العدسة – ياسين وجدي :
التعايش قيمة إنسانية كبرى ، يسعى لها طلائع النهضة في المجتمعات ، ولكن أن تسعى لها الأنظمة الديكتاتورية كما حدث في مصر في مشهد افتتاح مسجد الفتاح العليم وكاتدرائية ميلاد المسيح ليلة الاحتفاء المسيحي بعيد مولده ، فقد أثار ذلك تناقضات واسعة بحسب رواد التواصل الاجتماعي ومتابعين للشأن الإسلامي.
هناك في أفريقيا وأوروبا وأمريكا ، جماعات ترفع “الصليب” بجانب شعارات الإسلاموفوبيا ، ويرفضون التعايش مع أشقاء الأوطان المسلمين ، وتقام المذابح تلو الأخرى ، وهو بحسب البعض ما يطعن في مصداقية الشعارات التوافقية التي رفعت من قلب القاهرة على لسان المتحدثين بينما المسلمون يعانون أشد المعاناة في مناطق أخرى، وهو ما نرصده لتتضح الصورة أكثر.
سواد “القارة البيضاء”!
المأساة تتجاوز الخطابات الودية التي جرت في مصر ، ففي القارة البيضاء “أوروبا” تحولت “الإسلاموفوبيا” من خوف إلى معاداة للإسلام، مع صعود اليمين المتطرف على المستوى السياسي، وطالت المهاجرين واللاجئين والمسلمين في أوروبا، عبر أعمال العنف، التي أججت “سياسة الكراهية”.
تقرير حديث بعنوان “المسلمون في الاتحاد الأوروبي: التمييز والخوف من الإسلام” أصدره (المركز الأوروبي لمراقبة العنصرية وكراهية الأجانب) التابع للاتحاد الأوروبي كشف عن أن المسلمين عادة ما يكونون ضحايا النمطية السلبية التي يقويها اختيار الإعلام نشر أخبار سلبية عنهم، وهم أيضًا عُرضة لأشكال الأحكام المسبقة والكراهية المختلفة، بدءًا من التهديدات اللفظية وانتهاء بالاعتداءات الجسدية، كما أن المسلمين والشباب منهم على نحو خاص، يلقون فرصًا جد محدودة للتطور الاجتماعي، مما يؤدّي إلى الإقصاء والتمييز وفقدان الأمل والانسلاخ بحسب المركز.
التعايش غائب عمليا ، وفق استطلاع رأي أجري في عام 2004، وأظهر أن أكثر من 50% من سكان أوروبا الغربية ينظرون إلى المسلمين المقيمين بين ظهرانيهم بعين الريبة والشك، أما إحصاء عام 2005 فقد أظهر أن معظم المتجاوبين مع الاستطلاع، عدا فرنسا وبريطانية، عبروا عن قناعتهم بأن المسلمين أنفسهم يودون التميز عن بقية المجتمع، ويمتلكون شعورًا متزايدًا بالهوية الإسلامية.
وسجل مراقبون فى بريطانيا كمثال صارخ على التمييز خلال 6 أشهر فقط فى الفترة بين يناير ويونيو 2018 ، ما يقرب من 608 حوادث مرتبطة بظاهرة “الإسلاموفوبيا” من أصل 685 حادثة مرتبطة بالعنصرية فى البلاد، وقعت غالبيتها فى شوارع المملكة المتحدة، واستهدفت 58% منها النساء، وبات شعار “عاقب مسلما” متداولا في بريطانيا.
وأمريكا كذلك
وشهد شاهد من أهلها في مصر ، حيث أعلن مرصد الإسلاموفوبيا التابع لدار الإفتاء المصرية في نهاية عام 2018 أن العديد من التقارير تؤكد زيادة سعار الإسلاموفوبيا على ضفتي الأطلنطى فى أوروبا وأمريكا الشمالية.
وأوضح المرصد أن تقريرا لمكتب الإحصاءات فى كندا أظهر أن جرائم الكراهية فى البلاد قفزت فى عام 2017 بنسبة 47%، وشهدت في عام 2018 واقعة إطلاق نار داخل مسجد فى إقليم كيبيك الكندي ومقترحًا حكوميًّا بشأن ظاهرة الإسلاموفوبيا آثار فى حد ذاته مشاعر مناهضة للمسلمين، بالتزامن مع ارتفاع جرائم الكراهية بالولايات المتحدة، للعام الثالث على التوالى، بحسب مكتب التحقيقات الفيدرالية “إف بى آى”.
المسلمات المحجبات هن الأكثر تعرضًا لجرائم كراهية الإسلام والمسلمين، بحسب تقرير المرصد المصري الرسمي الذي عزا ارتفاع الجرائم المرتكبة ضد النساء إلى “ارتداء المسلمات للحجاب، إضافة إلى الصورة النمطية التى تُظهر المرأة كائنًا ضعيفًا يمكن مهاجمته” وذلك مقارنة بالرجال المسلمين.
مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية البارز” كير” أعلن بدوره أن ظاهرة الإسلاموفوبيا بالولايات المتحدة بلغت في عهد الرئيس دونالد ترامب مستوى هو الأسوأ منذ هجمات سبتمبر2001، موضحا أن التعصب كان يأخذ صورا غير معلنة بعد أحداث 11 سبتمبر ولكن الآن يتباهى المتعصبون بذلك علنا.
دماء بالقارة السوداء
لن نذهب بعيدا في التاريخ ، فالمجازر ضد مسلمي أفريقيا من المليشيات المسيحية كثيرة ، ولكن في أواخر العام 2017 ، كان العالم شاهدا على دماء مسلمي “أفريقيا الوسطى” التي تراق على أيدي الميليشيات الإرهابية المسيحية، والقتل كان داخل المساجد بالذبح.
في الجمعة 13 أكتوبر من هذا العام قتل مسلحو ميليشيا “أنتي بالاكا” المسيحية عشرات المسلمين داخل مسجد في بلدة كيمبي، في جنوب وسط جمهورية أفريقيا الوسطى، سبقه إعلان أممي يقر بأن الاشتباكات في جمهورية أفريقيا الوسطى تحمل إشارات تحذير مبكرة لإمكانية حصول إبادة جماعية بحق آلاف المسلمين.
المذابح التي تعرض لها المسلمون هناك بدأت بشكل مكثف منذ أوائل عام 2014، في أعقاب الإطاحة بـ”دجوتوديا” أول رئيس مسلم للبلاد، ومنذ ذلك الحين تتناقل وسائل الإعلام مشاهد بشعة لعمليات ذبح وحرق وأكل لحوم بشر، وغيرها من الجرائم الوحشية التي تُرتكب بحق المسلمين، وهو ما دفع اتحاد علماء أفريقيا إلى طلب التدخل الدولي ضد الإبادة الجماعية التي تمارَس ضد المسلمين ولكن لم يتحرك أحد.
ليست جمهورية أفريقيا الوسطى بمفردها ، ففي فبراير 2013 ، وبعد نحو أسبوعين من التدخل العسكري الفرنسي في شمال مالي، بدأت تتكشف جرائم الحملة التي كانت تقودها فرنسا ضد المسلمين في هذا البلد الأفريقي، بتأييد واضح من الأمم المتحدة وأمريكا وروسيا ودول الاتحاد الأوروبى والكيان الصهيوني وفق مراقبين.
ووفق تقارير حقوقية موثقة فقد نفذ الجيش المالى بمساعدة القوات الفرنسية حملة “إبادات بالجملة” لطلاب المدارس الإسلامية الدينية، في موبتى وأنيونو وجبلى وغيرها من مدن شمال مالي، وامتلأت الآبار والشوارع بالجثث، كما ظهر في صور بثتها قناة “فرانس 24″، والتي جعلت هيومن رايتس ترفع تقريرًا خاصا بمجازر الجيش المالى المتوحشة، فضلا عن إعدام نحو 16 من الدعاة في ديابالي، واقتحام أحد مساجد العاصمة باماكو وإعدام إمامه.
“المسجدوفوبيا”!
وبحسب مهتمون بشأن الجاليات الاسلامية في الغرب ، فإن التطور خطير ولا يتوقف ، فقد ظهر وفق تعبير الأكاديمي علي عبد الرءوف تعبير تخطى “الإسلاموفوبيا ” وهو “المسجدوفوبيا” لرصد ظاهرة “الخوف من المساجد Mosquephobia” ، حيث يرى الأكاديمي الذي زار العديد من الجاليات الإسلامية في الغرب تجاوز العالم الخوف من الإسلام كأيدولوجية، وانتقاله إلى الخوف من كل ما يرمز للإسلام أو يعبر عنه، وهو ما ظهر في حملات منظمة ومظاهرات متدفقة في مدن أوروبية وأمريكية ترفض كل ما يرمز للإسلام كان الأكثر خطورة فيها بعد الحجاب ، المساجد تحت شعار “لا نريد مزيدا من المساجد” أو “قولوا لا للمساجد”، مؤكدا أن هذه الشعارات كتبت على لافتات يحملها الآلاف في شوارع مدن عالمية مؤثرة.
ووفق صحيفة دويتشه فيله الألمانية فإن معارضات حكومية في عدة دول غربية تتصاعد حول بناء المساجد والمآذن، ومنها ألمانيا وسويسرا والنمسا، حيث طالبت أحزاب اليمين في الأخيرة مؤخرا بمنع بناء مساجد جديدة وطالبت بإجراء استفتاء شعبي لحظر بناء المآذن.
وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، من جانبه تجاوز الجميع بمراحل في التمييز بحسب المراقبين ، وأعلن في أغسطس 2018 عدم بناء مساجد جديدة في البلاد، زاعما أن تخصيص أراض لهذا الغرض يثير “غضب” المواطنين الإيطاليين!!.
وكتب سالفيني، على صفحته بموقع “تويتر” بكل وضوح : “لن تكون في البلاد مساجد جديدة”، مضيفاً: “سيكون منح أراض من البلديات لبناء مساجد جديدة ضربا من الجنون”!! بينما عدد المساجد الرسمية لا يتعدى 6 مساجد فقط مخصصين لمليونين و613 ألف مسلم يحمل 150 ألفا منهم الجنسية الإيطالية، فيما يتمتع الباقون بإقامات قانونية.
وبينما التفاخر في مصر ببناء أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط ، كان في الجانب الآخر بحسب توثيق السلطات الألمانية نحو ألف هجوم على المسلمين والمساجد بألمانيا في عام 2017، وأكثر من خمسمائة اعتداء أو تجاوز بحق المسلمين ومساجدهم في إسبانيا في العام نفسه.
اضف تعليقا