منذ سبتمبر/أيلول 2014 واليمن في حالة حرب أهلية بين ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران والموالية للرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح وبين أنصار حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي والتي دعمت لاحقاً بقوات تحالف عربية بقيادة السعودية والإمارات في مارس/أذار 2015، وقد أدت إلى هذه الحرب حدوث أسوأ كارثة إنسانية في التاريخ الحديث بحسب توصيفات الأمم المتحدة.
تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات أدى إلى تفاقم الأزمة في اليمن وتدهور الأوضاع بصورة كبيرة وسريعة، حيث تدخل التحالف في المشهد في مارس/آذار 2015 بحجة إنقاذ اليمن من جرائم وعنف ميليشيات الحوثي التي بدورها أحدثت خسائر فادحة في اليمن، إلا أنه وبحسب تقارير أممية وحقوقية دولية فإن قوات التحالف لم تحقق الهدف التي زعمت التدخل في اليمن بسببه، بل استخدمت العنف المفرط ضد المدنيين، وساهمت هي الأخرى في إحداث كوارث في اليمن وتسببت في وقوع خسائر بشرية وتدمير البنية التحتية، خاصة تلك الانتهاكات والجرائم التي تمت على يد الإماراتيين والقوات المسلحة المدعومة منهم كقوات الجزام الأمني، والتي ترقى لجرائم الحرب كالاعتقال والخطف والتصفية الجسدية لكل معارض لتوجهات شيوخ أبو ظبي وسياساتهم.
تشير كافة أصابع الاتهام المدعومة بالأدلة إلى تحمل الإمارات المسؤولية المباشرة عن ملف الاغتيالات والتصفية الجسدية في اليمن والتي تمت بحق مواطنين ورجال الدين معارضين لسياساتها داخل اليمن، ورافضين لتدخلها بتلك الصورة الفجة والقمعية وارتكاب الانتهاكات والجرائم والتي أكدتها تقارير الأمم المتحدة وكبرى المنظمات الحقوقية الدولية، وذلك عن طريق تجنيد عناصر محلية وأحياناً أجنبية مقابل المال وامتيازات أخرى، مع توفير كافة الأسلحة المطلوبة لتنفيذ تلك العمليات.
عمليات اغتيال لرجال الدين
مؤخراً نشرت وسائل إعلام يمنية وعالمية تحقيقات النيابة في عدن حول مقتل رجل الدين اليمني سمحان الراوي والذي قتل مطلع 2016، والتي أفادت بتورط نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، هاني بن بريك- الداعية السلفي ورجل الإمارات في اليمن كما يُطلق عليه من الجميع، في تلك العملية وغيرها من العمليات التي اعترف بها أعضاء الخلية الذين تم القبض عليهم واعترفوا بارتكاب تلك الجرائم والاغتيالات بأوامر مباشرة من هاني بن بريك لحساب القوات الإماراتية.
التحقيقات التي جريت في عدن وتم الكشف عنها مؤخراً أفادت بقيام هاني بن بريك بتجنيد نحو 30 عنصراً، كانوا هم قوام فرق الاغتيالات التي أشرف عليها بن بريك والتقاها بنفسه للتدريب أو شرح جوانب العمليات التي تهدف إلى تصفية قائمة من الشخصيات العامة اليمنية وأئمة مساجد في عدن عددهم 25 شخصاً، وكان الشيخ سمحان الراوي أحد الأسماء المنصوص عليها في تلك القائمة.
الخلية التي أُلقي القبض عليها واعترفت لاحقاً بتنفيذ عملية اغتيال الشيخ سمحان عبد العزيز الراوي- إمام وخطيب مسجد ابن القيم الواقع في مديرية البريقة في محافظة عدن، مطلع 2016، مكونة من 3 أفراد هم حلمي جلال محمد محسن وسمير مهيوب ناجي علي وعبد الله عبد الرحمن الضباعي، حيث اعترفت الخلية أنها تسلمت أربع قطع آلي رشاش نوع روسي إضافة الى سيارة كورولا وشاص ومبلغ مليون ريال لكل واحد مكافأة على قتلهم الشيخ راوي مقدمة من نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك عبر شقيقه صلاح، الذي أشارت التحقيقات إلى وجود صلة بينه وبين المتهمين، الذين تضمنت اعترافاتهم أيضاً معلومات تفيد أن هاني بن بريك أرسل صور الشيخ راوي للمتهم الرئيسي وهو حلمي جلال عبر تطبيق الواتسآب باعتباره – أي الشيخ راوي- الهدف المراد تصفيته، كما اعترف حلمي جلال أنه كان يلتقي نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك في معسكر التحالف الواقع في طريق البريقة للتخطيط لعمليات الاغتيال وأن المسدس الذي تم به تصفية الشيخ الراوي نوع (تاتا) لونه اسود صرف شخصياً من هاني بن بريك وتم التخلص منه لاحقا عبر بيعه من قبل أحد المتهمين، بالإضافة إلى توفير السيارة التي نفذت بها العملية وهي من نوع “كيا”، حيث تم اقتياد الشيخ الراوي بداخلها بعد استدراجه بحجة تقديم النصح لأحد الأفراد للانتظام في الصلاة، ثم قتله على طريق الممدارة عند خط المشروع بالقرب من مدرسة الراشد.
ومنذ تحرير عدن بمساعدة التحالف العربي الذي تقوده السعودية، في يوليو/تموز 2015، من سيطرة الحوثيين شكَّل اغتيال الدعاة والعلماء ظاهرة خطيرة مستمرة حتى اليوم، حيث سُجِّل خلال عام ونصف فقط اغتيال نحو 17 رجل دين معارضين لتوجهات شيوخ أبوظبي، سواء من التيار السلفي أو من رموز تيار الإصلاح القريب من “الإخوان المسلمين”، ورافقت ذلك حملات اعتقال طالت قيادات يمنية بارزة، بذريعة مكافحة الإرهاب.
من هو هاني بن بريك؟
يعد هاني بن بريك الداعية السلفي السابق وعضو المجلس الانتقالي الجنوبي المنشق عن حكومة هادي منصور، أحد أذرع الإمارات الموجودة في عدن، أو كما يعتبره البعض، رجل الإمارات في اليمن، كونه وعلى صلة وثيقه بولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، ما أهله لأن يشغل حالياً منصب نائب رئيس هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات.
هاني بن بريك، هو الرجل الأبرز في منطقة الجنوب، على صلة وثيقة بالقيادات في أبو ظبي لذلك تعتمد عليه الإمارات في تنفيذ سياساتها في الجنوب، كما أنه قائد قوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات، والتي يبلغ قوامها ما يقارب اثني عشر ألف عنصر يتوزعون بين عدن ولحج وأبين، ومنها لواءان في المخا، كما أنه أبرز الداعين إلى انفصال الجنوب اليمني عن الشمال وهو كذلك المشرف على أجهزة الحزام الأمني من الناحية الدينية والتوجيه المعنوي ومن ناحية مطابخ التغذية، حيث يقوم بزيارة المعسكرات والسجون التابعة للقوات الإماراتية، ويشرف على المطابخ هناك، كما يقوم بتحريض السجانين على المعتقلين ويشحن الجنود ضدهم بقوله لهم أنهم يستحقون التعذيب والعقاب لاشتراكهم في عمليات تضر بالبلاد، كما أنه كان يحضر بنفسه عمليات تعذيب بعض المعتقلين في سجن أبي زرعة، بالإضافة إلى إصداره فتاوى للضباط تبيح قتل الشخصيات المعارضين للتوجه الإماراتي بحجة دعمهم للإرهاب، حيث نقل بعض الضباط عنه حرفياً قوله لهم ” الخصوم الإسلاميين مثل حزب الإصلاح هم خوارج يستحقون القتل وهو المبرر المعنوي الذي يستحل به القتلة التابعين لهم تنفيذ عمليات الاغتيال”.
كان هاني بن بريك محسوباً على التيار السلفي قبل تبرؤ أئمة ومشايخ السلفية باليمن منه في أغسطس/آب 2016 حيث أصدروا بياناً يتبرأون فيه منه ويحذرون من التعامل معه لتبنيه سياسات متطرفة وإرهابية تدعو إلى إثارة الفتن وتقسيم اليمن، وقد قاد بن بريك فيما بعد دعوته لانفصال الجنوب اليمني، خصوصاً بعد قيام الرئيس اليمني الشرعي عبد ربه منصور هادي بإقالة هاني بن بريك من منصبه الذي عينته فيه القوات الإماراتية كوزير للدولة في أبريل/نيسان2017، وذلك لقيامه بعدة مخالفات، وهو ما أثار غضب بن بريك وبناء عليه أعلن تمرده على الرئيس اليمني، وتبنى أفكاراً مخالفة له ولسياساته، وبعد هذه الإقالة قامت الإمارات بإنشاء المجلس الانتقالي وتعيين بن بريك نائباً لرئيس ذلك المجلس.
لا يقوم هاني بن بريك بتنفيذ سياسة الإمارات في اليمن عن طريق محاربة المعارضين لها وحسب، بل يقوم باستغلال الشباب دينيا وماليا لتنفيذ أجندة خاصة بالإمارات وذلك عن طريق تنفيذ عمليات إرهابية، فله صور مع أشخاص قاموا بتنفيذ عمليات انتحارية مثل صوره المنتشرة مع الشاب أحمد سيف والذي قام بتفجير سيارة مفخخة في 29 أغسطس/آب 2016 في مركز تجنيد في عدن، كما أنه يعمل على بناء مركز تعليمي في منطقة بير أحمد يسعى فيه لإعادة العديد من العناصر الأجنبية التي كانت تتواجد في مركز الفيوش وتم ترحيلها في العام 2014 بسبب اتهامهم بالإرهاب واعتناقهم أفكاراً متطرفة.
ومن المعلوم في اليمن عن هاني بن بريك أنه أحد رؤوس التحريض على القتل حتى خلال حسابه على تويتر، أو من خلال جماعته الذين يقومون بالاستيلاء على المساجد في عدن بعد قتل أئمتها وتسليمها له، كما أنه يقوم بالتحريض على انفصال الجنوب ويساعد على زرع الفرقة ونشر الطائفية وتمزيق النسيج الاجتماعي باليمن وذلك من خلال نشر أفكاره المتطرفة في محاضراته في المساجد العادية أو مساجد السجون التابعة للتحالف.
كما أن بن بريك قام بإعلان تأييده القيادي السلفي “عادل عبده فارع الذبحاني” الملقب بأبو العباس، بعد إعلان الخزانة الأميركية كداعم وممول للإرهاب في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2016، وهو إعلان لا يدع مجالاً للشك حول ميول بن بريك المتطرفة، بالإضافة إلى تواجد عدد كبير من العناصر الإرهابية المتطرفة ضمن قوة الحزام الأمني التي يشرف عليها وعلى تدريباتهم هاني بن بريك والتي تتلقى تمويلاً مباشراً من الإمارات.
اضف تعليقا