العدسة: محمد العربي

فيما يمثل ضربة موجعة لحكومة الانقلاب بمصر كشف اخر تقرير للبنك المركزي المصري عن هروب أكثر من 8 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية العاملة بمصر خلال الاشهر الأربعة الماضية، وطبقا لتقرير البنك المركزي الصادر الخميس 7 سبتمبر الجاري، فإن استثمارات الأجانب بالعملة المحلية في أذون الخزانة تراجعت بمعدل 269 مليار جنيه (15 مليار دولار) نهاية يوليو 2018.

ووفقا لتقرير البنك المركزي فإن الأجانب قد سحبوا 8.1 مليارات دولار من مصر خلال أربعة أشهر في الفترة بين أبريل حتى نهاية يوليو من العام الجاري.

ويثير هذا التراجع تساؤلات عن أسباب هروب الاستثمارات الأجنبية من مصر، رغم التسهيلات التي تمنحها الحكومة للمستثمرين الأجانب، وهل يمثل ذلك ترجمة لتحذيرات صندوق النقد الدولي قبل أسابيع بأن الاستثمارات الأجنبية في مصر سوف تشهد تراجعا، وهل للأوضاع السياسية علاقة بهذا التراجع الذي يأتي بعد خمسة أشهر من تولي رئيس الإنقلاب عبد الفتاح السيسي لولايته الثانية، مما يمثل تصويتا دوليا علي عدم الرغبة في وجوده؟

تراجع مستمر

وطبقا لبيانات البنك المركزي المصري الصادرة في مارس ويونيو الماضيين فإن معدلات الاستثمارات الأجنبية بمصر تشهد تراجعا ملحوظا سواء في الاستثمارات المباشرة التي يتم ضخها في الوعاء الادخاري المصري، أو الاستثمارات غير المباشرة المتعلقة بتداول أذون الخزانة.

وطبقا لبيان البنك المركزي في يونيو الماضي فقد شهدت الاستثمارات الأجنبية تراجعا في صافي الاستثمار المباشر خلال أول 9 أشهر من العام المالي الجاري بنسبة 8.3% مقارنة بنفس الفترة من عام 2016-2017.

وبحسب بيان البنك فقد سجل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر تدفقات للداخل بنحو 6.019 مليار دولار خلال الفترة من يوليو إلى مارس من عام 2017-2018 مقابل 6.565 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي.

وقال البنك المركزي إن تسجيل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر بمصر لتدفقات للداخل يأتي كنتيجة أساسية لتحقيق صافي الاستثمار في قطاع البترول نحو 3.4 مليار دولار.

وحقق الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر إجمالي تدفق للداخل بلغ نحو 10.2 مليار دولار، بينما سجل إجمالي التدفق للخارج نحو 4.2 مليار دولار، كما سجل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الربع الثالث من العام المالي الجاري 2.256 مليار دولار مقابل 2.278 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي بتراجع طفيف بلغ 22 مليون دولار.

وقال البنك المركزي إن الاستثمارات بمحفظة الأوراق المالية في مصر سجلت صافي تدفق للداخل بلغ نحو 14.9 مليار دولار خلال أول 9 أشهر من العام المالي الجاري مقابل 7.8 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2016-2017.

وأرجع البنك ذلك في الأساس لزيادة استثمارات الأجانب في أذون الخزانة المصرية لتحقق صافي مشتريات بلغ نحو 11.5 مليار دولار مقابل نحو 4.3 مليار دولار، إلى جانب إصدار الحكومة المصرية سندات في الخارج بقيمة نحو 3.3 مليار دولار خلال الربع الثالث من عام 2017-2018.

وهو ما أكده أيضا بيان البنك المركزي في مارس الماضي، عن أداء ميزان المدفوعات والذي أكد فيه تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر بنحو 12% خلال النصف الأول من العام المالي الجاري.

وقال البنك في بيانه إن الاستثمارات الأجنبية المباشرة سجلت نحو 3.8 مليار دولار في النصف الأول من 2017-2018، مقابل نحو 4.3 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي.

تحذيرات صندوق النقد

وفي يوليو الماضي توقع صندوق النقد الدولي أن يتراجع صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة بمصر إلى 9.5 مليارات دولار خلال العام المالي الجاري 2018-2019، مقابل 9.9 مليارات دولار في توقعات سابقة، وتنبأ الصندوق بأن يقفز صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة بمصر إلى 11.3 مليار دولار في العام المالي المقبل 2019-2020.

ووطبقا لأرقام الصندوق الذي يشرف علي عمليات الإصلاح الاقتصادي للحكومة المصرية فقد تراجع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر، بنسبة 8.3 %على أساس سنوي، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الماضي 2017-2018، إلى 6.019 مليارات دولار، مقابل 6.565 مليارات دولار في نفس الفترة المقابلة من العام السابق له، وفقا لبيانات البنك المركزي المصري.

وحذر الصندوق من مخاطر تواجهها مصر فيما يتعلق بتدفقات رأس المال إلى الخارج في الأشهر الأخيرة ، بسبب تشديد الأوضاع المالية العالمية المتعلقة برفع أسعار الفائدة، مما ساهم أيضا في تراجع تدفق المستثمرين إلى الأسواق الناشئة.

شهادة سلبية

ويري خبراء اقتصاديون أن هذا التراجع في الاستثمارات الأجنبية يعكس حالة عدم الثقة في الإجراءات الحكومية المتعددة، وهو ما يشير أيضا لفقدان الثقة في رئيس النظام السيسي الذي احتفل قبل خمسة أشهر بتوليه الفترة الرئاسية الثانية، ويري الخبراء أو الأوضاع السياسية الملتهبة تمثل سببا رئيسيا في عدم ثقة الاقتصاد الدولي في الاقتصاد المحلي، رغم ما تتميز به مصر من إمكانيات لوجستية وبشرية.

ويري الخبراء كذلك أن هذا التراجع يثير كذلك تساؤلات عما تزعمه حكومة السيسي من أن مصر سوف تكون أكبر مركزا للخدمات البتروكيماوية علي مستوي العالم نتيجة الاكتشافات المتعلقة بالغاز والبترول التي يتم الإعلان عن اكتشافها بشكل مضطرد خلال الأشهر الماضية.

ورصدت تقارير إعلامية متخصصة أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تقف وراء تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية لمصر وهي عدم الاستقرار السياسي، وارتفاع معدلات الفائدة، والتوترات الجيوسياسية التي حولت المنطقة العربية لساحة من النزاع المتمدد سواء في سوريا واليمن أو العراق وفلسطين والتوتر الدولي الأمريكي تجاه إيران، والخلاف الخليجي مع قطر.

ويؤكد المختصون أن عدم ثقة المستثمرين الأجانب في استقرار الوضع السياسي بمصر، حتي بعد الجولة الثانية من الانتخابات، جعلهم يفكرون كثيرا قبل ضخ أموال في السوق المصرية، وبالتالي يتوجهون نحو أسواق أخري أكثر أمنا في القارة الإفريقية مثل إثيوبيا وروندا.

ويشير أصحاب هذا الرأي أن الاقتصاد المصري أصبح تحت سيطرة كاملة للمؤسسة العسكرية، وهو ما يمثل سببا إضافيا لتخوف رأس المال الأجنبي الذي مازال متذكرا للحقبة الناصرية التي توسعت في عمليات التأميم، كما أن تجارب الحكومات العسكرية علي مستوي العالم لم تقدم نموذجا إيجابيا يمكن الارتكان إليه عند رسم سياسة اقتصادية دولية.

غياب الرؤية

ويشير الباحثون المختصصون برسم السياسات الاقتصادية أن الحكومة المصرية فشلت في رسم سياسة اقتصادية فيما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية، وبالتالي اعتمدت الحكومات المصرية في ظل الإنقلاب العسكري علي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع البترول والتي بلغت نحو 2.1 مليار دولار من إجمالي نحو 3.8 مليارات دولار، في النصف الأول من العام المالي الجاري، واستثمارات اخري متعلقة بشراء اذون الخزانة.

ويري هذا الفريق أن الحكومات المصرية تتعامل مع الاستثمار الأجنبي على أنه غاية في حد ذاته، بينما يجب اعتباره وسيلة لتعزيز النمو في الاقتصاد المصري مثل التصنيع وغيره من القطاعات المهمة، وهو ما أدي في النهاية لتراجع مصر في ترتيب تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2018 الصادر عن البنك الدولي، والذي كشف عن تراجع مصر 6 مراكز عالميا من المرتبة 122 إلى 128، بعدما سجلت تراجعا في 4 معايير واستقرارا في 3 أخرى وتقدما في 3 من أصل معايير يستند عليها التقرير في الترتيب.

وعلق الخبراء علي هذا التقرير بأن تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، يعتمد على عدة أمور منها، معدل التضخم وبيئة الاستثمار التي تشمل الجانب التشريعي، وسهولة دخول وخروج المستثمر من السوق، وعياب المؤسسات الاقتصادية القوية وسهولة توافر المعلومات والخريطة الاستثمارية المتعلقة بالأمان والسلامة.