لم تهدأ محاولات ولي العهد السعودي، المستمرة منذ سنوات، لإعادة اللواء السابق سعد الجبري من منفاه في الخارج بعد هروبه من بطش الأمير الشاب الذي تولى ولاية العهد في 2017 ومنذ ذلك الحين والمملكة تتخذ مساراً أكثر عنفاً في التعامل مع أي صوت يخالف هوى النظام، حتى لو كان أحد أفراده السابقين.

الأسابيع الماضية شهدت تصاعداً ملحوظاً في محاولات الأمير الشاب ]محمد بن سلمان[ للضغط خارجياً وداخلياً لتسليم الجبري، حيث شنت وسائل الإعلام السعودية هجوماً على الجبري، كما طلبت السلطات من “كندا” تسليم الجبري رسمياً عبر الانتربول بعد اتهامه بالفساد أثناء توليه مناصبه القيادية في وزارة الداخلية السعودية، بالإضافة إلى اعتقال نجليه ]الجبري[ داخل السعودية واحتجازهم كرهائن حتى يقوم الجبري بتسليم نفسه.

اطلعت “نيويورك تايمز” على عدة رسائل نصية تهديدية أرسلها محمد بن سلمان إلى الجبري منذ مغادرته البلاد في 2017، ولم يعلن الجبري عنها من قبل، حيث كتب إليه في سبتمبر/أيلول 2017 قائلاً “أنت متورط في قضايا فساد عديدة جميعها تم اثبات التهم فيها عليك… لا توجد دولة في العالم سترفض تسليمك”.

وبحسب “التايمز” فإن هذه الرسائل النصية والوثائق المرفقة تسلط ضوءً جديدًا على المدى الذي وصل إليه الأمير محمد في استبداده للسيطرة على السعوديين وإحكام قبضته عليهم.

واستعرضت التايمز عشرات الرسائل النصية بين الجبري وابن سلمان، التي قدمتها شركة “نورتون روز فولبرايت” للمحاماة، والتي تتولى الدفاع عن السيد الجبري، وكذلك ووثائق الانتربول لإبلاغ السيد الجبري بقرارها بشأن الطلب السعودي ضده.

وبدورها قامت “التايمز” بالتواصل مع المسؤولين في السفارة السعودية في واشنطن لطلبات التعليق على هذه الرسائل النصية ووثائق الانتربول، إلا أنهم رفضوا التعليق.

المثير للقلق، أن هذه الوثائق والرسائل تم الكشف عنها في وقت تعاني فيه السعودية من مخاوف بشأن صحة والد الأمير محمد، الملك سلمان، الذي يمكن لوفاته أن تجعل الأمير “المستبد” على عرش المملكة لعقود، حيث أفادت وسائل الإعلام السعودية يوم الخميس أن الملك البالغ من العمر 84 عاما دخل المستشفى في مطلع الأسبوع وخضع لجراحة “ناجحة” في المرارة.

منذ أن أصبح والده ملكًا في عام 2015، تولى الأمير محمد (34 عاماً) مسؤولية السياسات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية في المملكة، كما استهدف النقاد والمعارضين بحظر السفر والاعتقال والدعاوى القضائية.

لفتت هذه الأساليب الاستبدادية بشكل متزايد الانتباه العالمي عندما قتل عملاء سعوديون الكاتب السعودي المعارض جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول عام 2018، مما أدى إلى إدانة دولية واسعة النطاق للسلطات السعودية، التي أشارت التحقيقات الدولية إلى اشتباه تورط محمد بن سلمان في الجريمة.

وعلى الرغم من دعم ترامب المستمر لابن سلمان، ودفاعه عنه في كافة الجرائم والانتهاكات المتورط بها، خاصة واقعة اغتيال خاشقجي، لفتت التحركات السعودية ضد السيد الجبري الانتباه في واشنطن، حيث اعتبره العديد من المسؤولين شريكا استخباراتيا قيما، يجب الوقوف بجانبه وحمايته من النظام.

في رسالة إلى الرئيس ترامب هذا الشهر، أشار أربعة من أعضاء مجلس الشيوخ إلى السيد الجبري بأنه “حليف مقرب للولايات المتحدة وصديق”، وقالوا إن الولايات المتحدة “عليها التزام أخلاقي بفعل ما في وسعها للمساعدة في ضمان حرية نجليه”.

صراع محمد بن سلمان والجبري بدأ بصورة واضحة منذ تولي الأمير الشاب ولاية العهد، حيث تم عزل الأمير محمد بن نايف، الذي ترأس وزارة الداخلية وأصبح ولياً للعهد في عام 2015، وكان الجبري أقرب مساعديه والرجل الأول بعده، وبطبيعة الحال ارتبط سقوط نايف بسقوط الجبري، الذي سقط نجمه في 2017 وأصبح هدفاً للاعتقال من قبل محمد بن سلمان ما دفعه لعدم العودة للبلاد خوفاً على مصيره.

ووفقاً للرسائل النصية التي قدمها الجبري للفريق الدفاع عنه، قام محمد بن سلمان بمراسلته أكثر من مرة للضغط عليه للعودة للمملكة، تارة بالترهيب وتارة بالترغيب، حيث أرسل إليه في 18 يونيو/حزيران 2017، رسالة نصية طلب منه فيها العودة للمساعدة في حل مشكلة “لم يحددها” مع محمد بن نايف.

وجاء في نص رسالة الأمير محمد للجبري “أريد أن أشرح لك ما حدث مؤخرًا والتوصل إلى اتفاق معك بشأن استراتيجية لحل كل هذه الصعوبات”، ورد الجبري بأنه “مستعد لقبول ما تأمر به”، ثم قال الأمير محمد إنه يريد أن يجتمع مع الأمير محمد بن نايف والجبري حتى “يتصالحوا ويمكن أن يعود كل شيء إلى ما كان عليه”.

في 20 يونيو/حزيران، قال السيد الجبري إنه لا يستطيع العودة إلى المملكة العربية السعودية على الفور لأسباب صحية، قال الأمير محمد إنه استدعاه فقط لأنه “بحاجة ماسة لمساعدتكم”.

ولكن في اليوم التالي، أطاح محمد بن سلمان بمحمد بن نايف ليحل محله، تم وضع محمد بن نايف قيد الإقامة الجبرية، وتم منع اثنين من أبناء السيد الجبري، سارة، التي كانت في ذلك الوقت 17 عامًا، وعمر، البالغ من العمر وقتها 18 عامًا، من مغادرة المملكة العربية السعودية، ومع ذلك، أرسل السيد الجبري رسالة يتعهد فيها بالولاء للأمير محمد بعد توليه ولاية العهد، وشجعه الأمير محمد على العودة إلى البلاد لتولي وظيفة جديدة مهمة.

كتب الأمير محمد: “عندما تعود بأمان، سأشرح لك خلفية المشكلة… ما زلت بحاجة إليك للتعامل مع أي شخص يحاول خلق الفوضى والصراع”، في المقابل طلب السيد الجبري من محمد بن سلمان رفع الحظر المفروض على سفر أبنائه، إلا أنه رفض.

بعد ذلك بثلاثة أشهر، طلب الجبري من ولي العهد مرة أخرى رفع حظر السفر “للسماح لهم بالمغادرة حتى يتمكنوا من إنهاء دراستهم”، وكان الرد “عندما أراك، سأشرح لك خلفية الأمور”، ولكن الجبري كرر طلبه، وتمسك محمد بن سلمان برده، حيث قال “عندما أراك، سأشرح لك كل شيء”.

بعد بضعة أيام، طلب الأمير محمد من السيد الجبري العودة إلى المملكة العربية السعودية على الفور، وربط عودته بحظر السفر عن نجليه، حيث أرسل له قائلاً “أريد حل مشكلة ابنك وابنتك، لكن هذا ملف حساس للغاية هنا متعلق بمحمد بن نايف… أريد رأيك في ذلك بالإضافة إلى معلومات منك بشأنه.. أريد أيضًا أن أتوصل إلى تفاهم معك بشأن وضعك المستقبلي”

وبعد فترة وجيزة، أرسل الأمير محمد رسالة نصية أخرى، اختلفت فيها اللهجة عن المرات السابقة، حيث احتوت على تهديدات باعتقاله في الخارج، ما دفع الجبري بالانتقال من تركيا -التي سافر إليها بعد مغادرته البلاد بعد فصله من منصبه- إلى كندا.

وفي محاولة لإجباره على العودة إلى الوطن، قدمت السلطات السعودية إخطارًا إلى الإنتربول، منظمة الشرطة الدولية، تطلب من الدول الأخرى المساعدة في تسليم السيد الجبري، لكن بدلاً من تقديم مذكرة توقيف دولية، قدم السعوديون “نشراً”، وصفه الإنتربول بأنه طريقة أقل رسمية لأعضاء الإنتربول لطلب المساعدة من دول أخرى.

وأكد الجبري أن اسمه كان في نظام الإنتربول في ديسمبر/كانون الأول 2017، عندما مُنعت زوجته وأقاربه الآخرون من السفر من تركيا إلى كندا لأن كان معهم شخصاً احتوى اسمه على سعد الجابري: حفيد رضيع السيد الجبري والذي يحمل نفس الاسم.

ومع ذلك، تمكنت الأسرة من الوصول إلى كندا عبر الولايات المتحدة وطعنت في إدراج اسم السيد الجبري في نظام الإنتربول، وفي يوليو/تموز 2018 تم إزالة اسمه من القوائم.

في رفضها الطلب السعودي، انتقدت اللجنة الخاصة في الانتربول تعامل المملكة السابق مع قضايا الفساد بسبب “عدم اتباع الإجراءات القانونية الواجبة وضمانات حقوق الإنسان”، واعتبرت الطلب بني على دوافع سياسية، ما يشكل انتهاكاً لقواعد المنظمة، وأشارت اللجنة إلى حملة الأمير محمد في 2017، عندما تم حبس مئات من أغنى رجال الأعمال وأبرزهم في المملكة في فندق ريتز كارلتون الرياض بعد اتهامهم بالفساد، وتعريضهم لاعتداءات نفسية وبدنية.

وكتبت لجنة الإنتربول أن لجنة مكافحة الفساد التي أشرفت على هذا القمع كانت “جزءًا من استراتيجية سياسية من قبل محمد بن سلمان لاستهداف أي منافس أو معارضة سياسية محتملة”.

محاولات ابن سلمان لم تتوقف، وتصاعدت حدتها هذا العام، حيث قامت السلطات السعودية في مارس/آذار باحتجاز اثنين من أبناء سعد الجبري، عمر وسارة، وشقيقه ونجل شقيقه، واحتجازهم في مكان مجهول كرهائن -على حد وصف مسؤولين أمريكيين.

الأسبوع الماضي أيضاً قامت وسائل الإعلام السعودية بشن حملات تشويه واسعة ضد اللواء سعد الجبري، حيث قاموا بالترويج لتهم الفساد التي أعلنت عنها السلطات التي اتهمته بإهدار مليارات الدولارات من أموال الدولة لإثراء نفسه وأقاربه، كما نشرت إحدى الصحف السعودية ملصقًا على وجه الجبري مكتوب عليه “مطلوب للعدالة”، كجزء من جهد واضح لتشويه سمعته في المملكة.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

اقرأ أيضًا: صحيفة فرنسية: بن سلمان على استعداد للقيام بأي شيء لاستعادة سعد الجبري