حذر مقاول أمريكي يعمل مع الجيش الأمريكي قبل أربع سنوات على الأقل من خطر محتمل قد ينتج عن وجود مخبأ كبير للمواد الكيميائية القابلة للانفجار يتم تخزينها في ميناء بيروت في ظروف غير آمنة، وعلى الرغم من ادعائه أنه قام بإبلاغ المسؤولين وقتها، نفا المسؤولين الأمريكيين أنهم كانوا على علم بالنتائج حتى الأسبوع الماضي- بعد وقوع الانفجار.

وبحسب رقية دبلوماسية أمريكية -حصلت عليها الصحيفة- فإن خبير أمن الموانئ الأمريكي رصد وجود المواد الكيماوية وأبلغ عنه أثناء قيامه بالتفتيش سلامة الميناء، يقول المسؤولون الأمريكيون الحاليون والسابقون الذين عملوا في الشرق الأوسط إنه كان من المتوقع أن يقوم المقاول بإبلاغ السفارة الأمريكية أو البنتاغون بالنتائج، في نفي واضح عن ورود أي معلومة قبل الانفجار.

وكانت مواد كيميائية – بلغ مقدارها 2750 طنًا من نترات الأمونيوم – قد انفجرت يوم الثلاثاء الماضي، وهزت معظم أنحاء لبنان، وألحقت أضرارًا بالمباني في منطقة واسعة من وسط بيروت، مما أسفر عن مقتل أكثر من 150 شخصًا وتشريد مئات الآلاف، بالإضافة إلى تدمير عددا من أحياء وسط بيروت، وكذلك المنازل، كما تم إغلاق ثلاث مستشفيات، وقد صُنف هذا الانفجار – من شدته- بأنه زلزال طفيف.

من المتوقع الآن أن يتسبب هذا الانفجار في أزمة دبلوماسية بين الدول الغربية والولايات المتحدة، في حال تم التأكد من أن الولايات المتحدة كانت على علم بوجود المواد الكيماوية ولم تقم بتحذير أحد، حيث راح ضحية هذه الكارثة العشرات من الأفراد البعثات الدبلوماسية الغربية، ما بين قتلى وجرحى، حيث يقيم أغلب الدبلوماسيين الغربيين في شقق فارهة تطل على البحر الأبيض المتوسط ​​والميناء، مما وضعهم مباشرة في مسار الانفجار.

وقالت وزارة الخارجية الهولندية إن زوجة السفير الهولندي في لبنان هيدويغ والتمانس موليير توفيت متأثرة بجروح أصيبت بها في الانفجار. كانت تقف في غرفة معيشتها عندما وقع الانفجار، كما قتل ضابط قنصلي ألماني لم يكشف عن اسمه.

العديد من الدبلوماسيين الآخرين من الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة تحطمت نوافذهم وتضررت الممتلكات، كما تعرضت السفارتان البريطانية والفرنسية لأضرار، وتحطمت النوافذ في القصر الذي يعيش فيه السفير الفرنسي.

عندما أبلغت صحيفة The Times عن محتويات البرقية، أعرب البعض عن دهشتهم وغضبهم من تصرف الولايات المتحدة إن كانت حقاً على علم بهذه المعلومة، وقال دبلوماسي غربي شريطة عدم الكشف عن هويته بما يتفق مع البروتوكول الدبلوماسي “إذا تأكد ذلك، فسيكون الأمر صادمًا للغاية على أقل تقدير”.

من ناحية أخرى، قال دبلوماسيون من الدول المتضررة من الانفجار إنه ربما لم يكن هناك الكثير مما يمكن للولايات المتحدة فعله لإجبار الحكومة اللبنانية على نقل المواد، ومن جانبهم، قال مسؤولو الموانئ اللبنانية إنهم طلبوا مرارًا وتكرارًا نقل المادة الكيميائية، ولكن دون جدوى.

في تعليقه على محتوى البرقية، قال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن المقاول “قام بزيارة غير رسمية للميناء منذ حوالي أربع سنوات، ولم يكن في ذلك الوقت موظفًا في الحكومة الأمريكية أو وزارة الخارجية”، وأضاف إن الوزارة ليس لديها سجل بإبلاغ المقاول بالنتائج التي توصل إليها حتى الأسبوع الماضي بعد وقوع الانفجار المميت.

من الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة هي إحدى القوى الغربية القليلة التي تؤسس سفارتها وقنصليتها ودبلوماسييها خارج العاصمة بيروت، حيث يقع المجمع الدبلوماسي الأمريكي الخاضع لحراسة مشددة في بلدة عوكر الجبلية على بعد ثمانية أميال من العاصمة، كما تطلب الولايات المتحدة من جميع دبلوماسييها العيش في مجمع السفارة واتباع إجراءات أمنية صارمة عند مغادرتهم.

كانت السفارة الأمريكية موجودة في بيروت إلى أن تم نقلها بعد عدة هجمات في الثمانينيات، أبرزهم انفجار عام 1983 الناجم عن تفجير سيارة مفخخة أدى إلى تفجير واجهة السفارة وقتل 17 أميركياً و 46 آخرين.

البرقية الدبلوماسية الُمشار إليها، والتي تميزت بأنها غير سرية لكنها حساسة، صدرا عن سفارة الولايات المتحدة في لبنان يوم الجمعة، وقد كشفت هذه البرقية أن هناك مسؤولين لبنانيين كانوا على دراية بنترات الأمونيوم، وهو مُركب يستخدم عادة في صناعة الأسمدة والقنابل، وصلت شحناته إلى بيروت عام 2013 وتم تفريغه في حظيرة الموانئ في العام التالي.

كما أشارت البرقية إلى أن مستشارًا أمنيًا أمريكيًا عينه الجيش الأمريكي اكتشف المواد الكيميائية أثناء فحص السلامة.

وبحسب البرقية، فإن المستشار “نقل أنه أجرى عملية تفتيش على مرافق الميناء بشأن الإجراءات الأمنية، وأبلغ خلالها المسؤولين في الميناء عن التخزين غير الآمن لنترات الأمونيوم”.

ليس من الواضح في البرقية متى نقل المستشار تلك المعلومات؛ ومع ذلك، يقول العديد من المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين الذين عملوا في الشرق الأوسط أن المستشار كان عادة ما ينقل نتائجه على الفور إلى المسؤولين الأمريكيين الذين أشرفوا على العقد، في هذه الحالة السفارة أو وزارة الخارجية أو البنتاغون.

وقالت البرقية إن التفسير الأولي للحكومة اللبنانية حول سبب اشتعال نترات الأمونيوم يثير الشكوك والريبة، حيث قالوا إن حريقًا اندلع في حظيرة مجاورة مليئة بالألعاب النارية ثم انتشر، مما تسبب في انفجار مادة نترات الأمونيوم “الأكثر تدميراً”، في انفجار دمر معظم بيروت.

وبخلاف التفسير اللبناني، قالت البرقية إنها ترجح أن تكون الذخيرة المخزنة في المنفذ قد خلقت القوة اللازمة لتفجير نترات الأمونيوم، مضيفة أن سبب “الحريق الأولي لا يزال غير واضح – كما هو الحال فيما إذا كانت هناك ألعاب نارية أو ذخيرة أو أي شيء آخر مخزّن بجوار نترات الأمونيوم”.

تفسير البرقية كان متشابهاً إلى حد كبير مع التفسير الأمريكي، حيث قال وزير الدفاع مارك ت. إسبر إن الحكومة الأمريكية لا تزال غير متأكدة من السبب الذي أدى إلى انفجار نترات الأمونيوم، مشيرة أنه ربما كان “شحنة أسلحة تابعة لحزب الله هي التي انفجرت”.

من جانبه، نفى حسن نصر الله زعيم حزب الله في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي أن يكون للحزب أي علاقة بالانفجار، قائلاً “أنفي بشكل قاطع الادعاء بأن حزب الله لديه مخبأ أسلحة أو ذخيرة أو أي شيء آخر في الميناء”.

العديد من الدبلوماسيين رجحوا صدق تصريحات حسن نصر الله، حيث قال دبلوماسيون في بيروت ومسؤولون سابقون في البنتاغون والمخابرات الأمريكية إن حزب الله يستخدم الطرق البرية لتهريب الأسلحة وليس ميناء بيروت، معتمدين في تصريحاتهم على طريقة عمله وسيطرته على المطار وبعض المعابر الحدودية مع سوريا.

على الرغم من ذلك، قال مسؤول إسرائيلي إن منطقة الميناء التي وقع فيها الانفجار كانت مليئة بمنشآت تابعة حزب الله، بحسب تقييم استخباراتي إسرائيلي، رغم أن إسرائيل ليس لديها دليل قاطع يربط حزب الله بمخزن نترات الأمونيوم.

على الصعيد المحلي، قال الرئيس اللبناني ميشال عون يوم الجمعة إن سبب الانفجار لم يتحدد بعد، لكنه أشار إلى “احتمال تدخل خارجي من خلال صاروخ أو قنبلة أو أي عمل آخر”.

يُذكر أن ترامب كان قد أثار في خطاب له الأسبوع الماضي احتمال أن يكون الانفجار ناتجًا عن هجوم، لكن العديد من مسؤولي الدفاع دحضوا هذا التأكيد لاحقًا.

أثار الانفجار موجة غضب عارمة ضد النخبة السياسية اللبنانية أدت إلى استقالة الحكومة يوم الاثنين، كما طالب الشعب اللبناني بإجراء تحقيق دولي، وهي الفكرة التي رفضها السيد عون، واصفاً التحقيق الدولي بأنه “مضيعة للوقت”، وقد أيد الرئيس في ذلك حسن نصر الله، الذي طالب الجيش اللبناني بإجراء التحقيق.

وبحسب سفارة الولايات المتحدة فإن العديد من اللبنانيين لا يؤيدون إجراء تحقيق من قبل حكومتهم بسبب فقدانهم الثقة بالنظام.

تعليقاً على ذلك قال محللون إن المسؤولين اللبنانيين ربما يعرقلون إجراء أي تحقيق دولي لإخفاء مشكلات أكبر في الميناء الذي تسيطر عليه عدة جهات سياسية، بما في ذلك حزب الله.

قال بريان كاتز، محلل الشرق الأوسط العسكري والإرهاب السابق لوكالة المخابرات المركزية، الذي ترك منصبه: “لماذا قد لا تريد الحكومة اللبنانية إجراء تحقيق دولي؟! هذا لأنها ربما لا تريد الكشف عن مدى فسادها وعدم كفاءتها”.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

اقرأ أيضًا: لوموند: العواقب الوخيمة لانفجار بيروت بدأت في مطاردة المسؤولين