هل يكون هروب زوجة الشيخ محمد بن راشد من منزلها بداية المشاكل له؟
الأميرة “هيا بنت الحسين” الأخت غير شقيقة للملك الأردني الحالي، ارتبط اسمها في السابق بالمناسبات السعيدة والحياة الهانئة، التي كانت السعادة فيها واضحة على ملامحها أثناء ظهورها الدائم في المناسبات الرسمية، والذي كان كبيراً مقارنة بزوجات زوجها حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والتي كانت تظهر برفقته دائماً في الزيارات الدولية والإقليمية، تحيي الجمهور وتلقي الخطب.
الآن، أصبح اسمها متداولاً وبقوة أيضاً في وسائل الإعلام والمحافل الدولية، لكن لأسباب مختلفة تماماً، بعد هروبها من منزل زوجها في دبي وسفرها إلى لندن للاختباء، لتصبح الأميرة الثالثة على الأقل التي هجرت العائلة الحاكمة في دبي، لتؤكد بهروبها مع طفليها (زايد-7 سنوات، والجليلة- 11 عاماً) أن هروب النساء من بيوتهن في العالم العربي بحثاً عن مأوى آخر في تزايد كبير.
في المقابل، قام زوجها الشيخ محمد- حاكم دبي ونائب الرئيس ورئيس وزراء الحكومة الإماراتية، برفع دعوى ضد الأميرة الهاربة في إحدى المحاكم في المملكة المتحدة.
التفاصيل الخاصة بالموضوع لا زال يحيط بها الغموض، لكن من المتوقع أن يزيل هذا الغموض قريباً بعد نظر القضية المُشار إليها أمام المحكمة البريطانية، والتي قد تفصح عن فضيحة كبرى تخص اثنين من أكثر العائلات الملكية شهرة في المنطقة.
بوادر الفضيحة قد بدأت بالفعل في القصيدة التي نشرها حاكم دبي على حساب أحد المقربين منه على وسائل التواصل الاجتماعي في 22 يونيو/حزيران الماضي، والتي حملت عنوان “عشتي ومتي” وتتهم إحدى النساء بالخيانة والكذب، فيما يلي القصيدة كاملة:
بــعـض الـخـطـا إســمـه خـيـانـة
ونــــتـــي تــعــديــتـي وخــنــتــي
يــا خــايــنــة اغــــلـــى امــــانـــة
كـــشــفــت مــلــعــوبـك ونـــتـــي
كـــذبــك تـــــرى ولـــــى زمــانــه
مــا يــهــمـنـا كــــنــــا وكـــنــتــي
عــــنـــدي بـــراهــيــن الإدانــــــة
عــلــى الــــذي انــتــي فـعـلـتـي
ارخـــيـــت احــصــانــك عــنــانـه
واكــبــر خــطــا انــــك كــذبـتـي
تــــدريـــن بــافــعــالـك اهـــانـــه
لـــكــن لـنـفـسـك بــــس هــنـتـي
مـــاعــاد لـــــك عــنــدي مــكـانـة
ســيــري لــمــن فــيـه انـشـغـلتي
وخــلــيـهـا تــنـفـعـك الــشـطـانـه
مــايـهـمـنـي عــشــتــي ومـــتــي
الشيخ محمد بن راشد ملقب “الشاعر”، اشتهر عنه تأليف القصائد الشعرية في المناسبات السياسية والاجتماعية، والتي كان يعتبرها وسيلة للتعبير عن آرائه، من خلال الشعر الشعبي “النبطي”، ومع ذلك، فليس من الطبيعي خاصة وهو حاكم عربي بارز، أن ينشر قصيدة حول أمر خاص كنزاع مع زوجته، بل ويشير فيه أنه كان ضحية للخيانة الزوجية.
القصيدة بشكل أو بآخر تؤكد بشكل أساسي الأخبار المتداولة حول مغادرة الأميرة للقصر، ومع هذا لا يمكن اعتبارها دليلاً موضوعياً على الفضيحة التي يحاول البعض الترويج لها.
من خلال التفحص في أبيات القصيدة يمكن الاستنتاج أن “راوي القصيدة” كتبها كملاذ أخير، بعد أن اكتشف “اللعبة” التي كانت زوجته وشخص ثالث أبرز أطرافها، مشيراً إلى أن عنان “حصان” تلك المرأة قد فلت بسبب أكاذيبها والتجاوزات الشخصية التي قامت بها، والتي أدت إلى قتل العلاقة الزوجية بينهما.
من المعروف عن الشيخ محمد وزوجته الأميرة هيا شغفهم الكبير برياضة الفروسية، لذلك فإن استخدام استعارة “عنان الحصان” له دلالة إلا أن معناها لا زال غامضاً، ومع ذلك أكد الشيخ محمد في قصيدته أن لديه دليل واضح يدين الأميرة، التي قال انها تشوه اسمها وليس اسمه.
هناك أسباب منطقية تشككك في صحة الاتهامات الأخلاقية الموجهة للأميرة هيا، فهي ليست أول من يفر من الشيخ محمد بن راشد، ففي فبراير/شباط 2018، حاولت الشيخة لطيفة -إحدى بنات الشيخ محمد من زوجته الجزائرية- الفرار من قصر أبيها، إلا أنه تم العثور عليها وإعادتها قسراً إلى الإمارات بعد القبض عليها وهي على متن أحد اليخوت في المحيط الهندي.
التفاصيل الكاملة لقصة الشيخة لطيفة لم يكشف عنها النقاب بعد، إلا أن الأميرة البالغة من العمر 33 عاماً كانت قد سجلت مقطع فيديو تحدثت فيه عن انعدام الحرية في قصر أبيها، وعدم الحق في الاختيار، بالإضافة إلى العنف الأسري الذي تتعرض له بأوامر من والدها.
الأميرة هيا- سفيرة النوايا الحسنة في الأمم المتحدة، تولت مسؤولية التستر على فضيحة هروب الشيخة لطيفة، إلا أن مجهوداتها جاءت بنتائج عكسية، ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، دعت الأميرة هيا صديقتها ماري روبنسون، رئيسة إيرلندا السابقة، إلى دبي للقاء الشيخة لطيفة، بعد شهور من القبض عليها والذي تسبب في قلق دولي كبير على سلامتها.
نشرت روبنسون في وقت لاحق صوراً للقائها مع الأميرة التي بدت في حالة ذهول، لكن سرعان ما تم انتقادها لمشاركتها في ما اعتبر على نطاق واسع حيلة في العلاقات العامة.
الأميرة هيا أيضاً واجهت رد فعل دولي عنيف، حيث قامت عدة منظمات غير حكومية بإرسال شكاوى إلى الأمم المتحدة ضد الأميرة هيا، متهمين إياها بالتناقض، كونها تحظى بسمعة طيبة ومعروف عنها أنها محبة للأعمال الخيرية ومدافعة عن حقوق الإنسان، ومع ذلك حاولت التغطية على ما تم ارتكابه بحق الشيخة لطيفة.
يبدو أن هذه الانتقادات قد مست الأميرة هيا بصورة مباشرة وأثرت عليها، خاصة تلك الانتقادات التي وجهت ضد زوجها، لتصرح في مقابلة لها في 05 يناير/كانون الثاني الماضي إنها ستتوقف عن الدفاع عن الشيخ محمد إذا اكتشفت أن قصة الشيخة لطيفة عن تعرضها لسوء معاملة كانت حقيقية، وكانت هذه هي آخر مقابلة ظهرت فيها الشيخة هيا، حيث توقفت عن الظهور في الأماكن العامة، وظلت غير نشطة على وسائل التواصل الاجتماعي منذ فبراير/شباط الماضي، كما أنها لم تظهر في بطولة سباق الخيل الملكية السنوية المقامة في أسكوت في يونيو/حزيران الماضي، في حين حضر الشيخ محمد كالمعتاد، والتقطت له صوراً مع الملكة، وفي اليوم الأخير من البطولة تم نشر قصيدته “عشتي ومتي”.
القصيدة المُشار إليها تسببت في انتشار الشائعات في جميع أنحاء المنطقة حول الأسباب الحقيقة وراء اختفاء الأميرة هيا، مع خروج بعض الأصوات التي تقول أنها قامت بارتكاب “الزنا” وخيانة زوجها، إلا أن أحد الأشخاص المقربين من الشيخة اللطيفة أكد أن رحيل الأميرة هيا كان سببه الرئيسي رغبتها في حماية أطفالها من عنف والدهم، ونقلاً عن ” تينا يوهانين”، صديقة فنلدنية للطيفة، وظهرت معها في صورة شخصية أثناء قيام لطيفة بالفرار، فإن لطيفة “فتحت عين هيا على حقائق مروعة دفعتها للفرار للحصول على مستقبل أفضل لها ولأطفالها، كي لا يرغموا على الزواج من شخص لا يريدونه أم يحبسوا في حال عصوا الأوامر”.
وصول الأميرة هيا إلى المملكة المتحدة يُسلط الضوء على قصص هروب النساء من القصر الملكي في دبي، ويعيد الأضواء مرة أخرى على حالات هروب بنات الشيخ محمد بن راشد الشيخة لطيفة والشيخة شمسة، والتي هربت إلى لندن وتم اختطافها من هناك عام 2000 وأُعيدت إلى دبي بالقوة.
فبحسب ديفيد هاي، المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، والذي يمثل الشيخة لطيفة منذ أكثر من عام أمام محكمة بريطانية تنظر قضية اختطافها وإعادتها إلى دبي، على أمل إجبار دبي على السماح لها بالعودة مرة أخرى، فإن أي دعوى قضائية تسعى الأميرة “هيا” الآن لمحاولتها البقاء في بريطانيا ستصب في مصلحة الشيخة لطيفة في النهاية.
كما قال ديفيد هاي “قضية الأميرة هيا أتت في توقيت مثالي بالنسبة لنا الآن، كل ما عليها هو أن تثبت أن الشيخ محمد يشكل خطراً على أطفالها”، وأضاف “لسنا سعداء بما حل بالأميرة هيا، ولكنه سيمنح لطيفة فرصة جيدة”.
أي شهادة تقدمها الأميرة هيا بالنيابة عنها، بما في ذلك الفيديو الذي سجلته الشيخة لطيفة ومدته 39 دقيقة، بالإضافة إلى 10 دقائق إضافية من لقطات غير مرئية لمحاميها، يمكن أن تدين حاكم دبي أمام المحاكم البريطانية، ليس فقط فيما يخصها، ولكن فيما يخص بنات زوجها أيضاً.
هروب الأميرة “هيا” لم يعزز فقط من مزاعم الشيخة اللطيفة حول تعرضها للتعذيب والحبس داخل قصر أبيها، إلا أنه أظهر الوجه الآخر لدبي الشهيرة بكونها مكاناً جاذباً للاستثمارات الدولية، حيث أظهرها سجناً كبيراً للمرأة تكون بداخله محرومة من أبسط حقوقها وتتعرض لتمييز عنصري .
من المفارقات العجيبة أيضاً أن الإمارات العربية المتحدة تعد هي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي ليس لديها قوانين تحظر العنف المنزلي ضد المرأة، ففي حالات الطلاق على سبيل المثال، لا يتم اعتبار العنف المنزلي سبباً رئيسياً لإتمام الطلاق.
وفقًا لهبة زيادين، محققة هيومن رايتس ووتش في الإمارات العربية المتحدة، فإنه في حالات الطلاق، يحتفظ الأب تلقائيًا بالوصاية القانونية على الأبناء، على الرغم من سماح القانون للأم بحضانة الأبناء قبل بلوغهم سن المراهقة، ما لم تتزوج مرة أخرى أو ثبت أنها قامت بارتكاب أفعال ضد الشريعة الإسلامية، وعليه فإنه بالنظر إلى موقف زوجها واتهاماته العلنية لها بالخيانة الزوجية، لن يكون لدى الأميرة “هيا” أي أمل في الاحتفاظ بحضانة أبنائها إذا قررت متابعة الطلاق في دبي.
قد يكون الدافع وراء قرار الأميرة هيا بالفرار إلى المملكة المتحدة، بدلاً من بلدها الأصلي في الأردن، هو البحث عن نظام قضائي يحترم القانون، خاصة وأنها إذا ذهبت إلى الأردن، فستتعرض الحكومة لضغط شديد لإعادتها إلى دبي.
من ناحية أخرى، وعلى الرغم من فشل الشيخة لطيفة في الفرار، فإن محاولتها تلك شجعت عدداً من النساء الأثرياء في الإمارات، بينهن اثنتين من العائلة المالكة، لإرسال تسجيلات مصورة لديفيد هاي كالتي أرسلت بها الشيخة لطيفة، يحكين فيها المعاناة اللاتي يلاقينها داخل الإمارات والعنف الأسري الذي يتعرضن له مع توثيق لظروف المعيشة القاسية، طالبات المساعدة منه للتخلص من تلك الحياة، في إشارة لتزايد عدد النساء في المنطقة العربية والراغبات في الفرار والتخلص من البيئة التي تفرض عليهن نظام الوصاية الذكورية، والتي قد تدفع بعضهن أحياناً لترك الإسلام بسبب التطبيق الخاطئ له من قبل أولياء أمورهن.
إن اختفاء الأميرة هيا، أبرز النساء في المنطقة، والمتزوجة من واحد من أغنى وأقوى الرجال في العالم، يحمل رسالة إضافية مفادها أنه حتى النساء في الطبقة الحاكمة في المنطقة يعانين حتى وإن لم يُسمع صوتهن، ولعل مكانة الأميرة “هيا” البارزة في المنطقة قد تجلب المشاكل على زوجها الشيخ محمد في حال تم الكشف عن تفاصيل إضافية لقصة هروبها.
للاطلاع على النص الأصلي اضغط هنا
اضف تعليقا