ما أن انتهت مهلة الهدنة الإنسانية التي أعلنها التحالف في اليمن لمد أسبوعين، إلا وخرج العقيد الركن تركي المالكي ليعلن تمديد وقف إطلاق النار من جانب واحد في اليمن لمدّة شهر لدعم جهود احتواء جائحة كورونا، مجددا التأكيد أن “الفرصة لا تزال مهيأة لتضافر كافة الجهود للتوصل إلى وقف شامل ودائم لإطلاق النار في اليمن”
وكانت الهدنة الأولى قد انتهت دون تحقيق أي نتائج، بل تصاعدت الخروقات الجوية والبرية من الطرفين في عدد من المحافظات، وأعلن الحوثيون أن الهدنة الأولى شهدت تنفيذ 500 غارة جوية، واعتبروا أن الهدنة ما هي إلا “مناورة سياسية وإعلامية”، تخفي وراءها تصعيدا متواصلا وقصفا مستمرا على محافظات عدة أبرزها الجوف ومأرب والبيضاء.
ويبدو أن الهدنة الثانية ستكون مثل سابقتها التي أعلنها التحالف السعودي، حيث لا يزال التصعيد العسكري سيد الموقف رغم حلول رمضان والدعوات الأممية لطرفي النزاع، بأن يكون الشهر المبارك مصدر إلهام لهما في إلقاء السلاح.
تخبط سعودي
ويرى محللون أنه بعد مرور 5 أعوام على التدخل السعودي في اليمن، يبدو أن الرياض عالقة في مستنقع اليمن، بينما لم يتغير الوضع على جبهات القتال كثيراً منذ قيام التحالف وشركائه المحليين بدحر الحوثيين من عدن في الشهور الأولى من انطلاق التدخل العسكري، وتحملت السعودية كلفة الحرب المرتفعة للغاية ليس على الصعيد العسكري والمالي فحسب، بل أيضاً على الصعيد الدبلوماسي.
وبالنظر إلى نطاق وحجم التدخل السعودي العسكري في اليمن فإنه جاء في أعقاب صعود محمد بن سلمان، أوائل العام 2015 إلى السلطة، والذي أحدث عدة تخبطات سياسية واسعة في سياسة المملكة الخارجية، وخلال أعوام قليلة شنت السعودية حرباً وحشية في اليمن كانت في بدايتها أسبوعين فقط، لكنها امتدت إلى 5 سنوات، كما قادت حصاراً على قطر، وأثارت خلافاً دبلوماسياً مع كندا، واختطفت رئيس الوزراء اللبناني وأجبرته على الاستقالة في خطاب متلفز، وأخيرا اغتالت الكاتب الصحفي البارز جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
وبالعودة إلى اليمن، تريد السعودية أن تظل منخرطة في اليمن، لكنها في الوقت نفسه تريد خفض تكاليف هذا التدخل. طبعاً القول دائما أسهل من الفعل، خاصةً أن السعودية لم تقم حتى الآن بإعداد وتنفيذ استراتيجية تسمح لها بتحقيق هذا الأمر، وفي الوقت نفسه لا تستطيع الرياض تحمل كلفة الانسحاب التام من اليمن بالنظر إلى الأهمية الجيوستراتيجية التي تمثلها الأخيرة بالنسبة للمملكة وبالتالي فهي في الواقع تتطلع إلى إعادة ضبط تدخلها عوضاً عن الانسحاب التام.
وعن الهدنة التي اعتمدها التحالف ثم مددها لمدة شهر لدعم احتواء كورونا، فإن هناك تفسير يدفع إلي فشلها، حيث أنه من المحتمل أن تكون السعودية قد لجأت إلى القرار من جانب واحد كإحدي حملاتها للعلاقات العامة وتحسين صورتها لا أكثر، أي أن الرياض ارتأت أخذ الجانب الأخلاقي في الأزمة بسبب جائحة كورونا، وعلى الجهة الأخرى تثبت أن الحوثيين مسؤولون عن الكارثة الإنسانية في اليمن.
وما يدلل على أن الهدنة قد تكون صورية لا أكثر، هو رد فعل الحوثي نحوها حيث اعتبر القيادي الحوثي البارز محمد البخيتي أنه “لا توجد هدنة حتى تقوم السعودية بتمديدها وإنما تصعيد وقامت بتمديده، هدف السعودية من هذا الإعلان الكاذب هو التبرير المسبق لهزيمتها المتوقعة في مأرب”.
كما اعتبرت قناة “المسيرة “الناطقة بلسان الحوثيين، إعلان التحالف السعودي للهدنة الجديدة، أنه يشكل هروبا من تقريع العالم له على الفشل، وأنه يبحث عن ترتيب صفوفه فقط على الأرض، مضيفة أن “كل الخيارات أمامهم مفتوحة ولن يقفوا مكتوفي الأيدي”.
استغلال إماراتي
من جهة أخري، فإن الإمارات تحاول الاصطياد في الماء العكر، حيث يدفع مجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات باتجاه استقلال جنوب اليمن، وفي الطرف الثالث تقف القوى الموالية لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المدعومة من السعودية، والتي تتمنى إعادة تنصيبه رئيسا لليمن الموحد.
ومنذ سحب الإمارات لجنودها من اليمن في فبراير/ شباط الماضي، فإن تقارير تؤكد أن أبوظبي أنفقت أموالا طائلة على تسليح وتدريب قوات “موازية” لقوات الحكومة الشرعية، بلغت نحو 200 ألف مقاتل، موزعين على العديد من التشكيلات القتالية التي تتخذ قراراتها باستقلالية شبه كاملة، عن قرار مؤسسات الحكومة الشرعية العسكرية والأمنية التي تتخذ من مدينة عدن، جنوب اليمن، عاصمة “مؤقتة” لها.
ويرى مسؤولون يمنيون أن دور القوات الإماراتية في اليمن طوال خمس سنوات، اقتصر على لعب أدوار غير قتالية، من خلال تمويل تشكيلات قتالية “موازية”، حاولت أن تجعل منها بديلا عن مؤسسات الحكومة الشرعية، الأمنية والعسكرية، وهو ما جعل الوضع حاليا باليمن معقدا على السعودية نفسها، بسبب القوات العسكرية التي تدين للإمارات بالولاء، وتعمل على تنفيذ استراتيجيتها المتمثلة بالحفاظ على مصالحها الاقتصادية في الموانئ والثروات النفطية، ومواصلة الحرب التي تشنها على الجماعات المسلحة المرتبطة بحركات الإسلام السياسي، مثل حركة التجمع اليمني للإصلاح، بعيدا عن أهداف السعودية الأساسية من الحرب.
ومؤخرا، قالت صحيفة الغارديان إن تصادم المصالح الحاصل في اليمن، بين المملكة العربية السعودية، والإمارات، يعمل على استمرار النزاع هناك، ويبدو السلام بعيد المنال حاليا، وتابعت بأن السعودية والإمارات تتنافسان على السيطرة في جنوب اليمن حيث تدعم الإمارات الانفصاليين الذين يقولون إنهم يريدون استقلال الجنوب من جديد.
اقرأ أيضاً: صحيفة إسبانية: حرب اليمن تهدد هيمنة بن سلمان في الشرق الأوسط
اضف تعليقا