حوار مع المتخصص في شؤون ليبيا جليل الحرشاوي، يشرح فيه بالتفصيل أسباب تعزيز بوتين للوجود الروسي في ليبيا.
تعيش ليبيا الآن تحت تهديد جديد، وهو الانقسام. فمنذ التدخل الغربي سنة 2011 وسقوط معمر القذافي والبلاد غارقة في حرب الخنادق، ولدى كل طرف محارب داعم قوي.
من ناحية روسيا، التي بات تدخلها واضحا أكثر فأكثر، فقد دخلت طائراتها المقاتلة ساحة المعركة فور وصول المرتزقة التابعين لشركة فاغنر الروسية، ونشرت روسيا 6 طائرات من نوع ميج وسوخوي خلال الأيام الأخيرة في قاعدة الجفرة في قلب الصحراء الليبية، مهمتها هي دعم ميليشيات الانقلابي خليفة حفتر، المدعوم أيضًا من الإمارات العربية المتحدة ومصر، غير أنه يبدو في حالة هزيمة كاملة منذ هجومه الفاشل على طرابلس.
وفي المقابل، هناك وزن ثقيل آخر: تركيا، والتي تدعم منذ نوفمبر حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، وتتسبب طائرات تركيا بدون طيار في خسائر فادحة لأنظمة الدفاع الجوي التابعة لحفتر، ومن هنا جاء الرد العسكري للروس.
يفسر جليل الحرشاوي، باحث في معهد كلينغنديل في هولندا ومتخصص في الشأن الليبي، الأسباب التي تجعل روسيا مهتمة للغاية بليبيا.
جلال حرشاوي: من الخطأ مقارنة سوريا بليبيا، فبالنسبة للروس لدى سوريا أهمية حيوية، ليس فقط بسبب ما توفره قاعدتهم العسكرية في طرطوس من إمكانية الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، ولكن لأسباب أيديولوجية، ففي نظرهم، كان من المستحيل نجاح ثورة إسلامية عند باب القوقاز، وحروبهم في الشيشان قابعة في ذاكرتهم، وليبيا لا تنسجم مع هذا المخطط.
إذن ما هو الدافع الروسي للتوغل في ليبيا؟
تتيح ليبيا لروسيا فرصة نهج استراتيجية “التضييق” على أوروبا، وهذا واضح في مجال الطاقة، فمنذ سنة 2008 وحتى قبل سقوط القذافي، قامت الشركات الروسية بإصدار بيان صريح يقول: “إذا استطعنا، فسنشتري كل الغاز والنفط”، وبمعنى آخر، اشترِ لتكون لديك بعد ذلك القدرة على التحكم.
وبالفعل، عقدت الشركة الروسية روسنفت سنة 2017 اتفاقيات مع الشركة الوطنية الليبية لأن الروس يريدون أن يكونوا قادرين على تقديم أنفسهم كبديل إلى جانب المورّدين في شمال إفريقيا والتأثير على تدفق الطاقة إلى أوروبا، وبالنسبة لروسيا، فهذه طريقة لتغطية الجناح الجنوبي لأوروبا.
ويستغرق تنفيذ هكذا استراتيجية وقتا طويلا، لكن الروس يبنون هذا المشروع من أجل السنوات الخمس عشرة أو العشرين القادمة.
وهذه الفكرة ليست بالحديثة، فقد ألقى قادة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية سابقا في الخمسينات باللوم على أنفسهم لعدم إيلاء اهتمام كاف للجناح الجنوبي لحلف شمال الاطلسي.
وبالتالي فقد كان لدى بوتين خلال وصوله إلى السلطة سنة 2000 الطموحُ لتأكيد القوة الروسية في البحر الأبيض المتوسط، لكن قواته البحرية -التي هي في حالة يرثى لها- لم تسمح له بذلك حينها، أما اليوم فالوضع يختلف.
أخيرا، هناك بالطبع مصالح تجارية، حيث يتذكر الروس أن القذافي اشترى منهم أسلحة بمليارات الدولارات في فترة السبعينيات، كما أنهم يريدون من يشتري منهم القمح والذرة.
“بالنسبة لموسكو، أصبحت ليبيا رمزا لفشل الديمقراطية الغربية”
ولكن هل هناك تفسير جيوسياسي؟
السبب الحاسم الآخر هو أن ليبيا هي بمثابة ممر بالنسبة للروس، فبينما مصر مأهولة بالسكان، والجزائر ضخمة جدا، فإن ليبيا هي المنطقة الهشة في اتجاه إفريقيا، وفي نظرهم خسارة ليبيا هي بمثابة خسارة مدخل القارة، وسيكون من الصعب استمرار تدخلهم في السودان أو موزمبيق أو جمهورية إفريقيا الوسطى أو مدغشقر.
هل يخشون رد فعل الغربيين؟
لا، إنهم يرون أن الوقت يجري في مصلحتهم في مواجهة الغربيين المنقسمين بشأن هذه القضية، ويدركون أن لديهم فرصة غير عادية: فقد الغربيون تماما تدخلهم في ليبيا في عام 2011.
حتى بالنسبة لروسيا، أصبحت ليبيا رمزًا لفشل الديمقراطية الغربية، وهذا ما نسمعه كل يوم على القنوات الروسية، والروس يستغلون هذا الفشل.
أليست روسيا في خطر أن تعلق في ليبيا؟
ليست هناك رغبة من جانب الروس في شن حرب مكلّفة وقصف المدن الليبية لمدة خمس سنوات، فهم يعرفون جيدًا أنه ليس هناك أي معنى لشن حرب مباشرة ضد الجزء الغربي من البلاد ذات الكثافة السكانية العالية والمعترف بها من طرف المجتمع الدولي.
وما يحفزهم عسكريًا أيضًا هو المشاركة الفعالة لدول الخليج التي تتحالف معها، حيث تطلب منهم الإمارات: “أحضروا مرتزقتكم وطائراتكم، فنحن مستعدون للدفع”.
ويزداد النفوذ السياسي لروسيا في شرق ليبيا، فإن لم يتم إرسال المرتزقة الروس في أوائل سبتمبر 2019، لكان حفتر قد انهار، فروسيا هي الوحيدة القادرة على التصدي لتركيا الداعمة لقوات طرابلس.
هل يمكن لأوروبا والولايات المتحدة أن تغير قواعد اللعبة؟
شعر الغربيون بالذعر فجأة لرؤية الروس يستقرون بالمنطقة، لكنهم هم المسؤولين عن هذا الوضع، بما في ذلك فرنسا، فقد فات الأوان بالنسبة لهم، حيث أن سلبيتهم وسوء تنظيمهم سمحا للروس بشق طريقهم.
وبالتأكيد، يبدو الأمريكيون متقلبين للغاية بشأن هذه القضية، لكنهم بعيدون كثيرا عن ليبيا، ليس كما هو الحال بالنسبة للأوروبيين الذين كان ينبغي أن يشعروا بمزيد من القلق.
كيف يرى الروس حفتر؟
العلاقات سيئة للغاية بينهما، حيث أن الروس يشككون في أهليته العسكرية وموثوقيته السياسية، فهم يقومون بتجاوزه باستمرار، وأعتقد أنهم يريدون التخلص منه، لكن ليس لديهم بديل، لأن حفتر خلق فراغًا حوله.
هل يجب أن نخشى مواجهة بين تركيا وروسيا؟
يمكننا استبعاد ذلك لأن البلدين يتحاوران مع بعضهما البعض، ومع ذلك، سيكون هناك تصعيدات مفاجئة، حيث أن رجالهم المتواجدين في الميدان هم من المليشيات وليسوا من الجيوش النظامية.
في نهاية المطاف، يسعى الروس إلى القيام في الشرق بما فعله الأتراك في الغرب: التوقيع على اتفاقيات الدفاع واتخاذ موقف
.
للاطلاع على الموضوع الأصلي (اضغط هنا)
لمزيد من الترجمات: إنسايد أوفر: ما هو أفضل حل لإنهاء الصراع في ليبيا؟
اضف تعليقا