الإمارات تنتهك حقوق الإنسان

كشفت المحامية الحقوقية اليمنية هدى الصراري، المتخصصة في قضايا العنف الأسري والجنساني، خلال لقاء مع موقع ” إنترسبت”، عن حالات اختطاف وإخفاء قسري لعدد كبير من للرجال والشباب اليمنيين دون معرفة طريقهم.

بدأت هذه الحالات بعد فترة قصيرة من تدخل التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن، حيث ظهر خلال تلك الفترة سيطرت الإمارات على مساحات واسعة جنوب اليمن، وأفادت تقارير عن تزايد عدد المختفين قسرًا في مدينة عدن ومحيطها، وأن هؤلاء الرجال تعرضوا للاحتجاز والضرب والتعذيب على يد قوات الأمن اليمنية الغير رسمية الموالية للإمارات.

 

انتهاكات لحقوق الإنسان

وبدأت الصراري، بالتعاون مع مجموعة من المحامين والنشطاء، البحث والتحقيق حول هذه التقارير، والتي كشفت عن قاعدة بيانات تضمنت أسماء أكثر من 10 آلاف من الرجال والصبيان، احتجز معظمهم خارج نطاق القانون.

 وساعد ذلك في كشف شبكة من السجون السرية التي تديرها الإمارات بعلم القوات الأميركية وأحياناً بمشاركة مباشرة منها.

أثار الكشف عن انتهاكات التحالف في جنوب اليمن أهمية التقصي حول تورط القوى الأجنبية في اليمن، في انتهاكات حقوق الإنسان التي ما زال حلفاء الولايات المتحدة يرتكبونها تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.

 وساهمت عملية التوثيق في إطلاق سراح أكثر من 260 معتقلاً في الأشهر التي تلت نشر التقارير.

وفقًا للصراري، ما زال هناك أكثر من 1000 شخص رهن الاعتقال حتى اليوم، وهناك أكثر من 40 شخصاً في عداد المفقودين، لا يُعرف مصيرهم ولا مكانهم.

وقد أحال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية الأسئلة التي وردت في التقرير إلى وزارة الدفاع، بينما رفضت دولة الإمارات التعليق حول الموضوع.

هربت الصراري من اليمن عام 2019 بعد مقتلها ابنها، الذي اعتبرته انتقامًا من أنشطتها الحقوقية، وهي تقيم في بلد طلبت عدم الإفصاح عنه، حيث تواصل أعمالها الحقوقية في كشف الانتهاكات في اليمن.

فتقول الصراري، “سأواصل عملي، ولم أندم قط على ما فعلته برغم الخسارة التي تكبدتها، لم أعد قادرة على العيش في اليمن والبقاء مع عائلتي بسبب عملي، إنها مسؤوليتي كوني محامية، ومدافعة عن حقوق الإنسان، وإنسانة، يجب أن أدافع عن هؤلاء الضحايا لأنهم لا يملكون ملجأ آخر”.

 

تفاصيل مرعبة

واستولت جماعة الحوثي على صنعاء في 2014، مما أدى للتدخل السعودي الإماراتي في اليمن تحت مسمى ” التحالف العربي”، ونتج عنه تحول عدن لعاصمة مؤقتة للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي المدعوم سعوديًا، فانقسمت اليمن إلى الشمال الذي تسيطر عليه جماعة الحوثي، والجنوب الذي تسيطر عليه القوات الحكومية اليمنية المدعومة سعوديًا، وفي أثناء ذلك تركزت القوات الإماراتية في المناطق الجنوبية، حيث بدأت في حملات ما أسمته “مكافحة الإرهاب” بدعم وإشادة امريكية، حيث أشاد نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق، مايكل موريل، بدور الإمارات في جنوب اليمن ووصفه بأنه “حل نموذجي للتعامل مع الجماعات الإرهابية”، ودعا إلى أن يكون التدخل”نموذجاً يُحتذى به للدول الأخرى في المنطقة”، وقد اعتاد مسؤولون عسكريون أميركيون أن يشيروا إلى الإمارات بلقب “سبارتا الصغيرة”.

حيث بدأت الإمارات في إنشاء أجهزة أمنية موازية تابعة لها، وقامت بتدريب القوات اليمنية الخاصة، التي اتهمت لاحقًا بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان، ومنها قوات الحزام الأمني في عدن وقوات النخبة الحضرمية في حضرموت، وبرغم انسحاب القوات الإماراتية من اليمن عام 2020، إلا أنها ما زالت تتمتع بنفوذ كبير في الجنوب عن طريق الميليشيات والقوات التابعة لها.

وتقول الصراري: ” شكَّلت الإمارات هذه الميليشيات خارج إطار الدولة، بمعزل عن جهاز إنفاذ القانون في وقت تعطل فيه النظام القضائي”، مضيفةً ” لم تكن أقسام الشرطة فعالة، لذا تولت قوات الحزام الأمني التي شكَّلتها الإمارات مسؤولية العمل الأمني داخل محافظة عدن، وهذه هي القوات التي نفذت لاحقاً الغارات، والمداهمات، والاعتقالات”.

وكانت الصراري تتلقى من 10 إلى 20 حالة اختفاء يوميًا، وكانت في البداية تتجه إلى أنظمة الشرطة والقضاء الرسمية، ولكن سرعان ما استنتجت أنه “كانت هناك قوى أخرى غير قوى الأمن الرسمية تقوم بعمليات الاعتقال هذه”.

لذا بدأت مع زملائها بتدوين شهادات أسَر المختفين، وجمع تفاصيل حول نوعية الأسلحة التي كانت القوى الأمنية تحملها والكلمات المكتوبة على أزياء العناصر، وقد علموا أيضاً أن عمليات المداهمة كانت ممنهجة وتحدث حتى خارج عدن، في المناطق التي لا تخضع لجماعة الحوثي، وقد أصبحت التقارير كثيرة حتى أصبحت جداول للبيانات.

وقالت الصراري “لم يكن هناك طرف رسمي يتلقى البلاغات، لذا لجأت العائلات إلينا”، وأشارت الصراري إلى أنه عادةً ما كانت أمهات المختفين هنّ مَن يتعرّفن إليها، إما شفاهياً أو من خلال “رابطة أمهات المختطَفين”، وهي مجموعة مجتمع مدني يمنية تقودها النساء.

وكان المختفون ومنهم من قاتل ضد الحوثي يُتهم بالإرهاب وإقامة علاقات مع القاعدة أو داعش، حيث يتم احتجازهم في أكثر من عشر مقار ومراكز اعتقال غير رسمية.

ونجحت الصراري في تحديد موقع أماكن الاحتجاز، ومقابلة رجال كانوا معتقلين سابقين، وفي إحدى المرات تحدثت مع رجل أُطلق سراحه بعد اعتقاله مع أخيه، حيث أخبر الصراري أن قوات الأمن أغرقت رأس أخيه تحت الماء، وأنه على يقين من أن أخاه لم ينجُ.

وكانت ”أسوشييتد برس” و”هيومان رايتس ووتش”، وثقت في 2017 وجود سجون سرية، اعتُمد فيها بشكل كبير على عمل الصراري ونشطاء محليين آخرين، وأكدها عام 2018 محققو الأمم المتحدة، “فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين بشأن اليمن (GEE).

وتضمّنت التقارير شهادات معتقلين سابقين تعرضوا للعنف الممنهج والتعذيب على يد القوات الخاصة اليمنية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، ووصف شهودٌ تعرضهم للتعذيب والاعتداء الجنسي والاحتجاز في حاويات شحن مكتظة وعصْب العينين لأشهر متتالية، وقالوا إنهم رُبطوا بأسلاك وتعرضوا للصعق الكهربائي، وكانت مواقع الاحتجاز السرية في المطارات والقواعد العسكرية ومنازل خاصة ونادٍ ليلي، فيما أفاد بعض المحتجزين بأن الاستجوابات والتحقيقات معهم أجريت أيضاً على متن سفن، وشمل التعذيب أسلوباً يسمى “الشوّاية”، وخلالها يُربط الشخص ويدوَّر في حلقة من النار، وقد وصفه رجلٌ احتُجز في أحد المراكز بأنه “سجن بلا عودة”، وقال آخَر زار طفلاً محتجَزاً في زنزانة مكتظة في أحد المواقع إن الطفل “بدا مجنوناً”.

وبعد نشر تلك التقارير تعرضت الصراري لمضايقات كبيرة من مؤيدي التحالف السعودي، حيث وصفت بالخيانة والعمالة، حتى وصل الأمر للتهديد، واقتحام منزلها وسرقة هاتفها وتحطيم نوافذ سيارتها.

قالت كرستين بيكريل، الباحثة السابقة في الشأن اليمني في “هيومان رايتس ووتش”، إن “أي أحد تحدث علانية عن هذا الأمر واجَه مخاطر جمّة”، وأضافت أن تقرير عام 2017 الصادر عن المنظمة اعتمد بشكل كبير على عمل الصراري وآخرين.

وتابعت بيكريل: “لقد دفعت حقاً ثمنَ عملها. وهذا أمرٌ مُفجِع، لأننا نريد أن يصبح اليمن مكاناً يُكافَئ فيه أمثال هدى وغيرها ويُحتفَى بهم، لا أن تُهدَّد حياتهم”.

وفي مارس 2019، حين كانت الصراري تُناقش على التلفزيون موجة الاحتجاجات التي اندلعت ضد قوات الأمن الخاصة اليمنية، أُطلقت النيران على ابنها محسن (18 سنة) حين كان مشاركاً في أحد الاحتجاجات. شُلَّت حركته على الفور، وظل في العناية المركزة شهراً، قبل أن يفارق الحياة.

 وطالبت الصراري السلطات المحلية بالتحقيق في مقتل ابنها، لكنها تقول إن السلطات لم تفعل. ولذا بدأت التحقيق بنفسها، وعرفت من خلال شهود أن النيران لم تُطلَق عليه عشوائياً، كما اعتقدت في البداية، ولكن تمّ ذلك عمداً: من الأمام، وعلى مسافة قصيرة، وذلك من قِبل شقيق أحد كبار أعضاء “حزام الأمن” في عدن المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، ولم يتمكن موقع “إنترسبت” من التحقق من روايتها.

بعد موت ابنها، تجاهلت الصراري نصيحة الأصدقاء بالفرار من البلاد، وبقيت في اليمن، تواصل عملها في توثيق انتهاكات القوة الأمنية ذاتها المسؤولة عن وفاة ابنها، لكنها اضطرت للمغادرة بعد أشهر، عندما اشتدت حملة التشهير ضدها عقب الاعتراف الدولي بعملها.

وقالت إن نقطة التحول حدثت عندما هدد مجهول ابنها الآخر في تعليق على الإنترنت فقالت: “يجب أن يتخلصوا من ابن آخر من أبنائك لِتغادري البلاد”.

 وعبرت الصراري عن إحباطها الشديد من أن عملها لم يسفر عن اتخاذ إجراءات أكثر حزماً من جانب المجتمع الدولي، وبخاصة الولايات المتحدة، رداً على انتهاكات الإمارات في جنوب اليمن، مضيفةً أن “على الولايات المتحدة إخضاع الإمارات للمساءلة”.

وقالت في إشارة إلى المسؤولين الأميركيين: ” لم يتخذوا أيّ إجراء لإنصاف الضحايا، بخاصة في ظل وجود عناصر أميركية إلى جانب الإماراتيين داخل معسكر التحالف، لكنهم لم يضغطوا على التحالف لردعه عن ارتكاب هذه الجرائم”.