بعد عشر سنوات من مقتل معمر القذافي على يد الثوار، تكافح ليبيا لاستعادة الاستقرار، حيث كان الزعيم السابق يحكم البلاد بقبضة من حديد منذ انقلابه على النظام الملكي عام 1969.
قناة “tv5monde” الفرنسية نشرت تقريرًا عن ليبيا قالت فيه: بعد عشر سنوات على وفاة القذافي، لا تزال البلاد منقسمة بين حكومة طرابلس وقوات المشير حفتر، وتساءلت هل ستتمكن ليبيا في يوم من الأيام من استعادة وحدتها؟
وفي مقابلة مع الخبير في الشأن الليبي والباحث في وحدة الأبحاث حول النزاعات بـ “معهد كلينغندايل للعلاقات الدولية” في لاهاي، الدكتور جلال حرشاوي، أشارت إلى منذ يونيو/ حزيران 2020، توقّف القتال الرئيسي بين قوات حكومة طرابلس وقوات حفتر فهل يبعث هذا على الأمل؟
وأوضحت أنه في يوم 20 أكتوبر/ تشرين أول 2011، كانت مدينة سرت تحت الحصار وحاول معمر القذافي مع بعض أنصاره الفرار لكن تم القبض عليه من قبل المعارضين وقتل، لتطوى صفحة سياسية امتدت لأكثر من أربعين في ليبيا، لكن ومع ذلك، الرجال الذين أطاحوا بالقذافي لم يتمكنوا من التوافق سياسياً.
وأكدت أن البلاد لا تزال منقسمة بين حكومة طرابلس المعترف بها من قبل الأمم المتحدة وقوات المشير حفتر الذين يسيطرون على شرق البلاد، فبعد عدة سنوات من القتال، يبدو أن الوضع قد هدأ في الأشهر الأخيرة، إذ يعتقد حرشاوي أنه يجب التركيز على الجوانب الإيجابية لهذه الهدنة الهشة.
الحرب الأهلية الثانية
وفي رده على سؤال مفاده: كيف تطور الوضع في ليبيا منذ مقتل القذافي قال الخبير في الشأن الليبي: تواجه البلاد العديد من الأزمات، عدم تماسك نظام الحكم، والفساد، ونظام أمني مجزأ بالكامل، وخطر التقسيم بين الشرق والغرب.
لكنه ينوه بأنه رغم كل هذه الأزمات، فالحرب الأهلية التي بدأت في مايو/ أيار 2014، وأطلق عليها البعض الحرب الأهلية الليبية الثانية، يبدو أنها انتهت في يونيو/ حزيران 2020.
وتابع ” لقد مر أكثر من 16 شهرًا حيث مستوى العنف أقل بكثير مما كان عليه قبل يونيو/ حزيران 2020، قتل عدد أقل بكثير من المدنيين والاشتباكات أقل بين الجماعات المسلحة”.
ويرى حرشاوي أنها نهاية الحرب الساخنة، فلم يعد العنف مستمر بشكل يومي، باستثناء بعض المناوشات هنا وهناك، إنه شكل من أشكال الهدوء، لافتًا إلى أنه من السهل مع الذكرى العاشرة لوفاة القذافي رسم صورة سوداء للوضع، لكن هذا ليس صحيحًا.
وأضاف “علينا أن نفكر ونعترف بأن شيئًا ما قد تغير منذ يونيو/ حزيران 2020، لكن هل هذا من شأنه حل مشاكل الفساد؟ والميليشيات، وانقسام الجيش ومشكلة الهجرة؟ لا لكن ما حدث خطوة كبيرة إلى الأمام”.
وبين أنه على مدى 14 شهرًا، لا سيما أثناء الهجوم على طرابلس بين أبريل/ نيسان 2019 ويونيو/ حزيران 2020، كان يقتل ما بين 10 و15 ليبيًّا كل يوم.
وعما إذا كانت فترة الهدوء هذه مرتبطة بالمفاوضات التي بدأت عام 2020 بقيادة الأمم المتحدة، أجاب حرشاوي: ارتباطها قليل جدًا، أنا لست ممن يعزو هذا الهدوء إلى الموهبة غير العادية للدبلوماسيين الدوليين، فهناك ظاهرة سياسية أكثر واقعية”.
ورأى أن ” القوتان الأوروآسيويتان، روسيا وتركيا، قررتا بعد الاهتمام بليبيا ولأسباب خاصة تمامًا أن سيناريو الحرب المستمرة ليس في مصلحتهما”.
الوجود الإماراتي
وحول الوجود الإماراتي في ليبيا بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، لفت الخبير إلى أمرين. أولاً، أن الإمارات نفذت 1000 غارة جوية بين أبريل/ نيسان 2019 وديسمبر/ كانون أول 2019، ولم يكن ذلك من خلال حفتر، بل تدخلًا نجم عن رضا فرنسا وصمتها الدبلوماسي على وجه الخصوص وليس فقط واشنطن.
وأوضح أنه بمجرد أن قررت تركيا الوقوف إلى جانب الحكومة المعترف بها دولًا في ديسمبر/ كانون أول 2019، قررت التراجع وسحب رجالها وطائراتهم بدون طيار التي نصبوها على الجانب الآخر من الحدود مع مصر، لأن الإماراتيين، لا يتمتعون بالخبرة العسكرية مثل تركيا، والإمارات ليست قوة في الناتو ولا كتلة ديموغرافية كبيرة.
ثانيا هذا الانسحاب، وفقا لحرشاوي، يعني أنه لم يعد بإمكاننا التحدث عن تدخل عسكري من جانب الإماراتيين، ومع ذلك، فهم لا يزالون نشطين في تنسيق بعض العمليات السياسية: لتشكيل بعض التحالفات، وتلقين الأفكار، وجمع وإيواء بعض الفاعلين.
فالإمارات لا تزال تقف إلى جانب المشير حفتر، لكنها غيرت استراتيجيتها بالكامل، فضل المشير حفتر استراتيجية الحرب، وهذه الاستراتيجية لم تعد على جدول أعمال الإماراتيين الذين يفضلون المقامرة السياسية والخداع وراء الكواليس، الإمارات لا تزال نشطة، لكنها لم تعد تقتل الناس وتدمر البنية التحتية الوضع تغير تمامًا عن عام 2019.
وحول تطور وجود الجماعات الإرهابية في ليبيا، لفت حرشاوي إلى وجود لداعش بالبلاد، وبالتحديد جنوب غرب ليبيا، فهذا الوجود ليس مهما جدًا من حيث الحجم، ويمكن تقديره بـ 200 من المسلحين النشطين، فداعش لم تختف من البلاد.
وبين أن هناك بالتأكيد بضع مئات من الخلايا النائمة، وهؤلاء ممثلون لم يكشفوا عن أنفسهم أبدًا بأنهم من مقاتلي داعش النشطين، ويمكنهم الظهور في ظروف أخرى في المستقبل القريب.
أما فيما يخص الوضع السياسي الحالي في ليبيا، قال الخبير في الشأن الليبي: رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة يجسد أسلوبًا مختلفًا في الحكم، كان من المفترض أن يغادر في ديسمبر/ كانون أول 2021 لكن يبدو أنه لا ينوي ذلك.
ووفقا له، فالدبيبة شخص ليس مهووسًا على الإطلاق بالفصائل والأحقاد، وليس حساسًا على الإطلاق تجاه الولاءات الأيديولوجية المختلفة ، كما أنه ليس من يستخدم منطق الانتقام أو المحسوبية السياسية البحتة، فعلى العكس من ذلك، هو شخص مهووس باعتبارات ميكافيلية براجماتية موضوعها المشترك هو وقف الحرب وزيادة الأنشطة الاقتصادية، فكلما زاد النشاط الاقتصادي، زادت شعبية رئيس الحكومة وزادت من قدرته على البقاء في منصبه.
وأكد أنه بالنسبة إلى السكان المرهقين أو المحبطين، فإن هذا النوع من البراغماتية يثير التعاطف والشعبية، وإذا كان هناك تحسن اقتصادي فربما يستمر لفترة أطول من المتوقع، وستنهار تدريجياً الجهات الفاعلة التي اعتدنا عليها مثل المشير حفتر.
للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا
اضف تعليقا