ربى الطاهر
أثارت قضية الشابة السوادنية نورا التي قتلت زوجها بعدما اغتصبها بمساعدة بعض أقاربه قلقًا عالميًا بعدما حكم عليها بالإعدام شنقًا.
وكان القضاء السودانى قد أصدر حكمًا بالإعدام شنقًا تجاه نورا حسين حماد البالغة من العمر 19 عامًا بتهمة قتل زوجها، وتعود الأحداث إلى طعن نورا لزوجها الذي قام باغتصابها بمساعدة بعض أقاربه، بعد أن أُجْبرت على الزواج منه، وهي في سن الـ 16 عامًا، وعندما لم تجد صدًى لإعلانها رفض الزواج منه فرت هاربة لمنزل خالتها في منطقة سنار، وأقامت معها لمدة ثلاث سنوات إلى أن جاء والدها وخدعها بوعده لها برفض هذه الزيجة وأقنعها بأنه أبطل زواجها لاستدراجها وضمان عودتها، وما إن اقتنعت ابنته بوعده وعادت معه حتى سلّمها والدها لعائلة زوجها، وأرغمت مرة أخرى على إجراء مراسم الزفاف وذهبت قهرًا إلى بيت الزوجية.
وقالت نورا من سجنها الذي تقبع فيه بأم درمان، والتي تناوبت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على بث شهادتها أنها بعد أن رفضت الخضوع له قام بإحضار شقيقه وأبناء عمومته في 2 مايو 2017 وهو اليوم السادس من الزواج واجتمعوا ثلاثتهم على الإمساك بها وتثبيتها إلى أن قام هو باغتصابها أمامهم.
ولم يكتفِ الزوج بما حدث، ولكنه حاول تكرار الاعتداء عليها في اليوم الثانى فطعنته بذلك السكين الذي كان يهددها به طوال الوقت ويضعه بالقرب من السرير، وما إن ذهبت لبيت أبيها لتحتمى به حتى سلّمها إلى الشرطة وأعلن تبرؤه منها.
وفي شهر يوليو 2017 واجهت نورا قضاءً لا يعترف بالاغتصاب في إطار الزواج وطبق عليها القانون الجنائي لعام 1991، ثم أدينت بتهمة القتل العمد أمام المحكمة الجنائية المركزية بأم درمان في 29 أبريل 2018 ، وأخيرا أصدرت المحكمة حمكًا بإعدام نورا في 10 مايو 2018 وهو حكم قابل للاستئناف.

تضامن عالمي

وذكرت منظمة “المساواة الآن” الحقوقية أن الحكم الصادر بحق نورا قاسٍ وغير مقبول، ولم ينظر لها على أنها الضحية، كما طالبت منظمة السلطات السودانية بـ”إلغاء الحكم وضمان محاكمة عادلة لنورا”.
وتضامن عدد من الجهات الحقوقية مع قضية نورا باعتبارها قضية دفاع عن النفس، وسلطوا الضوء على ما يحتويه القانون السوداني من قصور، حيث يسمح بزواج الأطفال فوق سن العاشرة، كما أنه لا ينص على تجريم أو معاقبة الزواج القسري أو الاغتصاب الزواجي، متخذين من حادثة نورا المنتظر تحديد مصيرها خلال أيام مثالًا.
واعتبرت منظمة العفو الدولية من خلال بيان أصدرته بهذا الصدد أنّ الحكم بإعدام شابة تبلغ من العمر 19 عامًا بتهمة قتل زوجها المُغتصِب دفاعًا عن النفس الذي أعلنته إحدى المحاكم السودانية يعكس مدى تقاعس السلطات عن مواجهة قضية زواج الأطفال، والزواج القسري والاغتصاب في إطار الزواج.
وأبدى سيف ماغنغو، نائب المدير الإقليمي لمنطقة شرق إفريقيا في القرن الإفريقي ومنطقة البحيرات العظمى، استياءه من ذلك الظلم الذي تتعرض له فتاة كان حُلْمها وهي صغيرة أن تصبح معلمة إلى أن تم إجبارها على الزواج من رجل لم يحترم آدميتها، وقام باغتصابها أمام أقاربه وبمساعدتهم ببهيمية، وانتهى بها الأمر إلى الحكم عليها بالإعدام لدى محكمة لم تقر بوجود اغتصاب داخل إطار الزواج، معتبرًا أن نورا هي الضحية، وهذا الحكم الذي صدر ضدها غير مقبول عقلًا.
وأضاف سيف أن هذا الحكم بالإعدام يعدّ عقوبة مهينة ولا إنسانية، وفي حال تطبيقها على ضحية تعرَّضت للعنف إنما يبرز مدى تخاذل السلطات السودانية ليس فقط عن التصدي لمثل هذه الجرائم التي تقع تحت تصنيف جرائم عنف، وإنما حتى في الاعتراف بهذا الظلم الذي تعرضت له نورا، وطالب السلطات السودانية بإسقاط هذه العقوبة الظالمة وإعادة تقديم نورا للمحاكمة، ولكن أمام محكمة تترفق بالظروف التي حدثت فيها الواقعة، وتأخذ بعين الاعتبار ذلك العنف الذي تعرضت له نورا فتخفّف عنها العقوبة.
وأبدى مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان قلقه الشديد بصدد ما تتعرض له الفتاة السودانية بشأن سلامتها، فضلًا عن سلامة محاميها والمتضامنين معها.
وصرَّحت رافينا شامداساني، المتحدثة باسم مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، في جنيف خلال تصريحات صحفية بمطالبها بحماية نورا جسديًا ونفسيًا أثناء الاحتجاز، كما حثّت السلطات السودانية على احترام حقوق الفتاة في تقديمها لمحاكمة عادلة والاستئناف على الحكم، مشيرة إلى أن قضية نورا سلطت الضوء على معاناة المرأة السودانية التي تحيا كل أنواع التمييز والعنف بما في ذلك العنف الجنسي.
مشددة على أن المحكمة التي مثلت أمامها نورا لم تضع في اعتبارها أن نورا تزوَّجت زواجًا قسريًا، وتعرضت للاغتصاب وأنواعًا أخرى من العنف الذي يمارس ضد المرأة، وهذه الاعتبارات من المفترض أن تخفف العقوبة إلا أن امتثالها امام محكمة عادلة لم يتحقق في حالتها.
وكانت بعض الجهات المعنية بحقوق المرأة التي تمثلت في هيئة الأمم المتحدة للمرأة، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومكتب المستشار الخاص لشئون إفريقيا، قد توجهوا بالمطالبة للحكومة السودانية باسم كل نساء وفتيات العالم بإنقاذ حياة نورا وناشدوا بحماية النساء والفتيات، كما نص عليها ميثاق الأمم المتحدة وأهداف التنمية المستدامة.

مواجهات داخلية

ولم تتوقف حدود قضية نورا عند بلدها السودان أو حتى عند حدود مراكز حقوق الإنسان، بل إن الأمر تخطى كل ذلك لتحصل نورا على الدعم الشعبي والحقوقي والإعلامي، كذلك من كل دول العالم، وهو الأمر الذي أثار القلق لدى السلطات السودانية، حتى إن جهاز الأمن والمخابرات الوطنية السودانية كانت قد منعت انعقاد مؤتمر صحفي تم الإعداد له من قبل هيئة الدفاع عن نورا، وفق ما تناقلته الأخبار التي بثها النشطاء المهتمون بالقضية.
كما تفاعل مع القضية كذلك سفراء الاتحاد الأوروبي الذىن أصدروا بيانًا، والذي اشترك فيه أيضًا السفيران النرويجي والسويسري أكدوا فيه على حرص السفارات على متابعة حالة نورا باهتمام وقلق بالغ.
كما قد أشاروا إلى نص مبدأ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الذي جاء فيه أنه “لا يجوز الدخول في الزواج إلا بموافقة حرة وكاملة من الزوجين المعنيين”.
هذا بالإضافة إلى ما أصدرته البعثة الأوروبية في السودان بخصوص نفس القضية التي اتسعت رقعة الاهتمام بها عالميًا إلى حد لم تكن السلطات السودانية تتخيله وأعربت فيه البعثة عن بالغ قلقها بصدد هذا الحكم المجحف بالإعدام الذي صدر ضد نورا وناشدت السلطات السودانية بإلغاء هذا الحكم جملة وتفصيلًا.
وجاء البيان الصادر عن رؤساء البعثات ليؤكد المعارضة الشديدة لتلك العقوبة بالإعدام وتوسعوا في طلبهم هذا إلى مطالبة جميع الدول بالانضمام إلى مطالبتهم بإلغاء تلك العقوبة التي رأوها قاسية ولا إنسانية وتنتهك حقوق وكرامة الإنسان، ليس فى حالة نورا فقط، وإنما الحكم في حد ذاته حيث نادوا بوقفه اختياريًا تمهيدًا للعمل على إلغائه نهائيًا.
وقامت رئيسة الشبكة الأوروبية للنساء المهاجرات سالومي مبوغوا بالدعوة إلى تطبيق العدالة في قضية نورا مشيرة في رسالة وجهتها للتضامن مع نورا تقول فيها إن نورا ابنة من أبناء القارة الإفريقية والذين هم بدورهم يطالبون بإسقاط هذا الظلم عنها والمتمثل في الحكم بالإعدام.
أما على المستوى المحلي فقد أصدر الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي إلى إصدار العفو عن نورا.