة تحقيق من أجل إجراء تحقيق دولي شامل ومستقل بشأن المزاعم المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان في كشمير”.

وكان مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي لم يُمنح إمكانية الوصول من دون شروط إلى جانبي خط الفصل بين الهند وباكستان، بالرغم من طلباته المتكررة إلى كل من البلدين على مدى العامين الماضيين، قد نفَّذ أعمال الرصد عن بُعد لإعداد التقرير، الذي يغطي إقليم كشمير بشطريه الخاضعين لإدارة الهند وباكستان. ويركِّز التقرير بشكل رئيسي على حالة حقوق الإنسان في ولاية جامو وكشمير الهندية منذ يوليو 2016، عندما اندلعت تظاهرات كبيرة وغير مسبوقة عقب قتل قوات الأمن الهندية زعيم إحدى الجماعات المسلحة، حتى أبريل 2018.

واستخدمت قوات الأمن الهندية القوة المفرطة التي أدَّت إلى أعمال قتل غير مشروعة ووقوع عدد كبير من الإصابات، بحسب التقرير، الذي يشير إلى أن المجتمع المدني يقدِّر مقتل ما يصل إلى 145 مدنيًا على يد قوات الأمن بين منتصف  يوليو 2016 ونهاية  مارس 2018، إلى جانب مقتل 20 مدنيًا آخرين من قبل جماعات مسلحة في الفترة ذاتها.

ومن أخطر الأسلحة التي استُخدمت ضد المحتجين في عام 2016، والتي لا تزال قوات الأمن تستخدمها، بنادق الخردق.

وبحسب الأرقام الرسمية، قُتل 17 شخصًا عن طريق بنادق الخردق بين يوليو 2016 وأغسطس 2017، فيما أُصيب 6,221 بالرصاص بين عام 2016 ومارس 2017. وتعتقد منظمات المجتمع المدني أن العديد منهم أصيبوا بالعمى بشكل جزئي أو كلي.

التقرير لفت الانتباه بوضوح إلى أن “الإفلات من العقاب بالنسبة إلى انتهاكات حقوق الإنسان وعدم الوصول إلى العدالة هما من التحديات الرئيسية في مجال حقوق الإنسان في ولاية جامو وكشمير”، مشيرًا إلى أن قانون الصلاحيات الخاصة للقوات المسلحة (في جامو وكشمير) لعام 1990 وقانون السلامة العامة لعام 1978 “أوجدا بُنًى تعرقل المسار الطبيعي للقانون وتعوق المساءلة وتعرض الحق في التعويض للضحايا عن انتهاكات حقوق الإنسان للخطر”.

ويحظِّر قانون الصلاحيات الخاصة للقوات المسلحة الملاحقة القضائية لأفراد قوات الأمن إلا إذا أعطت الحكومة الهندية إذنًا مسبقًا بذلك. ويشير التقرير إلى أن “الأمر يمنح قوات الأمن مناعة افتراضية ضد الملاحقة القضائية عن أي انتهاك من انتهاكات حقوق الإنسان”، لافتًا إلى أنه “على مدى حوالى 28 عامًا التي ساد فيها تطبيق القانون في جامو وكشمير، لم تنفذ الحكومة المركزية ملاحقة قضائية واحدة بحق أفراد من القوات المسلحة”.

وهناك أيضًا إفلات تام من العقاب تقريبًا فيما يتعلق بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي مع تحرك طفيف بشأن شكاوى الاستقصاء الموثوقة، بما في ذلك المزاعم بشأن بعض مواقع المقابر الجماعية في وادي كشمير ومنطقة جامو.

ولا يزال الإفلات المزمن من العقاب المتعلق بالعنف الجنسي بحسب التقرير الاممي مثيرًا للقلق بشكل رئيسي أيضًا في كشمير. ومن القضايا النموذجية في هذا المجال حادثة الاغتصاب الجماعي في قرية كونان– بوشبورا منذ 27 عامًا، عندما اغتصبت زمرة من الجنود 23 امرأة، بحسب من بقين على قيد الحياة، وأكد التقرير أنه “جرى منع محاولات تحقيق العدالة وصدّها على مدى السنوات بمستويات مختلفة”.

ومن بين توصياته، يدعو التقرير الهند وباكستان إلى احترام التزاماتهما بالقانون الدولي لحقوق الإنسان بالكامل في إقليم كشمير بشطريه الخاضعين لإدارة الهند وباكستان على التوالي، مؤكدًا أنه ينبغي على الهند إلغاء قانون الصلاحيات الخاصة للقوات المسلحة؛ وإجراء تحقيقات مستقلة وحيادية وموثوقة للتحقيق بشأن كل أعمال قتل المدنيين منذ يوليو 2016، وكل الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعات المسلحة؛ وتقديم التعويضات وإعادة التأهيل لجميع الأفراد المصابين وأسر الأشخاص الذين قُتلوا في سياق العمليات الأمنية.

وعلى نحو مماثل، ينبغي تعديل قانون السلامة العامة لضمان توافقه مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتوجيه التهم لجميع الأشخاص الذين يخضعون للاحتجاز الإداري أو إطلاق سراحهم فورًا.

ويحث التقرير باكستان على وضع حدٍّ لإساءة استخدام تشريع مكافحة الإرهاب لملاحقة الأشخاص الذين يساهمون في أنشطة سياسية ومدنية سلمية والأشخاص الذين يعبرون عن آراء معارضة.

وينبغي تعديل أقسام الدستور المؤقت لإقليم آزاد جامو وكشمير والتي تقيِّد الحق في حرية التعبير وحرية الرأي والحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات،  وينبغي إطلاق سراح أي ناشطين سياسيين وصحافيين وغيرهم من الأشخاص المدانين بسبب التعبير عن آرائهم سلميًا على الفور،  كما ينبغي تعديل دستور آزاد جامو وكشمير وجيلجيت– بالتستان للقضاء على تجريم المسلمين من الطائفة الأحمدية.

فظائع كبيرة

الفظائع الكبيرة التي واجهها مسلمو كشمير، رصدتها وزارة الخارجية الباكستانية  في تصريحات كثيرة، ومنها في العام 2015 حيث أكدت “دعم بلادها المتواصل لقضية المسلمين في الجزء الواقع تحت سيطرة الهند في إقليم كشمير وتأييده لإجرائهم استفتاء لتقرير المصير”.

وشدّد وزير الخارجية الباكستاني عزيز أحمد أحمد شودري خلال لقائه سفراء دول منظمة التعاون الإسلامي في هذا العام على تضامن بلاده حكومة وشعبًا في الخارج والداخل مع محنة المسلمين في كشمير، مضيفًا أن الاحتفال بـ”يوم التضامن مع كشمير” الذي يوافق الخامس من فبراير من كل عام يأتي تعبيرًا عن دعم باكستان المعنوي والدبلوماسي للكشميريين في النضال من أجل حقهم في تقرير المصير.

وأشاد شودري بالتضحيات الهائلة التي قدّمها المسلمون الكشميريون وما لاقوه من فظائع، فيما اتهم شودري الحكومة الهندية الحالية بتعمُّد تغيير التركيبة الديموجرافية لجامو وكشمير عن طريق تحويل الأغلبية المسلمة إلى أقلية من خلال تقسيم السكان على أسس عرقية ودينية وطائفية، فيما أكد أنه “لا بديل عن إجراء استفتاء تحت رعاية الأمم المتحدة في الجزء الهندي من كشمير لتقرير مصير سكانه”، مشيرًا إلى أن السلام في المنطقة سيظل بعيد المنال من دون حل النزاع الكشميري، وفقًا لقرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى استفتاء حر ونزيه لتقرير المصير.