قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في تقرير لها، إن ولي عهد أبو ظبي “محمد بن زايد” يشعر بالقلق من احتمال انزلاق الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى الحرب أو مواجهة مع إيران بعد اغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني “قاسم سليماني” في غارة أمريكية قرب مطار بغداد، ويخشى من أن تكون بلاده واحدة من الأهداف الأولى في هذه الحرب.
وحسب تقرير “نيويورك تايمز”، فإن “بن زايد”، الحاكم الفعلي للإمارات، كان قد بدأ في رسم مسار دبلوماسي أكثر مع إيران عندما أعلن “بن زايد” انسحابه من اليمن في يونيو/ حزيران، ووضع حدودا لشراكته مع السعودية هناك.
وكشفت الصحيفة الأمريكية، إن خشية “بن زايد”، رغم ذلك، تعود إلى عملية التحول التي قادها ولي عهد أبو ظبي في إدارة دولته منذ عام 2013، عندما تبنى نهجا تدخليا مناهضا لكل تيارات الإسلام السياسي في المنطقة دون استثناء، ودعم الجيش المصري في خلعه لأول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد (محمد مرسي)، كما تحدى الحظر الأممي لدعم الجنرال الليبي المتقاعد “خليفة حفتر” وفرض حصارا على قطر.
فبالنسبة لـ “بن زايد” لا يوجد تمييز كبير بين التيارات الإسلامية، التي صعدت بقوة عقب ثورات الربيع العربي في 2011، حيث يصر على أنها تشترك جميعا في نفس الهدف: نسخة من الخلافة مع القرآن بدلاً من الدستور، ولهذا يبدو أنه يعتقد أن الخيارات الوحيدة في الشرق الأوسط هي نظام أكثر قمعا أو كارثة كاملة.
وتحتل جماعة الإخوان المسلمين موقع الصدارة في عداء “بن زايد” للإسلام السياسي، رغم أن والد الشيخ “زايد آل نهيان” وضعه في صغره تحت إشراف معلم مصري يدعى “عز الدين إبراهيم”، كان يعرف بانتمائه للإخوان، غير أن حكام الإمارات لم يكونوا قد صنفوا الجماعة باعتبارها تهديدا بعد.
وبحسب التقرير فإن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 كانت لحظة تغير في حياة “بن زايد”، بعدما عرف أن اثنين من الإماراتيين كانا من بين الخاطفين الـ 19، وفي ذلك الخريف، اعتقلت الأجهزة الأمنية الإماراتية حوالي 200 إماراتي و1600 أجنبي كانوا يخططون للذهاب إلى أفغانستان والانضمام إلى تنظيم القاعدة.
وفي الوقت نفسه شن “بن زايد” هجوما على جمعية الإصلاح، التي تأسست في سبعينيات القرن الماضي، وكانت المعادل المحلي للإخوان المسلمين.
وكان من بين مستهدفي “الإصلاح” الآلاف من الأجانب (معظمهم من مصر) الذين تم الترحيب بهم قبل عقود لسد حاجة جامعة الإمارات للمهنيين المتعلمين والبيروقراطيين، حيث قام “بن زايد” بطرد المعلمين المشكوك بإسلاميتهم وإعادة كتابة الكتب المدرسية في البلاد.
وفي عام 2009 اتخذ “بن زايد” قرارا من شأنه أن يزيد من قدرته على إبراز السلطة خارج حدوده إلى حد كبير، ودعا اللواء “مايكل هندمارش”، الرئيس السابق لقيادة العمليات الخاصة الأسترالية، للمساعدة في إعادة تنظيم الجيش الإماراتي، وانتهى به الأمر لاختياره قائدا للجيش.
ونوه التقرير في هذا الصدد، إلى أنه لا يمكن تصور وضع غير عربي ليكون مسؤولاً عن جوهرة التاج العسكرية في أي دولة أخرى في الشرق الأوسط.
وكانت الإطاحة بـ “مرسي” أول نجاح كبير لحملة “بن زايد” المضادة للربيع العربي، وزادت من ثقته فيما يمكن القيام به دون قيود أمريكية، وسرعان ما تحول انتباهه بعدها إلى ليبيا، إذ بدأ بتقديم الدعم العسكري لـ “حفتر”، باعتباره “المستبد الذي يشاركه مشاعره تجاه الإسلاميين”.
وبحلول نهاية عام 2016، كانت الإمارات قد أقامت قاعدة جوية سرية شرقي ليبيا، قصفت منها طائرات مقاتلة وطائرات دون طيار منافسي “حفتر” في بنغازي.
وفي هذا الطريق، وجد ولي عهد أبو ظبي في نظيره السعودي “محمد بن سلمان” حليفا قويا، رغم اختلاف النظرة التاريخية للإسلاميين، باعتبار أن السعودية هي “أبو الإسلام السياسي” بحسب تعبير الكاتب الصحفي “جمال خاشقجي”، الذي اغتاله عملاء حكوميون سعوديون داخل قنصلية بلاده بإسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
لكن كيف انتقلت الدولة السعودية المتجذرة تاريخيا في اتفاق في القرن الثامن عشر بين حكامها والوهابية إلى التحالف مع رؤية “بن زايد”؟
يجيب التقرير بسرد تفاصيل برقية أرسلها “بن زايد”، عام 2005، إلى سفير الولايات المتحدة “جيمس جيفري”، وسربها موقع ويكيليكس.
أخبر ولي عهد أبو ظبي “جيفري” بأن قلقه الأكبر هو الوهابية، وأنه يرى أن العائلة المالكة السعودية “عقيمة”، وعبر عن خشيته من أن يكون البديل المحتمل في مثل هذا المجتمع المحافظ بشدة هو “ثيوقراطية” على غرار تنظيم الدولة الإسلامية.
وينقل التقرير عن “جيفري” أن “بن زايد” قال له: “أي شخص يحل محل آل سعود سيكون كابوسا.. علينا أن نساعدهم على مساعدة أنفسهم”.
من هنا جاء صعود “بن سلمان” في السعودية وتأييد “بن زايد” له، ومشاركته إياه، بدءا من مارس/ آذار 2015، في حرب اليمن ضج الحوثيين (حلفاء إيران)، التي توقع الكثيرون أن تستمر بضعة أشهر على الأكثر، وبدلاً من ذلك، استمرت ما يقرب من 5 سنوات، وباتت كارثة صدمت ضمير العالم.
ويشير التقرير إلى أن ولي عهد أبو ظبي يشرف على أكثر من 1.3 تريليون دولار في صناديق الثروة السيادية، ويدير جيشا مجهزا وتدريبا أفضل من أي شخص آخر في المنطقة باستثناء (إسرائيل)، على الرغم من صغر حجم بلده، إذ هناك أقل من مليون مواطن إماراتي.
ويذكر معد التقرير أنه رتب لمقابلة مع “بن زايد” لمدة اقتربت من عام، إذ لم يسبق لولي عهد أبو ظبي إجراء مقابلة مسجلة مع صحفي غربي، مشيرا إلى أنه كان محظوظًا لأن جهوده تزامنت مع دفع دائرة “بن زايد” الداخلية له ليكون أكثر انفتاحا وشفافية.
ومع ذلك، فقد كان مستشاروه قلقين للغاية بشأن ما يمكن نقله من الحوار، خوفا من أن يقوم أعداؤه بإساءة استخدام كلماته، حسبما يؤكد “فورث”.
وعلم الكاتب الأمريكي من مستشاري “بن زايد” أن ولي عهد أبوظبي يحب “الخروج عن النص”، فهو يقود سيارته في أنحاء أبوظبي على عجلة سيارة نيسان باترول البيضاء ويظهر في المطاعم المحلية دون سابق إنذار، كما أنه من عشاق اللياقة البدنية، وغالبا ما يعقد اجتماعات أثناء المشي لمسافات طويلة، وأحيانا يدون الملاحظات على يده.
ويشير الكاتب، الذي حاور “بن زايد”، لمدة ساعة أن الأخير يتكلم الإنجليزية بطلاقة مع لهجة بريطانية باهتة ومفردات أمريكية، ناقلا عنه أن نظرة والده “زايد” التعددية لدولة الإمارات هي أصل حملته المعادية للإسلاميين حاليا.
اضف تعليقا