العدسة: محمد العربي
حملت الشهادة التي قدمها الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في قضية الهروب من سجن وادي النطرون، الكثير من علامات الاستفهام حول حقيقة ما جرى خلال الأيام التي تلت 28 يناير 2011 وحتى 30 من الشهر نفسه، وما الذي تمثله هذه القضية من أهمية لنظام السيسي من جهة، ولنظام مبارك من جهة أخرى، ولجماعة الإخوان المسلمين من جهة ثالثة، وللثورة المصرية من جهة رابعة.
“هل هرب الرئيس من السجن ” سؤال ربما مازال يثير جدلا بين المؤيدين والرافضين لحكم الدكتور محمد مرسي، إلا أن ما اتفق عليه الجميع بأنه إذا كان مرسي قد هرب من السجن، فكيف أصبح رئيسا بعدها بعام ونصف، وكيف أصبح الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيسا لبرلمان الثورة بعد عام من هذا الهروب.
مؤامرة رباعية
ووفقا لمتابعين لهذه القضية فإنها تمثل مؤامرة اشتركت أربعة جهات رسمية مصرية في صياغتها، ولم يقدموا لها دليلا حتى الآن، وتتمثل أطراف المؤامرة في المخابرات الحربية، والمحامي العام السابق لنيابات شرق القاهرة مصطفي خاطر، والقاضي خالد محجوب رئيس محكمة جنح الاسماعيلية الذي حرك القضية، ووزارة الداخلية ممثلة في وزرائها حبيب العادلي ومحمد إبراهيم.
وتؤكد معلومات حصل عليها “العدسة” من مقربين لهذه القضية، أنه كان يتم الترتيب لها منذ يناير 2012، بعد فشل النائب العام الأسبق طلعت عبد الله في تنفيذ قراره بنقل المستشار مصطفي خاطر من المحامي العام لشرق القاهرة، إلى المحامي العام لبني سويف، نتيجة اقتحام وكلاء النيابة لمكتب عبد الله وتهديده بالأسلحة إذا لم يتم إلغاء قرار النقل.
وحسب المعلومات الموثقة فإن خاطر التقط طرف الخيط من قضية رفعها الشيخ يسرى عبد المنعم نوفل للطعن علي حكم بحبسه 3 أشهر بتهمة الهروب من سجن أبو زعبل خلال أحداث الثورة، رغم انتهاء مدة عقوبته بالأشغال الشاقة 25 عاما في تهمة اغتيال وزير الداخلية الأسبق حسن أبو باشا منذ عام 2007، ورغم أن نوفل حصل بالفعل على حكم بالبراءة من تهمة الهروب، إلا أنه وبدون أي سند قانوني، أقحمت الجهات الأمنية أحد المحامين للمشاركة في القضية من باب الادعاء المدني متهما الرئيس محمد مرسي و40 من قيادات الإخوان بالهروب من سجن وادي النطرون خلال أحداث الثورة.
وبالفعل قام القاضي خالد محجوب بقبول الدعوى ودعا الجهات القضائية المعنية بالتحقيق فيها، واتخاذ الإجراءات القانونية لمحاكمة رئيس الجمهورية محمد مرسي بتهمة الهروب من سجن وادي النطرون، لتنطلق الكذبة بعد ذلك في العديد من المحطات المختلفة والشائكة.
ووفقا للمعلومات فإن خاطر قرر إغلاق أرشيف نيابة شرق القاهرة الكلية بالعباسية لمدة ثلاثة أشهر كاملة، بحجة وجود ثعابين بغرفة الأرشيف، بينما كان يقوم بالتفتيش في دفاتر القضايا القديمة، لتجهيز محاضر اتهام لقيادات الإخوان، مثل حسن مالك وخيرت الشاطر ومحمد البلتاجي وعصام العريان، وغيرهم، حتى جاءه طلب إعادة فتح القضية من القاضي محجوب الذي كافأه السيسي بعد ذلك بالتعيين في المكتب الفني للنائب العام السابق هشام بركات.
وفي مارس 2013 أجرت قناة CBC الفضائية حوارا متلفزا مع وزير الداخلية وقتها محمد إبراهيم للحديث عن ملابسات القضية، وقد جزم إبراهيم بأنه لا صحة مطلقا للمعلومات المتداولة عن هروب الرئيس محمد مرسي وقيادات الإخوان الآخرين، مؤكدا أنه كان مساعدا لوزير الداخلية لمصلحة السجون، وقد أطلع على دفاتر اليوميات ومحاضر الضبط وقرارات النيابة الخاصة باعتقال الدكتور مرسي وقيادات الإخوان في 28 يناير 2011، ولم يجد أي دليل لإدانتهم بالهروب، متهما الإعلام وقتها بإثارة البلبلة والفوضى في ظل الأزمة السياسية التي كانت تشهدها مصر.
ورغم أن شهادة الوزير موثقة، إلا أن محكمة جنايات القاهرة سواء في أول درجة برئاسة المستشار شعبان الشامي، أو ثاني درجة برئاسة المستشار شرين فهمي، رفضتا طلب قدمه الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة ورئيس البرلمان السابق وأحد المتهمين في القضية، بضم تسجيل الفيديو الخاص بلقاء وزير الداخلية ضمن أحراز وأدلة القضية، كما رفضت المحاكمة طلب الكتاتني بعمل مواجهة مع الوزير خلال شهادته في القضية.
وحسب المعلومات التي حصل عليها “العدسة” فإن الكتاتني كان قد تحدث مع الوزير محمد إبراهيم حول ما يثار حول هذه القضية وقتها، وطالبه باتخاذ الإجراءات القانونية المتعلقة بهذه الاتهامات ضد قيادات الإخوان، إذا كان لدى الوزارة أي أدلة ضدهم، حتى تستطيع هذه القيادات إبراء ساحتها وخاصة الرئيس محمد مرسي، وهو ما رد عليه الوزير بأنه لا يوجد أي شيء من هذا القبيل، وأنها مجرد حرب إعلامية، مخبرا الكتاتني بأنه سوف يشارك في لقاء تليفزيوني مساء نفس اليوم يوضح فيه كل هذه الحقائق.
تغير المسار مرتين
ووفقا لمقربين من القضية فإنها شهدت تغييرا لمسارها مرتين، خاصة وأن القضية كانت الأولى بعد الانقلاب العسكري مباشرة، حيث أعلن النائب العام السابق هشام بركات صباح الجمعة 5 يوليو 2013 التحقيق مع مرسي وقيادات الإخوان بتهمة الهروب من سجن وادي النطرون، وضم للقضية ما يقرب من سبعين شخصا آخرين منهم شخصيات فلسطينية وأخرى لبنانية وإيرانية، كما ضم للقضية شخصيات لم تكن موجودة في القضية من الأساس لوجودها في السجن بهذا الوقت مثل خيرت الشاطر، أو كانوا خارج مصر مثل أيمن علي وعصام الحداد ونجله جهاد الحداد والمرشد العام الدكتور محمد بديع، بالإضافة لآخرين لم يكونوا ضمن المعتقلين في سجن وادي النطرون مثل محمد البلتاجي وصفوت حجازي وحازم فاروق، وكانت المفاجأة بضم الشيخ يسري نوفل للقضية رغم أنه كان موجودا بسجن أبو زعبل، وليس وادي النطرون وتم تبرئته من تهمة الهروب على يد محكمة جنح الإسماعيلية.
وحسب المقربون فقد بدأ أول تغيير في مسار القضية من خلال القاضي شعبان الشامي، الذي كشف فشل الأمن الوطني وزميله مصطفي خاطر في حبك سيناريو القضية، نتيجة ضم كل هذه الشخصيات في محضر تحريات واحد، فقام بفصلها لقضيتين الأولى المتهم فيها الرئيس مرسي والقيادات التي تم اعتقالها بالفعل فجر 28 يناير 2011، ومعهم الذين صدر بحقهم أمر اعتقال ولكن لم تتمكن قوات الأمن من اعتقالهم مثل محمد البلتاجي، وهي قضية الهروب من سجن وادي النطرون.
أما القضية الثانية فكانت التخابر مع حماس وتم ضم نفس مجموعة وادي النطرون بالإضافة لقيادات الإخوان الذين لم يكن لهم أية علاقة بوادي النطرون مثل خيرت الشاطر ونجله الحسن وعصام الحداد ونجله جهاد وأيمن علي، بالإضافة لكل الأسماء الفلسطينية الواردة في محضر التحريات بأنها تابعة لحركة حماس.
أما الشخصيات التي لم يكن لها ناقة أو جمل في القضيتين ، ولكن كان يتم معاقبتهم لمشاركتهم في أحداث ميدان التحرير بثورة يناير مثل المستشار محمود الخضيري وحازم فاروق وصفوت حجازي، فقد تم توزيعهم على القضيتين بتهم المشاركة في تسهيل الهروب واقتحام السجون.
التغيير الثاني.
ويشير المحامون الذين تابعوا أحداث القضية، أنه بعد حكم محكمة النقض برفض الأحكام التي أصدرتها محكمة الجنايات الأولى برئاسة شعبان الشامي ضد المتهمين في القضية والتي تنوعت بين الإعدام والمؤبد، فإن المسئولين عن ملف القضاء وجدوا أنفسهم في أزمة خاصة وأن الحكم الذي صدر في البداية ضد الدكتور مرسي ومن معه، اعتمدت عليه محكمة الجنايات الثانية التي أصدرت حكما ببراءة حسني مبارك وولديه وحبيب العادلي وقيادات الداخلية في قضية قتل المتظاهرين في ميدان التحرير وأحداث ثورة يناير 2011، والتي اشتهرت بقضية القرن.
وحسبما أكد المتابعون فإن المخرج الوحيد لاستمرار تبرئة مبارك ومعالجة فضيحة الحكم الذي أصدره المستشار محمود كامل الرشيدي، كان بتحويل مسار قضية وادي النطرون للمرة الثانية علي يد المستشار محمد شرين فهمي، من الهروب من سجن وادي النطرون إلي اقتحام الحدود الشرقية لمصر وتهريب المتهمين في السجون وقتل المتظاهرين في الميادين.
اضف تعليقا