العالم اليوم على صفيح ساخن بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، من جهة، لدينا الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو يقفون عند الجانب الأوكراني محاولين تقديم الدعم اللازم لمساعدتهم في انقاذ بلادهم من العدوان الغاشم الذي شنه فلاديمير بوتين في الربع الأول من هذا العام.
على الجانب الآخر، يوجد روسيا والسعودية وإيران وبيرني ساندرز والتقدميين والجمهوريين، يعملون بأقصى جهد -عن عمد أو بحماقة- لضمان حصول بوتين على عائدات نفطية أكثر من أي وقت مضى لقتل الأوكرانيين وتجميد الأوروبيين هذا الشتاء للضغط عليهم للتخلي عن أوكرانيا.
في ذات السياق، يأمل بوتين والحاكم الفعلي للسعودية ولي العهد ورئيس الوزراء محمد بن سلمان أن يساعد تضخم الطاقة المرتفع منذ الغزو الروسي الجمهوريين بقيادة دونالد ترامب على استعادة السيطرة على الأقل على مجلس النواب في انتخابات الشهر المقبل، وبالطبع هذا الأمر سيكون ذلك مثاليًا لكليهما، إذ ينظران إلى ترامب كرئيس لا يزال يفضل استخدام النفط على الطاقة الشمسية، ويعرف كيف يغض الطرف عن انتهاكاتهم لحقوق الإنسان.
يوم الأربعاء، مع توجه العالم بالفعل نحو الركود ومع تضاؤل سوق النفط والغاز الطبيعي العالمي بالفعل، وافقت منظمة أوبك بلس، التي تضم المملكة العربية السعودية وروسيا، على خفض إنتاجها بشكل جماعي بمقدار مليوني برميل يوميًا – لضمان توفير النفط، في وقت لا تزال الأسعار فيه غير مستقرة وغير “مُرضية”.
إن دافع بوتين لضمان ارتفاع الأسعار ليس لغزًا، مع معاناة جيشه في أوكرانيا من خسارة مستمرة للأراضي – وضم أجزاء من أوكرانيا لم يسيطر عليها حتى – لدى بوتين أمل واحد قبل أن يُجبر على فعل شيء متهور: تقليص الإمدادات ورفع أسعار النفط والغاز لإجبار الاتحاد الأوروبي وواشنطن على التخلي عن كييف والقبول بضمه مقابل وقف إطلاق النار واستئناف صادرات الطاقة الروسية، وهو أمر على ما يبدو يرحب به السعوديون، ولا يمكن القول إن استراتيجية بوتين مجنونة أو تخلو من الأمل، وذلك بسبب عقدين من فشل الدول الغربية في التفكير استراتيجيًا بشأن الطاقة.
اليوم يحاول الأوروبيون الاعتماد على الطاقة الشمسية، بمعنى أدق وحسب المحللين “يتظاهر” الأوروبيون -بتشجيع خفي من بوتين- بأنهم يستطيعون التخلي عن الطاقة والنفط من الانبعاثات إلى حد كبير مثل الطاقة النووية، كما فعل الألمان، والقفز مباشرة إلى الرياح المتقطعة والطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة.
شعر الألمان بالفضيلة عند القيام بذلك – دون الاعتراف بأن السبب الوحيد الذي جعلهم يفلتون من هذا الحلم هو أن بوتين كان يبيعهم الغاز الرخيص لتعويض الفارق.
عندما أنهى بوتين المهزلة، هذا ما حدث: في 28 سبتمبر/أيلول، نشرت وكالة رويترز من فرانكفورت “أصدر مجلس الوزراء الألماني يوم الأربعاء مرسومين لإطالة أمد تشغيل محطات توليد الطاقة الكبيرة التي تعمل بالفحم الصلب حتى 31 مارس/آذار 2024، وحتى إعادة طاقة الفحم البني المعطلة حتى 30 يونيو/حزيران 2023 لتعزيز الإمداد”.
الولايات المتحدة اعتمدت نسختها الخاصة من هذه الإشارة إلى “الفضيلة الخضراء”، إذ شيطن التقدميون الخضر صناعة النفط والغاز، وروجوا للطاقة الشمسية، استوعب مستثمرو النفط والغاز والمصرفيون الرسالة وبدأوا في تأخير أو إيقاف الاستثمار في إنتاج النفط والغاز الجديد في الداخل، وبدلاً من ذلك ركزوا على جني أكبر قدر ممكن من الأرباح من الآبار الحالية.
ما رفع بوتين أكثر هو عندما شاهد بيرني ساندرز والديمقراطيين التقدميين والجمهوريين اجتمعوا الأسبوع الماضي لقتل مشروع قانون يدعمه الرئيس بايدن والقيادة الديمقراطية لتبسيط عملية التصريح لمشاريع الطاقة المحلية، ولا سيما السماح بخطوط أنابيب الغاز وخطوط نقل الرياح والطاقة الشمسية – وهو أحد أكبر العوائق أمام تحول أخضر مستقر.
من الصعب معرفة من هو الأسوأ، فالتقدميون الذين لم يفهموا مقدار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يحتاجون إلى نقل أسرع مما يسمح بتوسيع نطاق الطاقة النظيفة بأمان، أم الجمهوريين الذين كانوا يعلمون أن شركات النفط والغاز بحاجة إلى خط أنابيب أسرع للسماح بزيادة إنتاج الغاز، لكنهم قضوا عليه.
لذلك “لن يحقق بايدن نجاحًا آخر” كما قال جو مانشين، وهو ديمقراطي دافع عن مشروع القانون: “ما لم أتوقعه هو أن ميتش ماكونيل، وأصدقائي الجمهوريون، سيشتركون مع بيرني أو يحاولون الحصول على نفس النتيجة بعدم تمرير السماح بالإصلاح”.
إجمالاً، كان شهر بوتين سيئاً في أوكرانيا – لكن شهره جيداً في الكونجرس الأمريكي، والأمر ليس بهذا التعقيد: هل تريدون توضيح وجهة نظر أم تريدون إحداث فرق؟ إذا أردنا إحداث فرق، فنحن بحاجة إلى تحقيق أقصى قدر من أمن الطاقة والأمن الطبيعي والأمن الاقتصادي لدينا مرة واحدة، الطريقة الوحيدة لفعل ذلك بشكل فعال هي تحفيز سوقنا لإنتاج إمدادات مستقرة وآمنة من الطاقة، مع أقل انبعاثات ممكنة بأقل التكاليف الممكنة في أسرع وقت ممكن، مع فرض ضرائب على الأشياء القذرة أو إعطاء حوافز للأشياء النظيفة، بالإضافة إلى زيادة معايير الطاقة النظيفة بشكل مطرد لتوليد الطاقة على غرار ما اقترحه هال هارفي وجوستين جيليس في كتابهما الجديد ” الإصلاح الكبير: سبع خطوات عملية لإنقاذ كوكبنا “.
طالما أننا لسنا مستعدين لفعل ذلك، فنحن نخدع أنفسنا ونتظاهر بالسعي وراء الفضيلة على اليسار واليمين، والحقيقة أن بوتين ومحمد بن سلمان يضحكون على طول الطريق لنجاحهم في خداعنا وتحقيق مرادهم.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا