لازالت تصريحات شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب حول تعدد الزوجات تثير جدلا واسعا ، ما بين مؤيد ومعارض، وبات مجرد الاقتراب منها أزمة في كل مرة.

“العدسة” يسلط الضوء حول تصريحات الإمام الأكبر والجدل الذي أثير حولها من الزاوية الشرعية والاجتماعية، والتي قسمت العلماء والدعاة والمعنيين بين مؤيد ومعارض وانتقلت إلى المجتمعات العربية وفي القلب منها المجتمع المصري.

تصريحات بملحق توضيحات !

أطلق الدكتور الطيب تصريحاته قبل أيام خلال برنامج أسبوعي يقدمه على القناة الفضائية الرسمية ، ثم اضطر الأزهر الشريف للتوضيح.

وفي البداية أكد شيخ الأزهر  أن مسألة تعدد الزوجات فيها ظلم للمرأة وأنه ليس الأصل في الإسلام، بل هو مشروط ومقيد، قائلا خلال برنامجه الأسبوعي : “من يقولون إن الأصل في الزواج هو التعدد مخطئون، وعلى مسؤوليتي الكاملة، فإن الأصل في القرآن هو (قوله تعالى): فإن خِفتُم ألا تعدلوا فواحدة، وبالتالي علينا أن نقرأ الآية التي وردت فيها مسألة تعدد الزوجات بشكل كامل، فالبعض يقرأ: مثنى وثلاث ورباع، وهذا جزء من الآية وليس الآية كاملة، فهناك ما قبلها وما بعدها” مضيفا أن التعدد رخصة، والرخصة تحتاج إلى سبب، وإذا انتفى السبب بطلت الرخصة.

 

ولم يهدأ الجدل بعدها ليضطر الأزهر الشريف إلى اصدار بيان توضيح موضحا عبر صفحته الرسمية، أن حديث شيخ الأزهر انصب على “فوضى التعدد وتفسير الآية المتعلقة بالموضوع، وكيف أنها تقيد هذا التعدد بالعدل بين الزوجات”، كما رد على من يعتبرون أن “تعدد الزوجات هو الأصل” مضيفا أن بعض المنابر الإعلامية سارعت إلى اعتبار ما قاله الإمام الأكبر بمثابة دعوة إلى حظر تعدد الزوجات، ولم تنتبه هذه القراءة إلى أن الإمام الأكبر ناقش قضية متشعبة من عدة جوانب، ولم يصدر دعوة إلى الإلغاء بل أشار إلى ظروف التعدد.

 

وبحسب مراقبين فهذه ليست المرة الأولى التي يدلي فيها شيخ الأزهر بتصريح بشأن تعدد الزوجات منذ توليه منصبه عام 2010، إذ له بعض التصريحات عام 2016 تزامنت مع دعوة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي لتجديد الخطاب الديني، حيث  سبق له أن قال، خلال كلمته أمام مؤتمر الإفتاء العالمي، في أكتوبر 2016، إنه لا يدعو إلى تشريعات تلغي حق التعدد” مضيفا أنه يرفض أي تشريع يصدم أو يهدم تشريعات القرآن الكريم أو السنة المطهرة، أو يمسهما من قريب أو بعيد”.

فريقان وتأويلان !

وكالعادة في الموضوعات الجدلية ، انقسم العلماء والدعاة إلى قسمين ما بين مؤيد ومعارض، وكلا يحشد لنصوصه المقدسة وفق ما يرون !

في المعسكر المؤيد لتعدد الزوجات ، يوقف البعض ، ومنهم الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر،  بمهاجمي تعدد الزوجات في الإسلام الذين وصفهم بأنهم “يتبنون مفاهيم غربية تقف حائلًا أمام التعدد الشرعي وتبيح التعدد المحرم “الزنا”، مشيرًا إلى أن هؤلاء ينكرون نص القرآن الكريم وشروطه التي وضعت في الشريعة الإسلامية وهما العدل والمساواة بينهم

ولدار الافتاء المصرية فتوى حديثة رقم 2621  لعام 2015،  أوضحت الإسلام جاء بالحد من تعدد الزوجات، ولم يأت بتعدد الزوجات كما يظن الآخرون  حيث أنه كان شائعًا بين العرب قبل الإسلام، وكذلك بين اليهود والفرس، مشيرة إلى أنه فى شريعة اليهود وقوانينهم حتى الآن يبيحون تعدد الزوجات، ولا يجرؤ أحد أن يهاجمهم فى عقيدتهم ودينهم وشرعهم لكنها استدركت قائلة : الإسلام لم يوجب على المسلم الزواج من أربع، بل جعل ذلك على الإباحة، وهذا لا شك أفضل من تعدد العشيقات والخليلات، والذى ينتج منه أولاد الزنا، ويؤثر ذلك على المجتمعات بالأمراض الأخلاقية بل والجسدية.

وفي المقابل كان للشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق والذي توفي العام الماضي رأيا يمثل اقصى اليسار في الأزهر بحسب البعض حيث صرح في أبريل 2018 ، أن آية التعدد فى سورة النساء  التى تتُخذ كمسلك للزواج من أخرى لم تنزل لغرض التعدد، وإنما لصيانة حقوق اليتامى، موضحا أن اليتيمة قد يكون عمها الوصى عليها حتى تكبر، ثم يزوجها من ابنه ليستولى على إرثها، فلا يخرج المال عن حدود العائلة، لذا جاءت الآية لتمنح تشريعا للزواج من مثنى وثلاث ورباع بعيدا عن اليتيمة حتى لا تقع فريسة للوصى.

ويرفض الشيخ خالد الجندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، دعوات التعدد موضحا أن “الإسلام شرع تعدد الزوجات، حتى لا يجرى الإنسان وراء شهواته”، لكنه قال : ” أنا لا أدعو لتعدد الزوجات، والذي يخاف من زيادة نسبة العنوسة، يدفع للعزاب ويدعم تزويج الشباب”.

انقسام حقوقي واجتماعي!

الحقوقيون وعلماء الاجتماع لهم رأي كذلك يتناغم كثيرا مع الرفض وإن كان البعض ممن لهم بعض مجتمعي يثمن موقف شيخ الأزهر .

المجلس القومي للمرأة (حكومي \ يميل للغرب) استغل الفرصة ، وأصدر بيانا رسميا ثمن تصريحات شيخ الأزهر وأشاد بها باعتبارها مقولة حق صادرة بدافع تنوير العقول وإظهار الحق، وتأكيده الدائم، على أن الدين الإسلامي الحنيف كرم المرأة وأنصفها واعطاها حقوق عديدة لم تكن موجودة من قبل.

وتأتي تلك الإشادة كإجراء لافت من المجلس القومي للمرأة الذي يهاجم عادة (الأزهر الشريف ودار الإفتاء) ، وهو ما كان واضحا في يوليو 2004 عندما هاجم المؤسستين بسبب رفضها مشروع قانون أعده المجلس بشأن فرض إجراءات عقابية قاسية وغرامات مالية تحول دون حق الزوج من الزواج بامرأة بأخرى.

الناشطة النسوية والمديرة التنفيذية لمؤسسة “نظرة” للدراسات النسوية، “مُزُن حسن” ترى أن الأزهر كمؤسسة دينية “محترمة” في العالم الإسلامي ليس لها وصاية على المجتمع، وتطالب بتدخل الدولة بتشريعات تنصف المرأة.

بينما رأت الحقوقية نهاد أبو القمصان، من المركز المصري لحقوق المرأة إن تصريحات شيخ الأزهر الأخيرة تمثل إنصافا للمرأة “ولكنها تأخرت كثير”، متساءلة : “هل بعد أكثر من 1400 سنة لم تتطور ثقافة المجتمع لتتأكد أن تعدد الزوجات فيه ظلم شديد للمرأة؟”.

في المقابل دعت الدعوة السلفية الموالية للسلطات المصرية مبادرة للتعدد وذلك عبر شعار “خليه يعدد” مؤكدة أن التعدد حل مجتمعى لمشكلة العنوسة.

وعلى الصعيد الاجتماعي، أكد الدكتور حسن الخولي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن الدعوات التى تطالب الرجال بتعدد الزوجات حل غير مرغوب فيه اجتماعيا، خاصة عند السواد الأعظم من النساء، لأنه سيخلق حالة من التوتر فى شبكة العلاقات الاجتماعية.

جدل مجتمعي !

ولازالت للقضية صدى مستمر على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر ، وأشعلت تصريحات شيخ الأزهر الأخيرة انفجارا واسعا في التعليقات.

وعلى وسوم ” #أحمد_الطيب ” ، و” #شيخ_ الأزهر” غرد صاحب حساب يدعى عزت الأشعري داعما التعدد ، قائلا :” إذا كان هذا كلام #شيخ_الازهر، فهذا اتهام لكلام الله وهو القرآن الكريم واتهام لله سبحانه وتعالى انهُ ظالم ، سبحانك هذا بهتان عظيم”.

وقال ” أبو أمامة” عبر تويتر منددا بتصريحات شيخ الأزهر :” كأن قول #شيخ_الأزهر فوق كلام الله… والعياذ بالله!”.

بينما رفضت مايسة الشريف التعدد وشجعت شيخ الأزهر قائلة عبر حسابها في تويتر:”أكد #شيخ_الأزهر #أحمد_الطيب أن مسألة تعدد الزوجات فيها ظلم للمرأة وأنه ليس الأصل في الإسلام، بل هو مشروط ومقيد وأكد أن مسألة #تعدد_الزوجات تشهد ظلما للمرأة وللأولاد في كثير من الأحيان. تفضلوا، سكرولي بقى هيدي الدكاكين التي تنادي بالتعدّد تحت غطاء الشرع، فهمنا أو منعيد”.!

وفي هذا السياق نفسه قال المغرد عمر فتحي مهاجما الذين يدعمون التعدد زاعما أن “غاياتهم شهوانية وحيوانية فقط ” مستغربا عدم وجود تعدد مع الأرامل وذوات الأيتام إلا نادرا مشيدا بتصريحات شيخ الأزهر.

ووفق مراقبين تظل قضية تعدد الزوجات حساسية كبرى في المجتمعات العربية الاسلامية، حيث تباينت معها حتى موقف الدول والتيارات ، وتعتبر تونس الدولة العربية الإسلامية الوحيدة التي ذهبت الى منع تعدد الزوجات بالنص القانوني منذ عام  1958، ورغم مطالب إلغائه بعد ثورة 2011 لا يزال القانون ساري المفعول ويعاقب بالسجن كل من يخالفه، كما أن تعدد الزوجات محظور أيضا في تركيا فيما تم ضبط الأمر في المغرب بشروط بموجب تعديلات أدرجت على مدونة الأسرة عام 2004.