العدسة – باسم الشجاعي

الحرب تدخل العام الرابع.. واليمن الحزين يبكي قائلًا: “ماذا بعد كل هذا الدمار؟!

مع انتهاء يوم الـ”25 مارس” 2018، تنهي الحرب التي يشنها التحالف العربي الذي تقود السعودية في اليمن عامها الثالث، إيذانًا بدخول السنة الرابعة للحصار والدمار التي تشهده البلد الحزين.

وللعام الرابع على التوالي يمضِي وليّ العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” “مغامرتها” التي لم تؤدّ، إلى الآن، سوى إلى آلاف من القتلى والجرحى.

ولا يبدو في الأفق القريب حلّ ينهي هذه المعاناة، وخاصةً مع حرمان اليمنيين من المساعدات الطبية والإغاثية بالإضافة إلى الخدمات الأساسية.

فخلال سنوات الحرب الثلاث تدهورت الحالة اليمنية على كافة المستويات، في ظلّ إصرار انقلاب الحوثي على استمرار الحرب وغرق التحالف العربي في مشاريع النفوذ والسيطرة.

استنزاف متواصل

وعلى الرغم من أنَّ اليمن أكبر الخاسرين من الحرب، إلا أنَّ السعودية كذلك جنت من وراء الحرب مزيدًا من الخسائر، وإن كانت أغلبها مالية، فبحسب تقرير تلفزيوني بثّته قناة “العربية” السعودية، في 2 أبريل 2015، أي بعد 8 أيام فقط على انطلاق عملية “عاصفة الحزم”، فإنَّ التقديرات أشارت إلى أنَّ المملكة قد تنفق نحو 175 مليون دولار شهريًا على الضربات الجوية ضد مقاتلي “الحوثي” في اليمن، باستخدام 100 طائرة.

وفي أرقام بعيدة عن تقديرات القناة، قالت مجلة “فوربس” الأمريكية، بعد 6 أشهر من اندلاع الحرب: إن تكلفة الأشهر الستة بلغت نحو 725 مليار دولار، أي أن التكلفة الشهرية تصل لـ 120 مليار دولار.

وتقدير آخر جاء في دراسة نشرتها مؤخرًا جامعة هارفارد الأمريكية، أشارت فيها إلى أنَّ تكلفة الحرب تصل إلى 200 مليون دولار في اليوم الواحد.

أما صحيفة “الرياض” السعودية، فقدّرت أيضًا تكلفة تشغيل الطائرات السعودية المشاركة بالحرب بنحو 230 مليون دولار شهريًا، متضمّنة تشغيل الطائرات والذخائر المُستخدمة والاحتياطية، وثمن كافة قطع الغيار والصيانة وغيرها.

وفي ظلّ هذه الأرقام التي يصعب إيجاد مقاربة بينها للتكلفة الحقيقية، يمكن قياس العمليات السعودية في اليمن على أخرى شبيهة نُفّذت خلال السنوات القليلة الماضية، وكانت تكلفتها معلنة.

واعتمادًا على هذا الرقم، وقياسًا بتكلفة الطلعة الجوية الواحدة للطائرات الأمريكية المشاركة بالحرب ضد تنظيم الدولة في سوريا والعراق، التي تُقدّر بـ 84 ألف دولار إلى 104 آلاف دولار، فإن التحالف العربي أنفق على الضربات الجوية في اليمن خلال عامين 7 مليارات و560 مليون دولار، إلى 9 مليارات و360 مليون دولار.

ولا يمكن حساب بقية التكاليف العسكرية للحرب في اليمن؛ فجميع الأرقام والبيانات المتوفرة حول كميات الأسلحة المستخدمة في الحرب وأنواعها وتكلفتها غير رسمية.

ولكن تكلفة الحرب لا تتوقّف على النفقات العسكرية فقط؛ فالسعودية قدّمت لليمن منذ بداية الحرب، عام 2015 حتى منتصف العام الجاري، مساعدات تبلغ قيمتها 8.2 مليارات دولار، وفق وزارة الداخلية السعودية.

وحتى الآن لم تصدر خلال السنوات الثلاث الماضية السعودية إحصائية رسمية بأعداد القتلى والجرحى والأسرى من قواتها، لكن لم يمر يوم إلا وتنتشر أخبار تشييع “شهداء الحد الجنوبي”.

فمنذ الفترة من يناير 2018 إلى 18 مارس الجاري، تم تشييع 87 ضابطًا وجنديًا لقوا مصرعهم في الحد الجنوبي للسعودية، فيما تشير إحصاءات غير رسمية إلى مقتل 5 آلاف ضابط وجندي سعودي خلال الحرب.

27 ألف قتيل خلال ثلاث سنوات

أما فيما يخض الأمر على أرض الواقع، فإن الحرب اليمنية خلّفت نحو 27000 قتيل من المدنيين والعسكريين في عموم المحافظات اليمنية، بينهم 15500 قتيل مدني على الأقل، بالإضافة إلى نحو 58000 جريح من المدنيين والعسكريين، بينهم 35000 جريح مدني على الأقل.

وتسببت الحرب في إعاقة أكثر من 2980 شخصًا بإعاقات متفاوتة، من المدنيين والعسكريين، بينهم 1377 مدنيًا، أغلبهم تعرضوا لحوادث انفجار الألغام الأرضية التي زرعها مسلحو جماعة الحوثي في العديد من المحافظات والمناطق التي وصلوا إليها.

فيما تعرض أكثر من  ثلاثة ملايين ومائتي ألف شخص للنزوح خارج أماكنهم، وبلغ عدد اللاجئين والمشردين خارج اليمن أكثر من 650000 والمخفيين قسريًا أكثر من 750 شخصًا، أغلبهم سياسيين ونشطاء وصحافيين وعسكريين.

وتضرر أكثر من 26000 ألف منزل، بين تدمير كلي وجزئي، وتضرر أكثر من 6800 منشأة عامة وخاصة، متفاوتة الأضرار، في مختلف القطاعات، وقدّر خسائر البنية التحتية لوحدها بأكثر من 30 مليار دولار أمريكية، جراء الحرب منذ مارس 2015.

العاملين في مجال الصحافة لم يسلموا أيضًا من الانتهاكات؛ حيث تعرضوا إلى أسوأ حملة قمع في اليمن من قبل الحوثيين في المحافظات الشمالية والقوات الموالية للإمارات في المحافظات الجنوبية.

فقد تعرّضت مقرات أكثر من 60 وسيلة إعلامية للاقتحام والنهب والمصادرة والإغلاق، وقتل 24 صحافيا، أغلبهم على يد المسلحين الحوثيين.

واعتقل عشرات الصحافيين في العاصمة صنعاء وبقية المدن التي تقع تحت سيطرت الإمارات، ولا زال 16 منهم رهن الاعتقال، بعضهم أمضى قرابة 3 سنوات في معتقلاتها وأصدرت حكمًا بالإعدام على أحدهم، فيما اعتقل 3 من الصحفيين في المحافظات الجنوبية الواقعة تحت السيطرة الحكومية، واضطر أكثر من 1000 صحافي وإعلامي إلى النزوح ومغادرة موطن سكنه أو إلى مغادرة اليمن، تفاديا للاختطاف والإخفاء القسري أو الاعتقال أو القتل.

براءة الأطفال تذبح في اليمن

لم تكتفِ حرب اليمن بتدمير وتخريب شوارع بلد كان يطلق عليه أنه سعيد، بل تجلت بشاعة تلك الحرب المستمرة منذ 3 سنوات في قتل ورعب للآلاف من الأطفال.

ورغم التحذيرات الأممية إلا أنَّ التضحية بالأطفال في حرب اليمن هى من أسوأ الظواهر التي تزامنت مع هذا الصراع الدموي الذي بدأ بتجنيد الأطفال واستخدامهم في مهام عسكرية ثم تعرّضهم للموت سواء بالسلاح أو بالأمراض.

ووصفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” اليمن بأنّه أسوأ الأماكن على وجه الأرض بالنسبة للأطفال، وحذّرت من كارثة وشيكة إذا لم تصل المساعدات لملايين من الأطفال.

وبحسب التقرير الذي صدر مؤخرًا عن الأمم المتحدة فإنّ نحو 11 مليون طفل في اليمن ما دون 18 عاما يعانون من مشاكل صحية ونفسية، وبحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة بسبب الحرب الدائرة في اليمن.

وبحسب المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة “خيرت كابلياري”، فقد قتل وأصيب نحو خمسة آلاف طفل خلال عامين ونصف فقط، وبشأن الأزمة الإنسانية، ذكر أن نحو مليوني طفل في اليمن اليوم يعانون من سوء التغذية الحاد.

ويعتبر التقرير الأخير للأمم المتحدة عن الوضع المأساوي الذي يعيشه أطفال اليمن ليس الأول ففي شهر مارس 2017 حذّر تقرير صدر عن “يونيسيف”من أن نحو نصف مليون طفل يمني يعانون من سوء التغذية نتيجة للصراع الدامي في اليمن، فيما بلغ عدد الأطفال خارج المدرسة نحو مليوني طفل.

وبحسب التقرير والذي حمل عنوان “السقوط دائرة النسيان، أطفال اليمن” فإنَّ أكثر من 1600 مدرسة لم تعد صالحة للاستخدام كونها تضررت كليًا أو جزئيًا أو تستخدم كمأوي للأسر النازحة أو محتلة من قبل أطراف الصراع، كما أنَّ حوالي 350.000 طفل أصبحوا غير قادرين على مواصلة التعليم، مما رفع عدد الأطفال خارج المدارس إلى مليوني طفل.

كما كشف تقرير صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة “أوتشا” خلال شهر أغسطس الماضي، عن أن 15.7 مليون يمني لا تتوفر لهم المياه النظيفة، فيما لا يحصل 14.8 مليون على الرعاية الصحية الكافية.

وعود لا تحقق

ومع اقتراب كل ذكرى سنوية للحرب تكثر التصاريح الإعلامية للقادة السعوديين وعلى رأسهم الأمير الطامح للعرش “محمد بن سليمان”، عن قرب انتهاء الحرب إلا أنَّ الحرب مستمرة والأبرياء يقتلون.

في 29 أكتوبر 2015 توقّع وزير الخارجية السعودي “عادل الجبير” في مؤتمر صحفي مع نظيره البريطاني في العاصمة السعودية الرياض أن تنتهي الحرب التي يخوضها التحالف بقيادة السعودية ضدّ ما أسماه “مسلحون متحالفون مع إيران” في اليمن منذ سبعة أشهر قريبًا.

وفي 3 أبريل 2016 أكّد ولي العهد السعودي، الأمير “محمد بن سلمان”، أنَّ الحرب في اليمن باتت قريبة من نهايتها، كاشفًا عن أن وفدًا يمثل الحوثيين يجري مفاوضات في مدينة سعودية حدودية مع اليمن.

وفي 19 مارس 2017 قال وزير الخارجية السعودي على هامش مؤتمر ميونخ للأمن: إن الحرب اليمنية ستنتهي لتبدأ مرحلة إعادة الإعمار، لما خلفته الحرب في مختلف المحافظات اليمنية.

وفي 16 أغسطس 2017 انتشرت تسريبات لـ “ابن سلمان” عن قرب انتهاء الحرب على اليمن قائلاً إنَّ “دائرة الحسم العسكري باتت تضيق يومًا بعد يوم وباتت التسوية السياسية مرجحة أكثر على الاستمرار في الغرق في المستنقع اليمني”.

وكالعادة عاد ولي العهد السعودي، إلى الإعلان من واشنطن الذي يزورها منذ الأسبوع الماضي، أن الحرب في اليمن قاربت على النهاية، بعد تحقيق هدفيها، استعادة الشرعية ودحر المتمردين الحوثيين.

ولا ندري ما هو المدى الزمني الذي يَعْنِيه ولي العهد السعودي، عندما يقول “قاربت”، وهو نفسه الذي قال، يوم أعلن بدء عمليات العاصفة فجر 25 مارس 2015.

ما الهدف؟

بعد تقدير موقف ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” بقرب نهاية الحرب السعودية على اليمن، وتأكيده أن الأهداف هناك أوشكت أن تتحقق، وخاصة مع دخول المعركة عامها الرابع.

فإن التصريح يدفع المتأمل في الشأن اليمني إلى التساؤل حول الأهداف التي يراد أن يحققها، فإذا كان المقصود تحجيم خطر الجيش اليمني وأنصار الله الذين وصفهم الأمير “ابن سلمان” بـ”فلول المتمردين” فإن صواريخهم صارت تطاول العمق السعودي.

ولا يبدو الحديث عن انتهاء الحرب منطقيًا؛ حيث إنَّ المعارك لا تزال تستعر على أكثر من جبهة بينما غارات التحالف لم تتوقف مع أنها لا تحقق الحسم من السماء.

إنما أراد بتصريحه الخروج من مأزق؛ وخاصة أنه في زيارة إلي واشنطن، وسجله الحقوقي الداخلي، والخارجي في اليمن جعلت منه مجرم حرب بنظر الرأي العام والناشطين والحقوقيين.

كما أنَّه يريد من إطلاق هذه التصريحات أن يمتص الغضب خاصة في واشنطن؛ حيث إنَّ هناك مساعي حثيثة لإصدار تشريع من قبل الكونجرس الأمريكي لوقف دعم التحالف العربي في حربه في اليمن بعد إشارات من كبار القادة العسكريين إلى أن تدخل التحالف العربي في اليمن استفادت منه إيران وزاد الأمور أكثر سوءً.

وكانت صراعات حادة بين أركان النظام الأمريكي، نشأت بين فريقٍ ممثل بإدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، يحاول بشراسة التصدي لجهود فريق آخر من كلا الحزبين “الديمقراطي والجمهوري” في الكونجرس، والذي يحاول من جهته وضع حدٍّ لدعم واشنطن للرياض.

وضغط أعضاء الكونجرس للتوصل إلى قرارٍ، يقولون إنّه قد يمنع واشنطن من منح السعوديين “شيكًا على بياض” في الصراع الدائر في اليمن، لكن محاولاتهم باءت بالفشل وأصبح التوقيع على الشيك لصالح إبادة الشعب اليمني على يد بن سلمان.