كتبه: منذر العلي

“منهومان لا يشبعان.. طالب علم وطالب مال”.. حديث نبوي شريف، يبدو أن العرب قرروا تطبيق جزئه الاخير، وقاسوا عليه نهمًا ثالثًا وهو الشراهة الزائدة في تكديس صفقات السلاح بمئات المليارات من الدولارات.

وعلى الرغم من الأسباب الواضحة والمنطقية لدى بعض الدول العربية عند إبرام صفقات السلاح، يبقى الأمر غامضًا ومثيرًا للجدل عند دول أخرى.

ويظل القاسم المشترك بينها، لكن بشكل متفاوت، في معاناتها جميعًا من أزمات اقتصادية ضخمة أثقلت كاهلها لكنها لم تمنعها من عقد الصفقات المليارية.

المثالان الصارخان في هذا السياق ربما يقتصران على مصر ودول الخليج العربي، في السنوات الأربع الأخيرة على وجه التحديد، والتي دخلت فيما بينها صراعًا وسباقًا محمومًا لم ينتهِ.

صفقات الخليج

أقل من 10 أشهر مضت في العام الجاري 2017، كانت كفيلة بتسجيل 11 صفقة تسليح ضخمة لدول الخليج الست؛ (السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، البحرين، عُمان).

قبل أيام فقط أعلنت البحرين توقيع أكبر صفقة طائرات عسكرية مع أمريكا في تاريخها، لشراء 16 طائرة من طراز (إف 16) المطورة وعقود توريد قطع غيار ومستلزمات صيانة نفس الطراز، بقيمة 3.8 مليار دولار.

وفي الشهر نفسه أقرّت أمريكا صفقة مع الكويت تقدّر قيمتها الإجمالية بـ342.6 مليون دولار، كما أعلنت الهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري التقني، توصلها لاتفاق مع السعودية على صفقة منظومة صواريخ “إس-400″، وأنواع أخرى من الأسلحة.

كما وافقت الخارجية الأمريكية على صفقة محتملة لبيع نظام “ثاد” الدفاعي الصاروخي إلى السعودية، في صفقة تبلغ قيمتها 15 مليار دولار.

الأشهر السابقة خلال العام شهدت صفقات أخرى ضخمة، مثل صفقة طائرات أمريكية مقاتلة بقيمة 5 مليارات دولار، وإعلان روسيا إتمام صفقة توريد 146 دبابة من طراز “تي-90 إم إس” للكويت حتى نهاية هذا العام.

كما اشترت قطر 7 قطع بحرية من إيطاليا بقيمة 5 مليارات يورو، ووقّعت مع أمريكا اتفاقًا قيمته 12 مليار دولار لبيع طائرات مقاتلة من طراز “إف-15”.

الصفقة الأضخم، أبرمتها السعودية في مايو الماضي، عندما أعلن البيت الأبيض عن صفقة أسلحة مع السعودية بقيمة 110 مليارات دولار، تشمل معدات دفاعية وخدمات صيانة.

أبو ظبي وقعت كذلك عقود 31 صفقة عسكرية بلغت قيمتها نحو 3 مليارات دولارات، وتحدثت تقارير إخبارية أنّ تركيا بدأت في إرسال 172 مدرعة قتالية من طراز “بارس” إلى سلطنة عُمان.

وفي عام 2016، أبرمت دول الخليج صفقات تسليح ضخمة مع أمريكا وفرنسا وألمانيا وكندا وبريطانيا وبولندا وإيطاليا، بقيمة إجمالية وصلت إلى نحو 95 مليار دولار لدول الخليج مجتمعة، أغلبها توقيع مبدئي بالحروف الأولى وصفقات محتملة لم يتم تأكيدها.

تربّعت قطر على القمة بصفقات قيمتها 50 مليار دولار، ثم السعودية أكثر من 30 مليار دولار، فالكويت 8 مليارات، والإمارات 4.5 مليار، والبحرين 3 مليارات.

في 2015 لم يختلف الأمر كثيرًا، واحتلت السعودية المرتبة الأولى لاستيراد السلاح على وجه الأرض، بقيمة 9.3 مليار دولار، أما الإمارات، فوقعت عقودًا لشراء سلاح بقيمةٍ وصلت إلى 5 مليارات دولار، كما وقعت قطر مع فرنسا صفقة شراء 24 طائرة مقاتلة من طراز رافال بقيمة 6.3 مليار يورو، ووقعت الكويت صفقة لشراء منتجات دفاعية بقيمة 2.5 مليار يورو.

سباق التسلح كان سريعًا أيضًا في 2014، حيث وقعت قطر اتفاقات مبدئية لشراء أسلحة تصل قيمتها إلى 23 مليار دولار، من أمريكا وألمانيا، كما توصلت السعودية لاتفاقات صفقات ضخمة لشراء زوارق وصواريخ باتريوت وغيرها من أمريكا وكندا وألمانيا بقيمة وصلت إلى أكثر من 15 مليار دولار، أما الإمارات، فوقعت صفقات مع أمريكا بقيمة 3.5 مليار دولار.

مليارات مصر “الفقيرة”

دومًا يتعلل الرئيس عبدالفتاح السيسي بأن مصر فقيرة عندما يتحدث عن احتياجات الشعب ومتطلباته المعيشية، إلا أنها لا تكون كذلك عندما يتعلق الأمر بالسلاح.

ففي الفترة بين عامي 2014 و2016 أبرمت القاهرة العديد من الصفقات الضخمة كدّست مخازن السلاح، وأثارت جدلًا واسعًا حول جدواها، ووصلت قيمها التقديرية إلى نحو 20 مليار دولار.

ولعل أبرز ما تعاقدت القاهرة على شرائه من أسلحة تسلمت أجزاءً منها وتنتظر الباقي، كانت كالتالي:

من فرنسا: حاملتا طائرات مروحية من طراز “ميسترال” بقيمة 1.2 مليار يورو، 24 مقاتلة “رافال”، بقيمة 5.2 مليار يورو، فرقاطة صواريخ موجهة من طراز “فريم” وبلغت تكلفتها 800 مليون يورو، 4 كورفيتات صواريخ شبحية ثقيلة طراز “GOWIND 2500” بقيمة 500 مليون يورو، –4 مقاتلات “فالكون إكس ـ7” بتكلفة 300 مليون يورو، وقمر صناعي عسكري من طراز “هيليوس” للمراقبة بقيمة 600 مليون يورو.

أما الصفقات الروسية فكانت: 50 طائرة “ميج 29 إم 2” ومنظومة دفاع جوي “SA-23” و”SA-17″، و46 طائرة “ka-52″، بحو 5 مليارات دولار، وحدات دفاع جوي بمليار دولار، لنش الصواريخ الهجومى “بي 32 مولينيا”، قاذفات “آر بي جي 32″، طائرات “سوخوي 30” المقاتلة، ومروحية النقل المتطورة “ميل مي 17” والنظام الصاروخي “تور إم 2” المضاد للطائرات، والطائرة التدريبية “ياك 130”.

ومن أمريكا: تسلّمت مصر 12 طائرة “إف 16 بلوك 52″، و19 برجًا لدبابات “أبرامز ام1 ايه1″، 10 مروحيات هجومية طراز “أباتشي لونج بو بلوك 2″، الكورفيت الصاروخي الشبحي “Ambassador MK III” بقيمة 1.3 مليار دولار، التعاقد على طائرة إنذار مبكر “إي 2 سي هوك 2000” وتطوير أخرى.

ومن ألمانيا اشترت مصر 4 غواصات هجومية “Type 209″، بقيمة 2 مليار يورو، كما سعت للحصول على 5 غواصات صغيرة طراز “Drakon – 220” من كرواتيا وتبلغ تكلفة الواحدة 50 مليون دولار، وتعاقدت مع إسبانيا على شراء 24 طائرة نقل عسكرى “كاسا C-295”.

هل يحارب الخليج إيران؟

الوجهة الإيرانية لاستخدام الكم الهائل من السلاح الذي اشترته دول الخليج تبدو الأكثر منطقية، في ظل توتر قائم في الأوضاع بين الطرفين، فضلًا عن أزمة الاتفاق النووي التي تلوح أمريكا بتصعيدها.

وعلى الرغم من تداعيات هذه الحرب المحتملة المدمرة، إلا أنها تبقى خيارًا متاحًا لدى الطرفين، كما لا تخفي دول الخليج مخاوفها من التمدد الشيعي الإيراني داخلها وفي الدول المحيطة بها، خاصة العراق وسوريا ولبنان وأخيرًا اليمن.

الحرب المشتعلة في اليمن منذ مارس 2015 وتقود فيها السعودية تحالفًا عربيًا، استنزفت المملكة واستدعت عقد المزيد من الصفقات، إلى الحد الذي تبدو معه تلك الصفقات منطقية وذات مغزى.

وكانت مكافحة الإرهاب، حاضرة في صفقات التسليح الخليجية، حيث تشارك دول الخليج في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة “داعش”، وتشن مقاتلاتها غارات متواصلة على أهداف تتبع التنظيم في سوريا، كما يواجه بعضها تهديدات داخلية من قبل التنظيم.

أما الأزمة الخليجية فاستبعدت جميع أطرافها اللجوء إلى الخيار العسكري، رغم قتامة مستقبلها وعدم وضوح أي أفق سياسي للحل.

وربما تقتضي العلاقات الخليجية الأمريكية المتصاعدة بقوة والتحلف الذي يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإحيائه بنمط مختلف، يدفع دول الخليج إلى الهرولة نحو شركات السلاح الأمريكية، في سبيل نيل رضا العم سام وضمان دعمه في أية مواجهة محتملة، وبقاء الأنظمة على عرش السلطة ضد أية نزاعات أو تهديدات داخلية.

خامنئي

خامنئي

أغراض مصرية “مشبوهة”

على الجانب الآخر من البحر الأحمر، تأتي الصفقات المصرية في ظل وضع اقتصادي حرج، حيث ارتفع الدَّيْنان؛ الداخلي والخارجي لمستويات غير مسبوقة، ووصل التضخم لارتفاعات قياسية لم يشهدها منذ عقود، وساءت الحالة المعيشية للمواطنين بفعل قرارات اقتصادية صعبة للغاية، الأمر الذي أثار العديد من علامات الاستفهام حول الغرض الحقيقي من تلك الصفقات المليارية.

وللتدليل على عدم جدوى بعض الصفقات يقول كثيرون إن حاملتي الطائرات “الميسترال” مجرد استعراض للقوة بدون حاجة حقيقية له؛ وذلك لكونها مصممة للعمليات العسكرية في المناطق البعيدة عن سيادة الدولة المهاجمة، ولا تحتاجها مصر.

ويواجه السيسي اتهامات بالسعي من وراء تلك الصفقات إلى اكتساب مزيد من الشرعية الدولية بعلاقات متطورة مع البلدان المصدرة للسلاح، خاصة في أعقاب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013.

كما تلاحقه اتهامات بتضخم الثروة، وفق تقارير إعلامية، قالت إنه خلال السنوات الثلاث الماضية، بلغت ثروة السيسي أكثر من ملياري دولار من عمولات صفقات السلاح التي أبرمتها مصر خلال نفس المدة.

ثمة تقرير في غاية الخطورة أصدره مركز “كارنيجي” للسلام يناير الماضي بعنوان “فن الحرب في مصر”، يقول إن الإنفاق العسكري الهائل، الذي انشغلت به القاهرة منذ تولي السيسي الحكم، ونوعية المشتريات العسكرية “تهدف فقط إلى قمع انتفاضة متوقعة تشبه ما جرى في سوريا”.

وتابع التقرير: “نوعية السلاح التي حصلت عليها مصر في السنوات الأخيرة لا تبدو مناسبة للتحديات الأمنية الداخلية أو الخارجية التي تواجهها البلاد، ولا تتلاءم مع أهدافها الخارجية”.

ووفقًا لخبراءٍ عسكريين، بحسب التقرير، فإنّ صفقات السلاح التي عقدت مع روسيا وفرنسا والصين، هي لأسلحة “منتهية الصلاحية” في الحروب الدولية، ولا تصنع “فارقًا واسعًا” في العدّة والعتاد مع الاحتلال الإسرائيلي.

موقع “استراتيجي بيج” الأمريكي المتخصص في الشؤون العسكرية قال إن مصر “أنقذت” طائرات الرافال الفرنسية من البوار، واشترتها من فرنسا بعدما أنتجتها عام 2000، ولم توقع أي صفقة لبيعها، فقد رفضتها دول أمريكا اللاتينية لضعفها قوتها.

وأضاف التقرير: “وكان يتوقَّع من مصر تعزيز تدخلها العسكري، لكنها لم تبادر إلى القيام بذلك، فعلى سبيل المثال، لم تقدم مصر سوى دعم رمزي للسعودية في الحرب على المتمردين الحوثيين في اليمن، وكذلك نأى السيسي بنفسه عن النزاع في سوريا، رغم أنه عبّر عن دعمه للجيوش “الوطنية”، بما فيها جيش النظام السوري، فيما رفض أي مشاركة في عمليات حفظ السلام.