لم تمض سوى بضع ساعات على إصدار سفارات 25 دولة في بغداد، بينها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بيانا لدعم العراق عقب اجتماع مع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، في 30 سبتمبر/أيلول 2020، حتى استهدفت صواريخ المليشيات مقرا للتحالف الدولي في محافظة أربيل شمالي البلاد، دون وقوع خسائر.

وأعلن جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم شمالي العراق، أن الصواريخ أُطلقت من منطقة وادي ترجلة بقضاء الحمدانية في محافظة نينوى، وهي منطقة خاضعة لسيطرة الحشد الشعبي، فيما أعلن الجيش العراقي إيقاف القائد العسكري المسؤول عن تأمين المنطقة التي انطلقت منها الصواريخ.

ومنذ أشهر تتواصل الهجمات الصاروخية التي تستهدف بعثات سفارات أجنبية في المنطقة الخضراء ببغداد، لاسيما السفارة الأمريكية، إلى جانب استهداف قواعد عسكرية تستضيف قوات التحالف الدولي، وأرتال تنقل معدات لوجستية.

فيما تتصاعد مطالبات القوى السياسية بضرورة وضع حد لتلك الهجمات.. فلماذا تريد المليشيات الموالية لإيران إحراج رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وكيف سيتعامل الأخير معها؟

 

دوافع غير وطنية

في بيان رسمي، قال رئيس الوزراء الكاظمي، إن “مستهدفي البعثات الدبلوماسية يتحركون بوحي من دوافع غير وطنية”. وذلك خلال استقباله سفراء 25 دولة بناء على طلبهم، لمناقشة التطورات الأخيرة فيما يتعلق بأمن البعثات الدبلوماسية في العراق.

وأوضح الكاظمي في بيان صادر عن مكتبه في 30 سبتمبر/أيلول 2020، أن “الخارجين على القانون الذين يحاولون الإساءة الى سمعة العراق والتزاماته الدولية يتحركون بوحي من دوافع غير وطنية، ويزدرون إرادة الشعب العراقي ومرجعياته الدينية والسياسية والثقافية التي أجمعت على خطورة ما يقومون به”.

ولفت إلى أن “مرتكبي الاعتداءات على أمن البعثات الدبلوماسية يسعون الى زعزعة استقرار البلد، وتخريب علاقاته الإقليمية والدولية” مشيرا إلى أن “هذه الهجمات لا تستهدف البعثات الدولية فقط، وإنما طالت الأبرياء من المواطنين، بمن فيما ذلك الأطفال”.

وشدد رئيس الحكومة بحسب البيان، على أن بلاده حريصة على فرض سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة وحماية البعثات والمقرات الدبلوماسية. مؤكدا أن “مؤسسات الدولة الأمنية عازمة على وضع حد لتلك الهجمات، وقد شرعت باتخاذ الإجراءات الضرورية لتحقيق هذا الهدف”.

تهديد أمريكي

وكشفت وسائل إعلام دولية وعراقية، في 25 سبتمبر/أيلول 2020، أن الولايات المتحدة الأمريكية بعثت رسالة تهديد شديدة اللهجة إلى الحكومة العراقية والمليشيات الشيعية، على خلفية استمرار الهجمات الصاروخية ضد سفارتها في بغداد.

وبحسب تلك الوسائل الإعلامية فإن “الرسالة السرية” أُرسلت عبر وزير الخارجية “مايك بومبيو” إلى الرئيس العراقي برهم صالح، الذي أوصلها بدوره لرئيس الحكومة، فيما قام الأخير بإيصالها إلى القوى الشيعية في اجتماع عقد قبل أيام.

حيث أبلغ الكاظمي القادة الشيعة بأن بومبيو حذر الرئيس صالح من أن واشنطن ستُغلق سفارتها في بغداد، وتنتقم من الفصائل الشيعية المسلحة على اعتبار أنها “أهداف مشروعة” إذا لم تتوقف الهجمات على البعثات الدبلوماسية.

تنصّل سريع

وإثر التهديد الأمريكي، سارعت العديد من القوى الشيعية السياسية وأذرعها المسلحة، إلى التبرؤ من استهداف البعثات الدبلوماسية والقواعد العسكرية التي تستضيف قوات أمريكية.

وأعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر رفضه القاطع تحول العراق إلى مستعمرة أجنبية، وقال في تغريدة على موقع تويتر: “لن نسمح بأن يكون العراق مستعمرة أجنبية، لا شرقية ولا غربية، دولة عراقية قوية ذات سيادة”. 

كما أصدرت هيئة الحشد الشعبي، وتحالف الفتح النيابية، وحركة النجباء، بيانات تبرأت فيها من الهجمات على المصالح والقوات الأجنبية في البلاد.

وكانت مليشيات شيعية مسلحة، بينها حركة النجباء، قد هددت في وقت سابق، باستهداف القوات والمصالح الأمريكية، من بينها مقر سفارة واشنطن في بغداد، وأشارت إلى أنها “تمتلك أسلحة دقيقة” لتنفيذ الهجمات.

ويرى عضو البرلمان العراقي مثنى أمين، أن المجتمع الدولي سيتحرك ضد البلد ويتعامل معه على أنه “دولة مارقة”، في حال لم يفِ بتعهداته في حماية البعثات الدبلوماسية.

ودعا أمين حكومة الكاظمي إلى “ردع الجماعات المنفلتة”، وإيقاف الهجمات الصاروخية التي تستهدف البعثات الدبلوماسية في البلد، محذرا من أن العراق مقبل على سيناريوهات خطيرة على المستوى الاقتصادي إذا لم يتم التعامل بجدية مع هذه القضية.

من جانبها، طالبت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، باتخاذ موقف حازم تجاه الخروقات الأمنية التي تتعرض لها البعثات الدبلوماسية والمقرات الرسمية.

تحرك حكومي

وفي خطوة عملية لرفع الحرج عن البلاد، كشفت مصادر أمنية رسمية صدور أمر من الكاظمي، بتكليف اللواء الركن حامد الزهيري بمهام قائد الفرقة الخاصة التابعة لرئاسة مجلس الوزراء المكلفة بتأمين المنطقة الخضراء، في العاصمة بغداد. 

وأوضحت المصادر أن الفرقة الخاصة ستتولى مسؤولية حماية القصر الجمهوري، والمرافق الحكومية الاستراتيجية، ومبنى السفارة الأمريكية، بالإضافة إلى السفارات الأجنبية والبعثات الدبلوماسية.

وفور تسنمه المهمة الأمنية الحساسة، شدد اللواء الزهيري على الالتزام بالقانون لحفظ “هيبة الدولة”، قائلا: “لا ولاء إلا للعراق، ولا سيادة إلا للقانون، ولا هيبة تعلو فوق هيبة الدولة وقواتها المسلحة والفرقة الخاصة”.

ويرى مراقبون أن استمرار الهجمات على مقرات البعثات الدبلوماسية، والقواعد العسكرية التي تستضيف قوات أجنبية، يضع حكومة مصطفى الكاظمي والمليشيات الموالية لإيران تحت ضغط المواجهة التي يبدو أنها لا مفر منها، لكن لا يمكن تحديد موعد اندلاعها بالضبط.