العدسة – معتز أشرف:
طبقًا لاعترافاتهم، لم يظن أغلب منظمي حراك 30 يونيو المعارض للدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، أن يتسببوا في كارثة غير مسبوقة تهدِّد مستقبل مصر.
نسلط الضوء على بعض ملامح الحصاد المر لحراك 30 يونيو الذي مهَّد للانقلاب العسكري في مصر، وذلك بعد مرور 5 سنوات عجاف على الذكرى.
الانهيار الاقتصادي
خرجت مظاهرات 30 يونيو المعارضة في مواجهة مظاهرات التأييد والدعم، مشهرة سلاح الاقتصاد، ولكن بعد 5 سنوات عادت للواجهة “ولا يوم من أيامك يا مرسى“، وبحسب مختصين اقتصاديين “لا مستقبل للاقتصاد المصري مع السيسي” في العام الخامس، وباتت الفاتورة التي يدفعها المواطن على الصعيد الاقتصادي شديدة التكلفة.
وتظهر المؤشرات الاقتصادية تردّيًا في أغلب القطاعات، وبات ربع المصريين على الأقل فقراء، كما شهدت أسعار السلع ارتفاعات قياسية بعد الرفع المتكرر للدعم عن المحروقات منذ الأزمة السياسية في 2013، وتفاقمت الأحوال المعيشية للمواطنين، خاصة مع خفض الدعم المقدّم لسلع رئيسية، ووصلت نسبة البطالة في صفوف الشباب فعليًا إلى 25 %.
ومنذ 30 يونيو ثم وصول السيسي لسدة الحكم، شهدت مصر 4 زيادات في أسعار الوقود؛ إذ كانت الأولى في يوليو 2014 بنسب اقتربت من الضعف، والثانية في الرابع من نوفمبر 2016، بنسب تراوحت ما بين 30 إلى 47 %، ثم جاءت الزيادة الثالثة في الثلاثين من يونيو 2017 بنسب تصل إلى 55 %، ثم الرابعة في يونيو 2018 مع أول أيام عيد الفطر المبارك، وهو ما أثر على كافة الأسعار، خاصة في الخدمات الحكومية ومنها الكهرباء والمياه والجوازات، ما أدَّى إلى غلاء فاحش بحسب وصف المراقبين.
وبرغم المشروعات التي تحدثت عن إدخال قناة السويس دخلًا إضافيًا، إلا أن ثلاثة مصادر مصرفية رفيعة كشفت لرويترز أن هيئة قناة السويس المصرية طلبت من بنوك خليجية الحصول على قرض قيمته 300 مليون يورو لشراء حفاريْن جديديْن، بعد أن فشلت الهيئة في اقتراض المبلغ من بنوك حكومية محلية، كما قفز الدين الخارجي بنسبة 41.6% على أساس سنوي إلى 79 مليار دولار، في ختام السنة المالية 2016/ 2017، مقابل 55.8 مليار دولار في نهاية السنة السابقة، وكشفت بيانات رسمية عن أزمة جديدة تُواجه الاقتصاد المصري نهاية عام 2018، حيث تستعد مصر لسداد 12.9 مليار دولار من الديون الخارجية وفوائدها.
واقترضت حكومة السيسي 415 مليار جنيه (23.5 مليار دولار) من السوق المحلية، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2018، لسداد ديون مستحقة، وسد جزء من عجز الموازنة العامة للدولة، بزيادة تبلغ نسبتها 51% عن قيمة الاقتراض في نفس الفترة من 2017، الذي بلغ 275 مليار جنيه (15.5 مليار دولار)
فشل أمني
اتخذ منظمو 30 يونيو الفشل الأمني إبان حكم الدكتور محمد مرسي، كذريعة للإطاحة به، إلا أنه منذ الانقلاب على الرئيس المنتخب، لم يهنأ الشعب المصري، بحسب وصف موقع دويتشه فيله الألماني البارز، من موجات اعتداءات إرهابية واغتيالات وانفجارات طالت حتى محيط قصر الرئاسة.
وفي هذا الإطار يؤكد محمد المصري، المدرس المساعد بقسم الاتصالات بجامعة “نورث ألاباما” الأمريكية، أن السيسي فشل في أكبر مكون لسياسته، وهو الأمن؛ فقد قدم نفسه في الانتخابات الرئاسية على أنه الرجل القوي القادر على هزيمة الإرهاب، إلا أنه منذ تولِّيه مقاليد الأمور ازدادت الأمور سوءًا؛ فوفقًا لما ذكره معهد “التحرير الأمريكي” فإنّ الهجمات المسلحة تزايدت منذ وصول السيسي إلى السلطة ووصلت إلى حوالي ثلاثين هجومًا شهريًا.
الفشل الأمني يثير قلقًا واسعًا حتى في معسكر الحلفاء، بحسب بحث إسرائيلي، أشار إلى أنّ مساعي مصر لاقتناء مزيد من الأسلحة لفتت انتباه صناع القرار في إسرائيل، خاصة أنه منذ مجيء عبد الفتاح السيسي إلى السلطة تعيش مصر حالة من التسلح المتواصل، لاسيما في مجال الأسلحة الجديدة المتطورة.
الدراسة التي أعدها الباحث العسكري يفتاح شابير وأصدرها معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب تؤكّد أن مصير سياسات السيسي الفشل الذريع، إلا أن صحيفة ” يديعوت أحرونوت” العبريّة بعد مذبحة مسجد «الروضة»، في نهاية عام 2017، أكدت أنَّ الفوضى الأمنية في بلاد النيل، باتت سيدة الموقف.
تردٍّ حقوقيّ
ولم يكن يتخيل دعاة 30 يونيو أن تمر السنوات الخمس على ذكراها وبعض من دعا إليها خلف الأسوار، ومنهم النشطاء شادي الغزالي حرب وهيثم محمدين، ومحمد عادل.
ووصفت منظمة هيومان رايتس ووتش الوضع الحقوقي في مصر بأنّه غير مسبوق منذ عقود، وقالت في بيان لها: “تستمر حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي في قيادة البلاد في ظل أسوأ أزمة حقوقية منذ عقود حيث استخدمت الشرطة بشكل منهجي التعذيب، والاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري لإسكات المُعارضة السياسية، وتمّت محاكمة آلاف المدنيين من قبل المحاكم العسكرية، كما تعمل الحكومة على القضاء على المُجتمع المدني المُستقل في البلاد مع اعتقال الصحفيين، ومُقاضاة المُدافعين عن حقوق الإنسان وفرض حظر سفر عليهم، مع استمرار قمع الناشطين النقابيين”، وفي تقريرها السنوي لعام 2018 أضافت: “استمرت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي في رفضها المطلق لأية معارضة، فشرّعت قوانين قمعية، لاسيما قانون الجمعيات الأهلية الذي قد يقضي على المنظمات المستقلة، وأعادت حالة الطوارئ، في ظل استمرار شبه مطلق للإفلات من العقاب على انتهاكات قوات الأمن، بدعوى مكافحة “الإرهاب”.
خسائر خارجية!
وبعد الهجوم اللاذع من نشطاء 30 يونيو على الرئيس الدكتور محمد مرسي، بسبب خطاب وزارة الخارجية المعنون بصديقي “شيمون بيريز” والذي نفته الرئاسة وقتها، إلا أنَّ العلاقة المصرية الإسرائيلية اليوم تخطت علاقة الصداقة إلى التحالف غير المسبوق.
وخسرت مصر مكانتها في القضية الفلسطينية، وباتت بحسب المراقبين، ذراع إسرائيل في تمرير صفقة القرن، وأكد موقع ويللا الإخباري العبري أن التنسيق الأمني بين إسرائيل ومصر وصل مستويات غير مسبوقة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحد الذي وصف فيه هذا التنسيق بشهر العسل في القنوات الأمنية بين القاهرة وتل أبيب، من دون أن يؤثر ذلك على مشاعر المصريين تجاه الإسرائيليين، وبحسب تقارير عربية بات دور الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي حَمّلته مظاهرات 30 يونيو المعارضة دورًا محوريًا في تمرير صفقة القرن.
وبعد أن كانت أزمة سد النهضة أحد الأسباب الداعية لمظاهرات 30 يونيو، وقّع السيسي على تسليم الأزمة برُمّتها إلى إثيوبيا، وفشل فشلًا ذريعًا بعدما رفضت دول حوض النيل الاعتراف بحصة مصر التاريخية من المياه، تزامنًا مع بدء إثيوبيا التخزين الكلي للمياه خلف سد النهضة، ووصلت قمة المهزلة إلى دعوة السيسي لرئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، إلى القسم بلفظ الجلالة كوعدٍ لمصر على عدم المساس بحصتها في المياه، وهو ما أثار سخرية واسعة حتى من المتبقين من نشطاء 30 يونيو فضلًا عن رافضي النظام.
ومن أبرز خسائر مصر بسبب ما حدث في 30 يونيو احتلال السعودية لجزيرتي تيران وصنافير المصريتين، ومازالت المحاكم تنظر حتى اليوم ما يقرب من 13 دعوى قضائية تقدم بها محامون بارزون ومرشحون سابقون للرئاسة ومعارضون للحيلولة دون استقرار الأمر القانوني لصالح الاحتلال السعودي.
وخسرت مصر استقلالها بوضوح في ظلّ الاختراق الإماراتي للبلاد قبل 30 يونيو 2013 وبعده عقب انقلاب السيسي على رئيسه د. محمد مرسي، في يوليو 2013، حيث كانت الإمارات بحسب ما هو متواتر في طليعة داعمي نظام السيسي، سياسيًا وماليًا، فمدّت له يدها بالمال وحرّكت دبلوماسييها لدعم انقلابه في الغرب، فضلًا عن الأحاديث المتواترة بشأن دورها القوي في الترتيب للانقلاب.
وبحسب مراقبين، سعت دولة الإمارات لاستثمار النفوذ السياسي الذي تحقق لها داخل مصر، بعد تصدُّر السيسي لسدة القرار عقب 30 يونيو، عبر بوابة الاستحواذ على كبرى القطاعات الاقتصادية، والحصول على تسهيلات اقتصادية وأمنية للاستثمار في مناطق كانت محظورة على المستثمر الأجنبي لاعتباراتٍ تتعلق “بالأمن القومي”.
اضف تعليقا