العدسة – إبراهيم سمعان
كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في تقرير لها عن وجود تعاون عسكري سري بين مصر وإسرائيل، تشن بموجبه الأخيرة غارات ضد مسلحين في شمال سيناء، مشيرة إلى أن العمليات الإسرائيلية داخل الأراضى المصرية تجاوزت الـ 100 ضربة جوية بعلم وموافقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وإلى نص التقرير ..
قتل الجهاديون فى شمال سيناء المئات من الجنود وضباط الشرطة، وتعهدوا بالولاء لتنظيم الدولة (داعش)، واستولوا لفترة زمنية وجيزة على مدينة رئيسية، وأقاموا نقاط تفتيش مسلحة، وطالبوا بأراض. وفى أواخر 2015 أسقطوا طائرة ركاب روسية.
وحيال ذلك بدت مصر غير قادرة على وقف هؤلاء الجهاديين، ولذا فإن إسرائيل التي كانت تشعر بالفزع جراء هذه التهديدات، فقط، عبرت الحدود المصرية، وتحركت للتصدي لهذا المخاطر.
وعلى مدى عامين شنت طائرات (بدون طيار، و هليكوبتر، ونفاثة) إسرائيلية لا تحمل علامات على هويتها، حملة جوية سرية، بتنفيذ أكثر من 100 غارة جوية داخل مصر، بأكثر من مرة فى الأسبوع، وبموافقة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
هذا التعاون الاستثنائي بين مصر بين وإسرائيل، دشّن لمرحلة جديدة فى تطور علاقتهما المشحونة والاستثنائية، فبعد أن كانتا عدوّين فى ثلاثة حروب، ثم خصمين فى سلام غير مستقر، أصبحتا الآن حليفين سريين فى حرب سرية ضد عدو مشترك.
فبالنسبة للقاهرة، ساعد التدخل الإسرائيلي الجيش المصري في استعادة موطئ قدمها المفقود فى المعركة المستمرة منذ 5 سنوات ضد العناصر المسلحة فى سيناء، وبالنسبة لإسرائيل، عززت الغارات الجوية من أمن حدودها واستقرار جارتها.
ويعد التعاون المصري الإسرائيلي، هو الدليل الأكثر دراماتيكية حتى الآن، على عملية إعادة التشكيل الهادئ لسياسات منطقة الشرق الأوسط.
فقد جلب الأعداء المشتركون مثل “داعش”، و”إيران” و”الإسلام السياسي”، زعماء العديد من الدول العربية، بهدوء إلى تقارب متزايد مع إسرائيل، حتى ولو واصل مسؤولو تلك الدول ووسائل إعلامها، توجيه الانتقادات (والذم) للدولة اليهودية فى العلن.
وقال مسؤولون أمريكيون إن الحملة الجوية الإسرائيلية لعبت دورًا حاسمًا فى تمكين القوات المسلحة المصرية أن تكون لها اليد العليا ضد المسلحين، لكن الدور الإسرائيلي كان له بعض العواقب غير المتوقعة بالنسبة للمنطقة، بما في ذلك مفاوضات السلام في الشرق الأوسط، حيث ساهم جزئيا فى اقتناع مسؤولين إسرائيلين كبار، أن مصر الآن تعتمد عليهم ، حتى في السيطرة على أراضيها.
وقد أعطى 7 مسؤولين بريطانيين وأمريكييين (حاليين أو سابقين)، مشاركين فى سياسات الشرق الأوسط، الحملة الجوية الإسرائيلية داخل مصر، أوصافا للهجمات الإسرائيلية داخل مصر، وجميعهم تكلم شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة تلك المعلومات السرية.
ورفض المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي والمصري التعليق على ذلك، وكذالك رفض أيضا المتحدث باسم الخارجية المصرية التعليق.
وقد سعت الجارتان مصر وإسرائيل إلى إخفاء الدور الإسرائيلي فى الضربات الجوية على سيناء خوفا من رد فعل عنيف داخل مصر، حيث يواصل المسؤولون الحكوميون ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة بتناول إسرائيل كعدو، وتتعهد بالولاء للقضية الفلسطينية.
ولا تحمل الطائرات الإسرائيلية بدون طيار علامات، وتغطِّي المروحيات والمقاتلات الإسرائيلية علاماتها التي تشير لهويتها الإسرائيلية. ووفقاً لمسؤولين أمريكيين مطّلعين على العمليات، تقوم بعض الطائرات الإسرائيلية بالتحليق في مسارات غير مباشرة، للإيحاء أنها قادمة من الأراضي المصرية.
في إسرائيل، تضع الرقابة العسكرية قيودا على نشر أخبار الغارات الجوية. ومن غير الواضح ما إذا كانت القوات الإسرائيلية أو القوات الخاصة، قد وضعت أقدامها داخل الحدود المصرية، الأمر الذي من شأنه أن يزيد خطر كشف الأمر.
من جانبه أولى السيسي مزيدا من الاهتمام، كما يقول المسؤولون الأمريكيون، لإخفاء مصدر الغارات عن جميع الدوائر، باستثناء دائرة محدودة من مسؤولي الجيش والاستخبارات. وكانت الحكومة المصرية قد أعلنت شمال سيناء منطقة عسكرية مغلقة، ما منع الصحفيين من جمع المعلومات هناك.
وخلف الكواليس، تزايد التقارب بين كبار الجنرالات المصريين ونظرائهم الإسرائيليين بصورة منتظمة، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد قبل 40 عاماً في عام 1978. وساعدت قوات الأمن المصرية إسرائيل على فرض قيودٍ على تدفق البضائع من وإلى قطاع غزة، المنطقة الفلسطينية المتاخمة لمصر، التي تسيطر عليها حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وتتبادل أجهزة الاستخبارات المصرية والإسرائيلية منذ فترة طويلة المعلومات عن المسلحين على جانبي الحدود.
وفى عام 2012، كان لدى المسؤولين الإسرائيلين حالة من القلق بعد أن أفرزت الانتخابات التي جاءت بعد ثورة يناير بأحد قياديي جماعة الإخوان المسلمين وهو الرئيس السابق محمد مرسي، وتعهد مرسي باحترام اتفاقية كامب ديفيد. لكن الإسرائيليين كانوا قلقين من العلاقة الأيدولوجية التي تربط جماعة الإخوان بحركة حماس، وعدائها التاريخي للدولة اليهودية نفسها .
وبعد عام من انتخاب مرسي، استولى وزير دفاعه عبد الفتاح السيسي على السلطة فى انقلاب عسكري، ورحبت إسرائيل بخطوة السيسي، وحثت واشنطن على قبولها، وقد عزز ذلك الشراكة بين الجنرالات على جانبي الحدود.
وأصبحت شمال سيناء -وهي منطقة صحراء جبلية تخضع لسيطرة رخوة بين قناة السويس والحدود الإسرائيلية- ملاذاً للمسلحين الإسلاميين، في العقد الذي سبق تولِّي السيسي للسلطة. وركَّز التنظيم الجهادي الرئيسي، أنصار بيت المقدس، على مهاجمة إسرائيل، لكن بعد تولِّي السيسي الحكم بدأ التنظيم قيادة موجة من الهجمات المميتة ضد قوات الأمن المصرية.
بعد بضعة أسابيع من توِّلي السيسي للحكم، وفي أغسطس 2013، أسفر انفجاران غامضان عن مقتل خمسة مسلحين مشتبهين في منطقةٍ بشمال سيناء، ليست بعيدة عن الحدود الإسرائيلية.
ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن مسؤولين مصريين -لم تُسمِّهم- قولهم إن طائرات بدون طيار إسرائيلية أطلقت صواريخ؛ أسفرت عن مقتل المسلحين، ربما نتيجة تحذيرات مصرية من هجوم عابر للحدود مزمع على مطارٍ إسرائيلي. كانت إسرائيل قد أغلقت المطار في اليوم السابق .
ونفى المتحدث باسم الجيش المصري آنذاك، العقيد أحمد علي، الأمر. وقال في بيانٍ في ذلك الوقت: “لا صحة شكلاً وموضوعاً لوجود أية هجمات من الجانب الإسرائيلي داخل الأراضي المصرية”، وتعهد بفتح تحقيق.
وأضاف العقيد المصري أن: “الادعاء بوجود تنسيق بين الجانبين المصري والإسرائيلي بهذا الشأن هو أمرٌ عارٍ تماماً عن الصحة، ويخالف العقلَ والمنطق”… ورفضت إسرائيل التعليق، وأصبحت الحادثة فى طي النسيان تقريبا.
وبعد مرور عامين، كان السيسي لا يزال يعاني من أجل إلحاق الهزيمة بالمسلحين، الذين قتلوا بضع مئات على الأقل من الجنود وأفراد الشرطة المصريين.
وفى نوفمبر 2014 ، أعلن تنظيم أنصار بين المقدس رسميا أنه الفرع الرسمي لتنظيم الدولة فى سيناء، وفي 1 يوليو 2015 ، استولى مسلحون لفترة وجيزة على مدينة الشيخ زويد، وتراجعت سيطرتهم فقط بعد أن قامت الطائرات والمروحيات المصرية بضرب البلدة، وفقا لوكالة الأنباء الرسمية .
فى نهاية أكتوبر، أسقط المسلحون طائرة روسية ما أدى لمقتل 224 شخصا كانوا على متن الطائرة .
وقال مسؤولون أمريكيون ” بالتزامن مع ورود تلك النذر السيئة فى أواخر 2015، بدأت إسرائيل شن غارات جوية ، وأدت هذه الغارات بوقوع قائمة طويلة من القتلي من القادة المسلحين .
وعلى الرغم من صعود أشخاص لديهم نفس القدر من الوحشية لخلافة قيادات المسلحين، بدا أنَّهم تبنَّوا أهدافاً أقل طموحاً. فلم يعودوا يتجرأون على محاولة إغلاق الطرق، أو إقامة نقاط تفتيش، أو السيطرة على الأرض. وانتقلوا لضرب أهداف ذات طبيعة أكثر رخاوة، مثل المسيحيين في سيناء، أو الكنائس في وادي النيل، أو المسلمين الآخرين الذين يعتبرونهم كفاراً. وفي نوفمبر 2017، قتل المسلحون 311 مصلياً في مسجد صوفي بشمال سيناء .
وبحلول هذا الوقت، قال مسؤولون أمريكيون إن الإسرائيليين كانوا يشتكون لواشنطن من أن المصريين لا يلتزمون من جانبهم بالاتفاق. وإن القاهرة أخفقت في إتْبَاع الغارات بتحركاتٍ مُنسَّقة لقواتها على الأرض.
ومع أنَّ الرقابة العسكرية الإسرائيلية منعت وسائل الإعلام هناك من تناول الضربات، تحايلت بعض وسائل الإعلام على الرقابة بنقلها تقريراً لوكالة بلومبيرج في 2016، قال فيه مصدرٌ إسرائيلي لم تجرِ تسميته إنَّه توجد طائرات بدون طيار إسرائيلية داخل مصر.
وقارن زاك غولد، وهو باحث متخصص في شمال سيناء يعمل في إسرائيل، تلك الغارات ببرنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي؛ فكلاهما سرٌّ معروف.
وأضاف لنيويورك تايمز، أنَّ “الغارات الإسرائيلية داخل مصر هي بنفس الصورة تقريباً. ففي كل مرة يقول فيها أحدهم أيَّ شيءٍ عن البرنامج النووي، يتعيَّن عليهم أن يضيفوا عبارة: وفقاً للصحافة الأجنبية. مصلحة إسرائيل الاستراتيجية الرئيسية في مصر هي الاستقرار، ويعتقدون أنَّ الإفصاح الصريح عن هذه المسائل سيُهدِّد ذلك الاستقرار”.
وداخل الإدارة الأمريكية، توجد معرفة واسعة النطاق للغارات، لدرجة أنَّ دبلوماسيين ومسؤولي استخبارات قد ناقشوها في جلسات إحاطةٍ مغلقة مع المشرعين في الكونجرس.
وأشار المشرعون في جلسات استماعٍ مفتوحة إلى الموافقة على التعاون المصري والإسرائيلي الوثيق في شمال سيناء.
وفي مقابلة هاتفية، مع الصحيفة الأمريكية، رفض السيناتور بنيامين كاردين عن ولاية ميريلاند، وهو سيناتور ديمقراطي بارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، مناقشة تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية في مصر، لكنَّه قال إنَّ إسرائيل لم تكن تتصرف “من باب حُسن الجوار”.
وأضاف: “إسرائيل لا تريد أن تمتد الأنشطة السيئة التي تحدث في سيناء المصرية إلى داخل أراضيها”، مشيراً إلى أنَّ الجهود المصرية لإخفاء دور إسرائيل عن مواطنيها “ليست ظاهرة جديدة”
ويشكو بعض مؤيدي إسرائيل من أنَّه نظراً لاعتماد مصر على الجيش الإسرائيلي، فإنَّ المسؤولين المصريين والدبلوماسيين ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة يجب أن تكف علناً عن إدانة الدولة اليهودية، خاصةً في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة.
ويقول إليوت إنجل، النائب الديمقراطي عن ولاية نيويورك، والعضو البارز بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب: “تتحدث إلى السيسي وتراه يتحدث عن التعاون الأمني مع إسرائيل، وتتحدث إلى الإسرائيليين وتراهم يتحدثون عن التعاون الأمني مع مصر، لكن بعد ذلك تستمر هذه اللعبة مزدوجة الأوجه. إنَّها مسألة مُحيِّرة بالنسبة لي”.
وقد ذكَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أيضاً بوضوح الدبلوماسيين الأمريكيين بالدور العسكري الإسرائيلي في سيناء. ففي فبراير 2016 على سبيل المثال، عقد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قمةً سريةً في مدينة العقبة الأردنية مع الرئيس السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ونتنياهو، وفقاً لما ذكره ثلاثة مسؤولين أمريكيين شاركوا في المحادثات أو اطلعوا عليها.
واقترح كيري اتفاقاً إقليمياً تضمَن فيه مصرُ والأردن أمنَ إسرائيل، كجزءٍ من اتفاقٍ لإقامة دولةٍ فلسطينية.
لكنَّ نتنياهو سخر من هذه الفكرة.
وقال إنَّ الجيش الإسرائيلي يدعم بالفعل الجيشَ المصري. ورأى أنَّه إن كانت مصر عاجزة عن السيطرة على الأرض داخل حدودها، فإنَّها في وضعٍ لن يسمح لها بضمان الأمن لإسرائيل.
اضف تعليقا